منطلق الحديث عن جدلية الترتيب والأفضلية بين "تازة" و "غزة"، يقتضي التذكير بموقف الدولة المغربية، كما عبر عنه بوضوح وفي عدة مناسبات، رئيس الدولة جلالة الملك محمد السادس، الذي يعتبر القضية الفلسطينية في مقام القضية الوطنية، تماما كما هو ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية قضيتنا الوطنية الأولى.
ومن المؤسف أن وضوح الموقف المغربي الذي تتوحد فيه إرادة الملك والشعب وقواه الحية، لم يمنع بعض الفاعلين السياسيين و الإعلاميين من تعمد تأجيج النقاش حول أي الصياغتين أولى : "تازة قبل غزة" أم "غزة قبل تازة". حتى صرنا أمام وضع يحضر فيه لدة البعض استنكار من من يقول العبارة بالصيغة الثانية، و شتم و تحقير من يقول بالصيغة الأولى، مع محاولة جعل الناس يعتقدون أن من يقول "تازة قبل غزة"، هو بالضرورة "متصهين" أو متواطئ مع حرب الإبادة والتجويع.
كان المفروض أن يعتبر الجميع أننا بصدد أفكار و قراءات، يجوز أن تكون محل نقاش مفتوح، يرد فيه كل طرف على الآخر بما لديه من حج و قراءات ومعطيات، مع إبقاء باب التساؤل المنطقي و التفكير خارج الصندوق مفتوحا من أجل نقاش متجدد يساعد في أخذ كل الجزئيات و التفاصيل بعين الاعتبار لإيضاح الصورة بشكل أكبر.
في هذا السياق، من حقنا أن نتساءل ما المشكل في أن يقول المواطن المغربي أن "تازة" أو الحوز و الداخلة و الكركارات أهم، و هو بذلك يقصد الوطن أولا، ويعتبر أن من الواجب إعطاءه الأولوية على غيره من الأوطان ومن القضايا؟
ألا يمكن أن تكون "تازة/الوطن" أولا، ثم تأتي "غزة/القضية الفلسطينية" ثانيا ؟؟ ما المشكل في ذلك، ما دامت "غزة/فلسطين" حاضرة بقوة في الصورة العامة لأولويات المغرب، دولة و شعبا، مباشرة بعد تازة، أو الحوز و الداخلة، أو إلى جانبها ...؟؟
لماذا لا يحرص البعض على أن يحمل خطابنا السياسي و تواصلنا، تازة و غزة معا، بنفس مجهود الترافع والحماس النضالي؟ وبأي منطق يبيح البعض السب و الشتم و الأوصاف المشينة في حق من لا يقول أن "غزة" أولى من "تازة"؟؟
هل يعتقد هؤلاء أننا يمكن أن نكون أكثر نفعا ل "غزة / فلسطين"، دون أن نستحضر أولوية الانتصار لتازة/المغرب في كل لحظة و سياق، ودون أن نبدي نفس الحماس النضالي المدافع عن قضايا وطننا كما نحرص على إظهار غضبنا لما تعانيه "غزة"؟؟
أليست قضية الصحراء نزاعا مفتعلا حول السيادة الوطنية للمملكة المغربية على جزء أصيل من أرضها، قتل في سبيله الآلاف من خيرة أبناء الشعب المغربي من جنود و ضباط قواتنا المسلحة الملكية المرابطين في الثغور الحدودية ؟؟ أليست دماء ضحايا الحرب الغاشمة التي تشن علينا منذ 50 سنة، هي أيضا دماء شهداء تركوا وراءهم أبناء أيتام و آباء عجزة و إخوة صغار و أزواج أرامل؟؟ أم أن الوعي النضالي للبعض لا يستطيع استيعاب أمجاد القضية الوطنية كملحمة لاستكمال الوحدة الترابية لتحرير الأرض من الاحتلال الإسباني الغاشم لأرضنا؟؟
ثم، من قال أنه يتعين، بالضرورة، أن يكون هنالك تراتبية بين "تازة" و بين "غزة" من حيث الأهمية ؟؟ من أفتى بأن التفاضل بين السياقين ضروري، معقول و مفيد ؟؟ أليس الأفيد هو أن نتفق على أن لا مقارنة و لا تفاضل بين رمزيتين مختلفتين في الدلالة، باعتبار أن "تازة" لها رمزيتها في سياقها الوطني، و لها مقامها و للوطن قدسيته في المسار التاريخي للأمة المغربية، و لهما تحديات الحاضر و ما يحمله المستقبل من فرص ومخاطر، و "غزة" لها سياقها التاريخي الخاص، و لها مكانتها في مسيرة النضال من أجل التحرير و الحق في دولة لشعب، خاصة في ظل المآسي وما يعانيه المدنيون و النساء والأطفال، بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 ؟؟
ألا يكفي المغاربة أن الرابط المحدد للعلاقة بين "تازة" و"غزة"، هو ذلك المتفق عليه في الموقف الرسمي للدولة المغربية الذي يلتزم بخط التضامن، الرسمي والشعبي، تماشيا مع القيم الحضارية و الإنسانية التي يحملها المغاربة، ويعبرون من خلالها عن رفضهم للظلم و القتل و الحرب و رغبتهم في دعم السلام و حل دولتين لشعبين ؟؟
لماذا لا نتفق على عدم خلط الملفات و المفاهيم لتبرير الإساءات، سواء تلك التي بدت كأنها تشرعن التخوين واتهام بعض الأطراف باللاوطنية، أو تلك التي لجأت للسب والتجريح كممارسة سياسية جديدة تبتغي فرض الرأي الواحد بمنطق الصوت المرتفع ؟؟
لاشك أن لكل سؤال جواب واضح وضوح ما نحتاج إليه من عودة لممارسة التعبير عن المواقف النضالية، بعيدا عن تخوين المخالفين و التشكيك في نوايا من لديهم مواقف وقراءات مختلفة، قد نتفق معها وقد لا نتفق، ليظل الاختلاف حقا و رحمة، كما يقول الفقهاء.
