في إطار الأنشطة العلمية والثقافية التي دأب على تنظيمها، نظّم مركز“كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية ” بشراكة مع “رئاسة أبريشية طنجة” لقاء علميًا حول كتاب “دراسات كيروسية: الأشعرية والجهاد والأحباس”. وذلك يوم السبت 23 ماي 2025 ببهو أبريشية طنجة. وقد هدف هذا اللقاء إلى إبراز أهمية الكتاب بوصفه حلقة وصل في التبادل الثقافي والعلمي بين المغرب وإسبانيا، وتجسيدا للتواصل الحضاري والتلاقح الثقافي بين البلدين الجارين، لا سيما أن موضوع الكتاب يتناول قضايا هامة من قبيل الأشعرية والجهاد والأحباس من منظور الأب كارلوس كيروس (1884-1960). شارك في هذا اللقاء العلمي النوعي الأخ عمر فيغيروFr. Omar Feguiroa ، مسؤول أرشيف أبرشية طنجة “Archidiócesis de Tánger”، والدكتور مصطفى بوجمعة، نائب العميد المكلف بالبحث العلمي والشراكة والتدريب، وأستاذ العقيدة والفكر وعلوم الأديان ومنسق ماستر “الأديان والحوار الحضاري” بكلية أصول الدين بتطوان، وبحضور مؤلف الكتاب الدكتور محمد بلال أشمل، أستاذ الفكر والحضارة بنفس الكلية، وأدارت أطوار اللقاء الباحثة كوثر محند وعمي. استُهِلّ اللقاء بكلمة الدكتور مصطفى بوجمعة عن مؤلِف الكتاب بكونه باحثا حصيفا، وخبيرا في الإسبانيات، وكفاءة وطنية، وخير سفير لكلية أصول الدين بتطوان لتمثيل البعد التواصلي والحضاري بين المغرب وإسبانيا. وأوضح ذلك من خلال ذكره لأهمية الكتاب؛ من حيث كونه-حسب د. بوجمعة-يمثل دفعةً جديدةً، لانبعاث التواصل الحضاري والتلاقح الثقافي بين المغرب وإسبانيا، خصوصا، وأن موضوع الكتاب يتطرق لقضايا في غاية الأهمية والتعقيد. فضلا عن التاريخ المشترك والعلاقات الثنائية التي تتسم بالتقلّب بين القبض والبسط، والمدّ والجزر. وعلى هذا الأساس، دعا إلى النظر برؤية حضارية تعترف بكل مجهودٍ علميّ وفكريّ، واستثمارهما في العلاقات الثنائية بالشأن الحضاري المشترك. وأضاف أن كتاب “دراسات كيروسية” يأتي في هذا السياق، بوصفه حلقة الوصل في التلاقح الثقافي والتبادل العلمي بين المغرب وإسبانيا. وأكد أستاذ العقيدة والفكر وعلوم الأديان، أن الكتاب يتسم بالفرادة والجدة والعناية؛ سواء على مستوى المنهج أو المضمون أو استقصاء للمتون الأصلية من مظانها، أو ترجمة نصوص لها صلة بالموضوع، ونقدها، وتقويمها بأسلوب متناسق ومنسجم، وبلغة متينة قوية. وبما أن كتاب “دراسات كيروسية” يدور حول الأب “كارلوس كيروس” واشتغاله بالأشعرية، والأحباس، والجهاد، فقد اختارالأخ عمر فيغيرو من جهته الحديث عن سياقات التكوين العلمي واللاهوتي للأب “كارلوس كيروس”، انطلاقا من تأطير تاريخي لسيرته، وتأمل خط تعليمه، ومساءلة الأعمال التي قام بها، وظروف اشتغاله ككاهن جيش، وكمدير لمعهد الدراسات المغربية، ولاسيما استفادته من إقامته الطويلة في المغرب، وصلته القوية بالأب “ميغيل آسين بالاسيوس”، وتتلمذه عليه. كما تناولت كلمة الأخ عمر بعض جوانب أعمال الأب “كيروس” حول “مؤسسات الدين الإسلامي”، حيث أكد انطلاقا من مقدمة كتابه والإهداء الخاص بقلمه من تطوان سنة 1939 إلى أسقف غاييبولي والنائب الرسولي في طنجة “خوصي مارية بيطانزوس أوماشيفيريا” (1863-1948) عميق تقديره للسلطات الكنسية، ولعملها