Wednesday 7 May 2025
مجتمع

رحيل رجل استثنائي الجامعي والجمعوي والنقابي حنبالي العايدي

رحيل رجل استثنائي الجامعي والجمعوي والنقابي حنبالي العايدي الراحل الحيحي يتوسط يسارا جمال المحافظ ومحمد بولعمان ويمينا المرحومين الكاتب العام للاميج النقيب محمد السملالى وأستاذ علوم التربية امحمد عاشور في احد أنشطتها بدار الشباب غازية بالرباط

برحيل الجامعي العايدي حنبالي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي سابقا، وعضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ، الذي وافته المنية السبت ثالث ماي 2025، بالرباط، تكون أسرة التربية والتكوين ومعها الحركة الجمعوية التطوعية والنقابية والسياسية، قد فقدت أحد وجوهها البارزة التي كانت تشتغل بصمت الحكماء وبدون ضجيج وتهافت الصالونات .

 

وكان الراحل، قد تحمل قيد حياته، مسؤولية قيادة النقابة الوطنية للتعليم العالي، من موقعه ككتاب عام لها  ما بين مارس 1979 وماي 1981 في مرحلة دقيقة من تاريخ هذه المنظمة التي كانت رائدة في مجالها وبصمت تاريخ الجامعة من خلال نضال فكري والتزام لأساتذتها الذين كانوا يجتهدون لاشاعة الفكر النقدي واعتماد المناهج العلمية والأكاديمية في التربية والتدريس بالمؤسسات والمعاهد الجامعية، والدفاع عن المدرسة العمومية، مساهما الى جانب آخرين من رفاقه الجامعيين في حقول معرفية متنوعة، في جعلها حصنا منيعا ضد كل محاولات تبخيس دور الجامعة وطمس مكانتها الريادية في تكوين وتأهيل الأجيال الصاعدة، وتسويد صورتها لدى الرأي العام ومن خلاله المجتمع.

 

ورغبة منه في ربط النظرية بالممارسة،  آمن العيادي حنبالي أستاذ الرياضيات بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، بالعمل الجمعوي التطوعي، باعتباره آلية من آليات التنشئة الاجتماعية لفئتي الأطفال والشباب، وهو ما جعله ينخرط في في منتصف ستينات القرن الماضي، بفرع الدار البيضاء للجمعية المغربية لتربية الشبيبة لهذه التي تأسست سنة 1956 ، بتوجيه من الشهيد المهدي بن بركة، والتي كان لشبابها الفضل الكبير في انبثاق الحركة الجمعوية التربوية التطوعية، والمساهمة الرئيسة في مشاريع الشباب الكبرى، وفي مقدمتها طريق الوحدة سنة  1957 الذي شارك فيه  11 ألف شابا.

 

فمنذ انتخابه في قيادة لاميج، ظل حنبالي على الدوام محل ثقة  محمد الحيحي، ( 1928 1998 )، بل وكاتم أسراره، سواء في مجال السياسة وكذلك في العمل الجمعوي. وعن أول لقاء جمعه بالفقيد محمد الحيحي، يقول الراحل  في شهادة متميزة تضمنها كتاب " محمد الحيحي.. ذاكرة حياة"، الصادر سنة 2024، بأن ذلك كان في شتنبر 1969؛ بمناسبة عرض ألقاه أمام أعضاء فرع الجمعية المغربية لتربية الشبيبة بمدينة الدار البيضاء، حيث كانت من ضمن الحضور الراحلة الشهيرة زهرة طراغة وأعضاء آخرون من الفرع، واصفا محمد الحيحي في شهادته، التي كتبها بلغة فرنسية راقية، وترجمها للغة العربية الكاتب الصحافي سعيد عاهد الاطار السابق بلاميج، ب"الإنسان الإستثنائي". 