وبالتأكيد أن من فهموا خطورة الانزلاقات اللفظية التي عرفتها الساحة التواصلية والسياسية مؤخرا، سيوافقونني الرأي في استعجالية إغلاق قوس التهافت الديماغوجي الذي يسعى لتوظيف رمزية "تازة" و مأساة "غزة" في غير ما يحقق المراد و النفع، والعودة إلى نضال يحافظ على الوعي التضامني المغربي مشدودا إلى ساحة المأساة في غزة، برقي أخلاقي و نضج سياسي، عوض إغراق شوارعنا و نقاشاتنا بكم هائل من الانفعالات و التوترات التي لن تنفع لا غزة و لا تازة.
في هذا الباب، لابد من التذكير بموقف غالبية المغاربة، الذي كان وسيظل مشرفا، و لن يستطيع أحد إقناعنا بتغييره حتى لو تم استعمال الشتم و التجريح و التخوين. وهو موقف تجسده معادلة ثلاثية الأبعاد أوجزها كالتالي :
1/ البعد الأول:
القضية الفلسطينية في مقام قضية وطنية، و التضامن مع المقدسيين و مؤازرة أهل غزة، واجب في كل حين، خاصة في خضم المحنة التي يعانون منها حاليا. والتعبير عن رفض التقتيل و هدم المنازل و المستشفيات، أو المس بحرمة المساجد و الكنائس و دور العبادة، و رفض الاعتداء على المدنيين من الأطفال والنساء، هو سلوك مشروع يعكس الحس الإنساني العالي للمغاربة، دولة و شعبا، ويندرج في إطار احترامهم للقانون الدولي الإنساني وإيمانهم بضرورة المساهمة في بناء السلام العالمي.
القضية الفلسطينية في مقام قضية وطنية، و التضامن مع المقدسيين و مؤازرة أهل غزة، واجب في كل حين، خاصة في خضم المحنة التي يعانون منها حاليا. والتعبير عن رفض التقتيل و هدم المنازل و المستشفيات، أو المس بحرمة المساجد و الكنائس و دور العبادة، و رفض الاعتداء على المدنيين من الأطفال والنساء، هو سلوك مشروع يعكس الحس الإنساني العالي للمغاربة، دولة و شعبا، ويندرج في إطار احترامهم للقانون الدولي الإنساني وإيمانهم بضرورة المساهمة في بناء السلام العالمي.
2/ البعد الثاني:
قضية الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية، قيادة وشعبا، لأنها تجسد نزاعا مفتعلا منذ 50 سنة، أضاعت علينا فيه الجزائر مئات ملايين الدولارات، كان ممكنا أن تذهب للتنمية والتعليم والصحة والاستثمار في التجهيزات والبنيات الأساسية. و تسبب في قتل خيرة أبناء الشعب من القوات المسلحة الملكية الباسلة الذين نحسبهم شهداء عند ربهم. لذلك، ترتبط قضية الصحراء المغربية بكينونة الوطن، بوجوده و وحدته الترابية واستمرار سيادته، وهو ما يجعلها تستحق كثيرا من الحماس السياسي و التواصلي، و من المسيرات الشعبية والمهرجانات الخطابية التي تظهر للعالم مدى قوة انتصارنا للديبلوماسية الوطنية، ودعمنا لخطوات الدولة المغربية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها الملف.