الاجتماعي والخيري في شمال المغرب، وقدرته على التقاط أركان الدين الإسلامي شريعة وفقها. وأنهى الأخ عمر عرضه ببعض الأسئلة إلى مؤلف كتاب "دراسات كيروسية" حول صلة "كارلوس كيروس بالأب بالاسيوس" ومدى تأثر فكره وعمله بسيرة الرجل، وحقيقة الكتابات الإسبانية خلال فترة الحماية حول الواقع المغرب؛ وهي الأسئلة التي تولى المؤلف الدكتور محمد بلال أشمل الإجابة عليها باللغة الإسبانية خلال عرضه لمحتويات كتابه والسياقات العامة لتأليفه، والملامح العامة لمشروعه حول “الإسلام وحضارته في المتن الإسباني”. ومن جانبه، تناول المؤلف كلمة باللغتين العربية والإسبانية؛ تحدث خلالها عن صلته العلمية بالأب “كارلوس كيروس” الذي عليه مدار هذا الكتاب، وأشار إلى أنها تعود إلى فترة إعداده لأطروحته الأولى للدكتوراه حول موضوع “أصول الفقه عند أبي الوليد ابن رشد: تحليل نقدي لبداية المجتهد ونهاية المقتصد” في مدريد؛ حيث وقف على نسخة أصلية لترجمة “مختصر ما بعد الطبيعة” لابن رشد، موقعة في تطوان يوم 15 مارس 1919، وتساءل يومها “عمّن يكون المترجم، وماذا كان خبره في عاصمة الحماية الإسبانية؟” وبعدما انتهى من مناقشة أطروحته في مدريد، عكف على الإجابة على السؤالين الآنفين، وخلال مرحلة البحث تحصل لديه الكثير من المعطيات والوثائق ظهر له من المناسب بمقتضى الشغف العلمي إنجاز أطروحة دكتوراه ثانية عن الرجل تحت عنوان “الإسلاميات الإسبانية - الأب كارلوس كيروس أنموذجا-”. ومنذ ذلك الحين وقع على تراث الرجل وأعماله ومخطوطاته، وعلى كثير من أسراره وحقائقه، حتى صار صديقا روحيا وفكريا له، خاصة عندما علم أنه عاش أكثر من 27 سنة في تطاون العامرة. وعلى هذا، أكد المؤلف أن الكتاب الذي عليه مدار اللقاء هو ثمرة من ثمار الشغف العلمي؛ حيث عرض فيه لرؤية الرجل للأشعرية وعقائدها، وتصوره للجهاد وأحكامه، وأنظاره حول الأحباس ومنافعها ضمن الفقه المالكي. وفي ختام كلمته شكر سيادة أسقف طنجة "إيميليو روشا غراندي" وكل مسؤولي أبريشيتها على تهيئتهم أسباب نجاح اللقاء، كما وجه كلمات شكره أيضا إلى الباحثة كوثر محند وعمي، على حسن إدارتها للقاء، والدكتور مصطفى بوجمعة على قراءته البصيرة لمحتويات الكتاب، والأخ عمر فيغيرو على إثراء اللقاء بنظراته الفاحصة حول السيرة التعليمية والكنسية للأب كيروس، دون أن ينسى شكرا خاصا لجمهور الباحثين والمثقفين والطلبة على حضورهم ودعمهم للحياة الثقافية في بلادنا، وخاصة لأعضاء هيئة رئاسة المركز الدكتورة الخطابي، والدكتورة المرواني، والدكتور بلقات، ولممثل "نادي اللغات والتواصل" بكلية أصول الدين الباحث إلياس التاغي. وعقب كلمة المؤلف، تحدث جمع غفير من الباحثين من جامعة عبد المالك السعدي، أكدوا خلال كلماتهم على أهمية مثل هذه اللقاءات التي تعنى بقضايا دينية من منظور مختلف عقائديا ولغويا وثقافيا. وفي نهاية اللقاء تم توقيع اتفاقية تعاون بين “مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية" ورئاسة أبرشية طنجة”، بهدف تعزيز الحوار الثقافي والفكري والعلمي والأكاديمي، وتشجيع المبادرات البحثية المشتركة بين البلدين الجارين المغرب وإسبانيا.
نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين/تطوان