Wednesday 9 July 2025
مجتمع

حميدي عبد الرفيع: إغلاق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة".. أسئلة الإقصاء وحصيلة الفوضى التنظيمية

حميدي عبد الرفيع: إغلاق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة".. أسئلة الإقصاء وحصيلة الفوضى التنظيمية حميدي عبد الرفيع

فوجئت العديد من الجمعيات والمنظمات التربوية بقرار إغلاق مخيمي"بن صميم" و"خرزوزة من طرف السلطات الإقليمية بإفران حسب ما نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بدعوى "غياب شروط السلامة والتأهيل". هذا القرار، الذي جاء بالتزامن مع انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم، أثار موجة استياء في أوساط الفاعلين التربويين، كما فجّر سلسلة من الأسئلة الحارقة حول مدى قانونية القرار، توقيته، والجهات التي تتحمّل مسؤوليته.

الإطار القانوني لتدبير فضاءات التخييم

وفقًا للمرجع التنظيمي المعتمد في البرنامج الوطني “عطلة للجميع”، فإن فتح فضاءات التخييم وإغلاقها يبقى من صلاحيات مشتركة بين وزارة الشباب والطفولة والجهات الإدارية الترابية، وخصوصًا اللجنة الجهوية للتخييم التي تضم ممثلين عن قطاع الشباب، السلطات المحلية، الوقاية المدنية، وزارة الصحة، وممثلي الجمعيات. ويشترط لفتح أي مركز تخييمي توفره على رخصة قانونية بعد إجراء زيارة تقنية ميدانية تقوم بها اللجنة المذكورة، وتُبنى قراراتها على تقارير السلامة الصحية والأمنية، وكفاءة البنية التحتية، والتجهيزات الضرورية لاستقبال الأطفال.

قرار فوقي في توقيت خاطئ

من قام بإصدار قرار الإغلاق لم يبادر إلى إعلان موقفه بخصوص المخيمين خلال مرحلة الإعداد، بل انتظر أن تُوزع الحصص على الجمعيات، وتُبرمج الأنشطة، وتُعبأ الأسر، ثم تم اتخاذ القرار فجأة: أغلقوا هذين الفضائين، هنا تبرز إشكالية غياب التنسيق المؤسسي بين الفاعلين العموميين قطاع الشباب كمشرف مركزيا، المديرية الجهوية باعتبارها الهيئة التقنية القريبة من الواقع، ثم السلطات المحلية بصلاحياتها الترابية فهل كان من الحكمة تأجيل القرار إلى ما بعد الانطلاقة؟ ولماذا لم تُفعّل الآليات القانونية لمراقبة جاهزية الفضاءات قبل البرمجة؟

تقاعس إداري أم قصور هيكلي؟

مخيم خرزوزة مغلق فعليًا منذ السنة الماضية. ومع ذلك تم إدراجه إلى جانب مخيم بنصميم في العرض الوطني للتخييم لموسم 2025. هنا يظهر الخلل التنظيمي واضحًا، أين هي اللجنة الجهوية للتأهيل والمراقبة؟ هل قامت بزيارة تقنية للموقعين؟ ولماذا لم يتم التنبيه إلى عدم جاهزيتهما قبل المصادقة على البرمجة الوطنية؟ أسئلة تؤكد أن التخييم في المغرب ما يزال يدار بمنطق موسمي ارتجالي، لا برؤية استراتيجية واضحة.

ميزانية مرصودة... وفضاأت مغقلة

في سنة 2024، تحدثت وزارة الشباب ومندوبية فاس-مكناس عن رصد ميزانية لتأهيل وتوسعة مخيم خرزوزة آنذاك، بُشّر الفاعلون الجمعويون بأن المخيم الجبلي التاريخي سيستعيد مكانته كوجهة متميزة للتخييم الجاد لكن الواقع يُكذب هذا الأمل: المخيم لم يُؤهَّل، ولم يُفتح، والمبلغ المرصود اختفى في غياهب الصمت الإداري، فمن المسؤول عن تعثر الأشغال؟ وأين تقرير التتبع والمراقبة؟ وهل فعلاً تم صرف الاعتمادات؟ أم أن العملية توقفت عند مرحلة الإعلان فقط؟ أسئلة مالية محورية تستدعي مساءلة برلمانية ورقابية، وتفتح بابًا حول الشفافية في تدبير المشاريع ذات الصلة بالطفولة والشباب.