قضية الصحراء المغربية هي القضية الوطنية الأولى للمملكة المغربية، قيادة وشعبا، لأنها تجسد نزاعا مفتعلا منذ 50 سنة، أضاعت علينا فيه الجزائر مئات ملايين الدولارات، كان ممكنا أن تذهب للتنمية والتعليم والصحة والاستثمار في التجهيزات والبنيات الأساسية. و تسبب في قتل خيرة أبناء الشعب من القوات المسلحة الملكية الباسلة الذين نحسبهم شهداء عند ربهم. لذلك، ترتبط قضية الصحراء المغربية بكينونة الوطن، بوجوده و وحدته الترابية واستمرار سيادته، وهو ما يجعلها تستحق كثيرا من الحماس السياسي و التواصلي، و من المسيرات الشعبية والمهرجانات الخطابية التي تظهر للعالم مدى قوة انتصارنا للديبلوماسية الوطنية، ودعمنا لخطوات الدولة المغربية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها الملف.
3/ البعد الثالث:
يعكس الحكمة والعبقرية المغربية التي تتجسد في الجمع بين دينامية التضامن الرسمي والشعبي مع أهل القدس و غزة، و بين التعبئة القصوى لإنهاء ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، من جهة؛ و بين رفض التخوين والتشكيك في نوايا أصحاب الآراء المخالفة، و رفض أي تحريض ضد المواقف والقرارات السيادية للدولة المغربية، أو تأجيج مشاعر الناس بما قد يمس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى للمغرب، من جهة ثانية.
هذه هي المعادلة التي أومن بها، و لا أرى معادلة غيرها يمكن أن تمنحنا التوازن المطلوب بين البعد السياسي و البعد الأخلاقي، و بين الالتزام الوطني و الحس الإنساني.
يعكس الحكمة والعبقرية المغربية التي تتجسد في الجمع بين دينامية التضامن الرسمي والشعبي مع أهل القدس و غزة، و بين التعبئة القصوى لإنهاء ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، من جهة؛ و بين رفض التخوين والتشكيك في نوايا أصحاب الآراء المخالفة، و رفض أي تحريض ضد المواقف والقرارات السيادية للدولة المغربية، أو تأجيج مشاعر الناس بما قد يمس بالمصالح الاستراتيجية الكبرى للمغرب، من جهة ثانية.
هذه هي المعادلة التي أومن بها، و لا أرى معادلة غيرها يمكن أن تمنحنا التوازن المطلوب بين البعد السياسي و البعد الأخلاقي، و بين الالتزام الوطني و الحس الإنساني.
وكل من يريدون فرض معادلة أخرى، إنما يقولون لنا: "اجتهدوا مثل اجتهادنا، وناصروا من نناصر، و إلا سنشتمكم و نفتري عليكم أنكم متصهينين"، أو "قولوا مثل قولنا و لا تفكروا بشكل مختلف و إلا سنخونكم و ننزع عنكم وطنيتكم ...!!!!".
في قضية الصحراء المغربية، و في القضية الفلسطينية، لن يقبل المغاربة أي معادلة ظالمة لوطنهم ومصالحه، ولن يسمحوا بتزوير المواقف المعبر عنها رسميا و شعبيا، من طرف من يصرون على الجدل العقيم الذي يخفي أجندات سياسية، انتخابية و تنظيمية، تهم أصحابها و لا تهم الوطن ومصالح المواطنين في شيء.
لذلك، يتعين على كل من يدركون خطورة ما يجري في السياق الدولي الراهن، أن يلتزموا بالنضال لترسيخ الوطنية المغربية والدفاع عن قضايانا الاستراتيجية، دون الحرج من التعبير عن التضامن المشروع مع أهل غزة و لعب دورنا كاملا في المطالبة بإحلال السلام العادل و تنزيل حل دولتين لشعبين، كما هو مطلوب مع كل القضايا العادلة التي فيها ظلم أو تعدي على القانون الدولي الإنساني و خروج عن الشرعية الدولية.
وفي انتظار حل سياسي عادل يوقف الصراع و يمنح كل شعوب منطقة الشرق الأوسط الحق في الحياة، علينا أن نلعب دورنا كاملا، و نتفاعل مع الأحداث بشكل صادق وعقلاني، بعيدا عن الانفعالات العابرة وخطابات التأجيج وإثارة الفتنة في غير موضعها، والامتناع عن نهج إخراج القرارات السيادية للدولة المغربية عن سياقاتها الموضوعية، و الإساءة لعلاقاتنا مع شركائنا الدوليين، بمنطق سياسوي غير مقبول.
كما يتعين رفض أي خلط بين نبل القضية الفلسطينية وذاتية الأجندات السياسية الفئوية الخاصة، لأننا في وطن يسير وفق الشرعية والمشروعية، نحترم منطق الدولة في تدبير الأمن القومي الاستراتيجي في ظل الدستور والثوابت الوطنية، وندافع عن إرادة الشعب في المساهمة في المشروع التنموي الوطني الذي يقوم على تعزيز الديمقراطية وسمو القانون والمشاركة المواطنة والاحتكام للفعل المؤسساتي.