                                                  المرحوم حنبالي يتصفح كتاب " من المجلة الحائطية إلى حائط فايس بوك" لجمال المحافظ 

 

وفي هذا الصدد جاء في شهادته بالكتاب من تأليف عبد الرزاق الحنوشي وجمال المحافظ، بأنه احتفظ بذكريات مُرضية عن هدوء الراحل الحيحي وطريقته العقلانية والحصيفة في تقديم أفكاره خلال ذلك العرض.وبعد استقراره بمدينة الرباط في أكتوبر 1973، صارت لقاءاته معه متواصلة، وخاصة ما بين 1974 -1975، وأنه كان يمتلك ميزات لافتة للنظر على المستوى الشخصي، وعلى وجه الخصوص قيم : النزاهة والصدق؛ ويتمتع، أيضا، بمواصفات مميزة تؤهله للتنشيط والتأطير. لقد كان، بإيجاز، إنسانا استثنائيا بقدرته على مواجهة التحديات بعقلانية وحصافة؛ وسيتم التطرق، لاحقا، لبعض جوانب مساهماته العملية، لنستخلص منها بعض أفكاره، يوضح الراحل حنبالي.

 

وأبرز أن الحيحي كان يسعى إلى أن تكون الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، منظمة مفتوحة في وجه الشباب (أو غيرهم)، تحترم بعض المعايير التنظيمية في مجالي الانخراط في صفوفها والحياة داخلها. وكان هذا التوجه محط تثمين ومصدر إثراء للجمعية، مثلما كان نادرا في العمل الجمعوي، نظرا لتواجد أعضاء من تيارات سياسية مختلفة داخل الجمعية، ينتمون على العموم إلى صفوف اليسار أو يتعاطفون معه.

 

وإذا كانت خصال التسامح هاته،يتمتع بها فإن ميزة أخرى كانت تسم الراحل محمد الحيحي - يكتب العيادي حنبالي - هي كونه موحدا. وقال أتذكر أنه أسرّ لي، ذات يوم، ببعض تحفظاته على الانشقاق الذي عرفه "حزب الاستقلال الكبير" في سنة 1959 ، وتأسيس "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في شتنبر 1959 من قبل استقلاليين سابقين وأعضاء في "اليسار"، ما تولد عنه، في يناير 1975، ميلاد الحزب الجديد، "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، مع عدم انخراط الجناح النقابي للاتحاد الوطني في صفوفه. ورغم تحفظاته، ظل الفقيد ناشطا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكذلك في الاتحاد الاشتراكي بعد 1975، وذلك إلى تاريخ  معين.

 

ومن جانب آخر، أكد حنبالي أن الحيحي استطاع، بفضل جهوده، توحيد الجمعيات التربوية التالية: الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، وجمعية المواهب للتربية الاجتماعية وجمعية الشعلة للتربية والثقافة؛ واجمعية المنار للتربية والثقافة، ونظم هذا الإطار الوحدوي أنشطته وفق برنامج محدد، والتي شارك حنبالي، شخصيا في بعضها وفي بعض اجتماعاته.

 

ولإيمانه، بالتربية والتكوين، يتذكر الراحل حنبالي بأن الفقيد الذى كان ينتمي لجيل متحمس لتحرير البلاد من وزر الاحتلال، ولبناء دولة ديمقراطية؛ وكان حلم الجيل هذا مشروعا ومشتركا مع الشعب كافته، كان يردد باستمرار، في عدة اجتماعات، كلمتين دالتين ومهمتين: التربية والتكوين؛ أي، في الواقع، البعدان اللامتناهيان اللذان يبينان درجة تطور مجتمع بعينه في إطار العالم الراهن. ويعني نعت "لامتناهي" هنا، من ضمن ما يعنيه، أن العالم يتطور باستمرار، ما يفرض على الجمعيات التربوية إدخال التعديلات اللازمة على بعض تصوراتها المتعلقة بالتربية والتكوين. إذ يمكن القول إن التربية والتكوين يشكلان خطوتين مهمتين نحو المجتمع التطوري للتربية، والمعرفة والعلوم، وهو ما جعله يستحق الفقيد الحيحي للقب "مربي الأجيال"، وقد كان، في الواقع، يحارب آفة الجهل الكونية  يوضح الراحل حنبالي.