حين أنقذت حركة الطفولة الشعبية "خرزوزة" من العطش والنسيان

ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها مخيم خرزوزة خطر الإغلاق. ففي سنوات الجفاف القاسية، حين شحّت المياه وعمّ القلق أرجاء الأطلس، لعبت حركة الطفولة الشعبية دورًا بطوليًا في حماية هذا الفضاء التربوي من الانطفاء بمعرفة دقيقة بجغرافيا المكان، وبحبٍّ أصيل للمخيم الذي يُعدّ أحد رموز التخييم الوطني، قامت أطر الحركة بتزويد "مخيمي الكوخ 24 والأرنب" بالماء الصالح للاستعمال، عبر حفر بئر وتجهيزه بأحدث التجهيزات المتاحة آنذاك، وذلك بتمويل ذاتي من مالية الجمعية. لم يكن ذلك العمل مجرّد إسعاف ظرفي، بل شكّل نواة لورش كبير خاضته الحركة من أجل تجديد المرافق، ترميم البنيات التحتية، وإعادة هيكلة الفضاء، في وقتٍ كانت فيه أغلب مراكز التخييم الوطنية تعتمد على المبيت في الخيام، وتعاني هشاشة لوجستيكية واضحة. لقد آمنت الحركة – ولاتزال – بأن التخييم ليس مناسبة موسمية عابرة، بل هو مشروع تربوي مستدام، يتطلب الاستثمار في الفضاء كما في الإنسان، وفي الأرض كما في القيم.

تآكل ذاكرة المخيمات الجبلية

ليست "خرزوزة" وحدها المهددة بالإغلاق أو الإهمال. فقد شهدت العقود الأخيرة اختفاء تدريجيًا لعدد من المراكز التخييمية التي كانت تُشكّل ذاكرة جمعية لجيل كامل من المستفيدين والمربين، هذه المراكز لم تكن مجرد فضاأت للإيواء، بل كانت مدارس في الهواء الطلق، ومسارح للتربية على المواطنة، ومختبرات للعيش المشترك. ومع ذلك، تتعرض اليوم لما يشبه "العقاب المجالي"، في ظل غياب الاستثمار العمومي الكافي في صيانتها وتطويرها، مقابل تركيز متزايد على المراكز الساحلية فلماذا تُسحب البوصلة من الجبل إلى البحر؟ لماذا يُحرم أطفال المغرب، خاصة القادمين من الداخل والمناطق القروية، من مخيمات طبيعية، صحية، وآمنة؟ وهل يمكن الحديث عن عدالة مجالية حقيقية في التخييم، بينما الأطلس – بكل رمزيته التاريخية والجغرافية – يتحول تدريجيًا إلى منطقة مغلقة بقرارات إدارية أو بإهمال ممنهج؟ أسئلة لا تبحث فقط عن أجوبة، بل عن إرادة سياسية تعيد للتخييم الجبلي مكانته اللائقة ضمن المنظومة الوطنية للتربية غير النظامية.

أزمة رؤية أم غياب إرادة؟

الحادث الأخير يعكس أزمة أعمق في تدبير الشأن التربوي الصيفي بالمغرب، هناك خلل بنيوي في التنسيق بين القطاعات الوزارية وإقصاء مُمَنْهج للجمعيات التربوية من المشورة واتخاذ القرار، وغياب آليات استباقية للتخطيط والتأهيل والتتبع. فإلى متى ستظل الإدارة تنظر إلى الجمعيات كشريك ثانوي، لا كفاعل رئيسي له رأي وخبرة ومكانة؟ ألا يستحق مئات الأطفال الذين تنقلوا من مدن بعيدة للوصول إلى الأطلس أن تُصان كرامتهم التربوية وتنظيمهم الزمني؟

خلاصة

إغلاق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" ليس مجرد حادث تقني، بل مرآة واضحة لخلل في الحكامة، وضعف في الرؤية، وتآكل في الثقة بين الدولة والمجتمع المدني، هي دعوة صريحة لفتح نقاش وطني حول مستقبل فضاءات التخييم، ليس بمنطق الإلغاء والإغلاق، بل بمنطق التأهيل والمشاركة والتوزيع العادل، لمن يهمه الأمر: كرامة الأطفال لا تتحمل الارتجال، ومخيمات الجبل ليست ترفًا... بل رصيد وطني يستحق الحماية لا النسيان.