تعتبر الشراكة التي تجمع بين الجامعة الملكية المغربية للقنص والوكالة الوطنية للمياه والغابات إحدى الركائز الأساسية في تدبير الثروة الحيوانية ببلادنا، حيث وضعت برامج للأعمار وإطلاق الوحيش داخل المحميات الثلاثية قصد تثمين الموارد الطبيعية وضمان استدامة ممارسة القنص في إطار منظم.
وقد أوكل للمكاتب الجهوية دور محوري في تنزيل هذه الاستراتيجية على أرض الواقع من خلال التنسيق مع الجمعيات المحلية وتوفير المواكبة الميدانية اللازمة لنجاح عمليات الأعمار. غير أن هذه المكاتب، ورغم ما تتوفر عليه من إمكانيات لوجستيكية وبشرية مهمة، تبقى مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوسيع تدخلاتها وعدم الاكتفاء بالجانب البروتوكولي المتعلق بتوزيع الطرائد أو تسيير بعض المحميات، وذلك بالنظر إلى الظروف المناخية الصعبة التي تشهدها البلاد.
فالحرارة المفرطة والجفاف المستمر أضحيا يشكلان تهديدا مباشرا لحياة الطرائد وعلى رأسها طائر الحجل الذي يعتبر من أكثر الطيور حساسية لنقص الماء في مواطنه الطبيعية. وإذا كانت الجامعة تصرف سنويا مبالغ مالية ضخمة من أجل اقتناء هذا الطائر وإطلاقه في المحميات، فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل يكفي إطلاق آلاف الطيور دون التفكير في ضمان شروط عيشها الأساسية، وفي مقدمتها الماء، في زمن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة؟
إن الاستثمار الحقيقي في الوحيش لا يقاس بعدد الطرائد التي يتم توزيعها ولا بحجم الأموال المرصودة لذلك، وإنما يقاس بمدى قدرة هذه الطرائد على التأقلم والبقاء داخل بيئتها الطبيعية بعد إطلاقها. وبدون تتبع علمي صارم يضمن بقاءها واستقرارها فإن هذه الاستثمارات قد تتحول إلى مجرد إنفاق بروتوكولي لا مردودية بيولوجية له ولا أثر ميداني.
إن المكاتب الجهوية مطالبة اليوم بالانتقال من منطق الإدارة الورقية إلى منطق الإدارة الميدانية، حيث يصبح توفير الماء للطيور البرية أولوية لا تقل أهمية عن عملية الأعمار نفسها. فالتفكير في وضع أحواض وسقايات داخل المحميات، أو توزيع نقاط ماء متنقلة بتنسيق مع الجمعيات النشيطة، يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من أي برنامج للأعمار. ومثل هذه المبادرات هي التي ستحول المكاتب الجهوية من مجرد هياكل تنظيمية إلى مؤسسات فاعلة على الأرض، تسهم في حماية الوحيش بشكل ملموس وتضمن استدامته.
إن الشراكة بين الجامعة والوكالة لن تقاس بما يوقع من اتفاقيات أو بما ينظم من لقاءات، بل بمدى انعكاسها على حماية الطرائد في الميدان. ومن هنا يبقى السؤال مفتوحا: هل ستبادر الجامعة عبر فروعها الجهوية إلى وضع خطة عملية لتأمين الماء للطيور في ظل هذه الظروف المناخية القاسية، أم ستظل الأموال تصرف على شراء الحجل وإطلاقه في المحميات دون أي تتبع جدي لمصيره؟
إن حماية الوحيش في زمن الجفاف هي التحدي الحقيقي الذي سيكشف إن كان الاستثمار في الأعمار مجرد واجهة شكلية، أم أنه بالفعل خيار استراتيجي يقوم على التدبير المستدام للثروة الحيوانية.