 

وعلى غرار آخرين، يقول المرحوم حنبالي، كنت معجبا بالفقيد محمد الحيحي، مربي الأجيال، وأعتقد أنه أثر في بعض اختياراتي الشخصية، خاصة السياسية منها، مضيفا أنه اقترح على الراحل، في أحد الأيام، صياغة مذكرة أو تأليف كتاب حول الأحداث التي عشناها؛ غير أنه عبر، بحركات من يده، على عدم تبنيه لهذا المقترح، وتفضيله للعمل الميداني الملموس.

 

شخصيا، جاورت الفقيد حنبالي العايدي، بالمكتب المركزي للجمعية المغربية لتربية الشبيبة، قبل رحيل مربي الأجيال الرئيس محمد الحيحي في 11 شتنبر 1998، والتي كانت صدمة كبرى  بالنسبة لكلانا وأصدقاء آخرين، وزاد من حدتها أنها جاءت ونحن لم نهضم ولم نلملم بعد جراح الرحيل المفاجئ في حادثة سير مروعة التي راح ضحيتها الكاتب العام للجمعية الأستاذ محمد السملالي، نقيب هيئة المحامين بالرباط الأسبق. لكن صداقتنا توطدت، وتعززت خاصة بعد تأسيس حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي سنة 2010 ، التي كان يلتزم معنا بالمشاركة بآرائه السديدة، حيث كان يساهم في مختلف أنشطتها. كما كان يشجعنى كثيرا على مواصلة الكتابة والتأليف في مجال الصحافة والإعلام، كما كان يحضر الى جانبي في مناسبة تقديم وقراءة كتبي التي كان تشجعه، من بين العوامل التي تجعلنى أقاوم لمواصلة طقوس الكتابة حتى في "زمن اللايقين"، لم يحضر تقديم كتابي الأخير " الإعلام ومونديال 2030" بالدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط الشهر الماضي، بعدما تغذر عليه ذلك بسبب ظروفه الصحية، في الوقت الذي كان الى جانبي في الدورات الأخرى من سنة 2017 .

 

وفي تدوينة لها على الصفحة الخاصة لحلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، على وسائل التواصل الفوري، نعت مريم حنبالي والدها بالقول"  بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، نشكر كل من واسانا وشاركنا حزننا في وفاة والدنا المرحوم حنبالي العيادي الذي كان رحمه الله يكن حبا وتقديرا كبيرين لجمعيتنا الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ ويعتبرها جزء من كيانه، ويربينا منذ الصغر على قيمها ومبادئها  النبيلة ".

 

 وذكرت بأن والدها كان أيضا " حاضرا دائما في كل محطاتها النضالية إلى جانب أبانا الروحي العزيز المرحوم محمد الحيحي". وتقدمت باسمها ونيابة عن أختها حسناء وشقيقها مهدي بعميق الامتنان لكل من قدم التعازي على اثر هذا المصاب الجلل وشاركهم حزنهم  في وفاة والدهم . وقالت موجهة كلامها لوالدها  " رحمك الله يامن علمتنا الكثير، ستبقى خالدا في ذاكرتنا  وذاكرة الجمعية" في إشارة للجمعية المغربية لتربية الشبيبة التي كان قيد حياته، أحد قادتها.

 

 ومن جهتها قالت حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي بأنها تلقت بحزن وأسى عميقين، نبأ رحيل حنبالي العيادي عضو الحلقة والأستاذ الجامعي والعضو السابق بالمكتب المركزي بجمعية للاميج " واصفة إياه على صفحتها بوسائل التواصل الاجتماعي ب"الرجل المناضل والمبدئي الذي كرس حياته، لخدمة طلابه بكلية العلوم ولنضاله السياسي والنقابي والجمعوي الجاد" . وتقدمت بهذه المناسبة الحزينة إلى أسرة الفقيد وأبنائه بخالص التعازي والمواساة.