الثلاثاء 30 إبريل 2024
في الصميم

مركب محمد الخامس يتحول إلى مسرح لجرائم بشعة!

مركب محمد الخامس يتحول إلى مسرح لجرائم بشعة! عبد الرحيم أريري
رغم أني لست من معتنقي شعار «امسح السما بليكا»..
ورغم أني لست من هواة تبخيس الإشراقات العمومية المنجزة..
ورغم أني من أشد المتحمسين لتمكين الدارالبيضاء، وباقي مدن المغرب، من منشآت رياضية عالية الجودة وبمواصفات عالمية..
 
إلا أن ذلك لا يمنعي من القول جهرا، أن ما يقع حاليا في المركب الرياضي محمد الخامس بالدارالبيضاء، يعد مجزرة مالية وعمرانية وتدبيرية ورياضية. إذ بمبرر التحضير لاستضافة المغرب لنهائي كأس إفريقيا عام 2025، تم من جديد إغلاق مركب محمد الخامس وعاثت فيه الجرافات سلخا وهدما، علما أن الملعب خضع للتو لإصلاحات وعمليات تأهيل كلفت الخاضعين للتكليف الضريبي 220 مليون درهم ( 22 مليار سنتيم)، منها مليار سنتيم كعمولة استخلصتها شركة «الدارالبيضاء للتهيئة» (casa amenagement)، بدعوى أنها تولت الإشراف على تتبع صفقة أشغال التأهيل (وهي أكبر عمولة تحلبها شركة الدار البيضاء للتهيئة من الصفقة مقارنة مع أسعار عمولات شركات وزارة التجهيز أو شركات أخرى)!
 
المثير للمفارقة أن نفس الأخطاء المرتكبة في إصلاح ملعب محمد الخامس وإغلاقه أعوام: 2000 و2006 و2007 و2015 و2019 تتكرر اليوم بدون حسيب ولارقيب ولا راع أمين للمال العام. ويتم الهدم والتخريب بدون دراسة مسبقة حول حاجيات المدينة أو انتظارات الأندية المستضيفة بالملعب أو دراسة لبروفيل الجمهور ومطالبه، أو دراسة انعكاسات مابعد «تخريب الملعب» على خزينة الجماعة والخزينة العامة من حيث الصيانة والتدبير. 
 
ملعب محمد الخامس، الذي تحول إلى جوهرة رياضية بالدارالبيضاء بعد استضافة المغرب للألعاب المتوسطية وماصاحب ذلك من بناء وتعزيز بنياته وتوسيع طاقته الاستيعابية ( من 30 ألف متفرج لما بني عام 1955، إلى 80 ألف متفرج في ألعاب 1983)، تحول إلى طفل لقيط ليس له أصل ولا نسب. فجماعة الدار البيضاء، رغم أنها المالكة لملعب محمد الخامس تنكرت له ورفعت يدها عن المرفق منذ مارس 2014، تاريخ تكليف شركة الدار البيضاء للتهيئة بورش الملعب بعد إقصاء المغرب من شرف تنظيم كأس إفريقيا 2015. كما أن شركة الدار البيضاء للتهيئة ألغت اتفاق 2014 وعوضته باتفاقية 28 يناير 2015 على أساس صفقة 220 مليون درهم. والأطراف الممولة للصفقة تلكأت في تحويل المساهمات وعلى رأسها الجامعة الملكية لكرة القدم، التي تنصلت من التزاماتها الموقعة. والمجلس الإداري لشركة البيضاء للتهيئة جمد نشاطه ولم يناقش أي خطة خاصة بالملعب، فوقع ارتباك في الإغلاق والفتح. ففي مارس 2016 أغلق مركب محمد الخامس، وفي أبريل 2017 فتح في وجه المباريات، تم أعيد إغلاقه في دجنبر 2018 وأعيد افتتاحه في ماي 2019 .
 
وكان من الطبيعي أن تقع هذه الجرائم المالية والتدبيرية، لعدم وجود استراتيجية رياضية واضحة المعالم، ولغياب سياسة عمومية خاصة بإحداث أو تجديد وصيانة المنشآت الرياضية الكبرى، سواء من طرف منتخبي الدارالبيضاء أو من طرف الجامعة الملكية لكرة القدم، أو من طرف الحكومة الوصية على تنزيل السياسة الرياضية، أو من طرف الأندية الممارسة.
 
وحتى «تكتمل الباهية» واحتقار القانون والدوس على المؤسسات، تمت المناداة على شركة أخرى للتنمية المحلية وأسندت لها السلطة العمومية مهمة صيانة ملعب محمد الخامس والإشراف على تسييره. ووقعت اتفاقية صورية في أكتوبر 2015 مع شركة «الدارالبيضاء للتنشيط والتظاهرات» (casa event) مقابل عمولة 4%، والتي أصبحت في سنة 2020 بقدرة قادر 10%. إلا أن شركة «كازا تنشيط» لم «تنشط» الحركة الرياضية بالبيضاء، ولم تنجز أي مهمة من مهام الرقابة على صفقة 22 مليار سنتيم، مما كبد الملعب خسائر، بسبب أعطاب في منشآت الصوت والكهرباء ومقاومة الرطوبة والأبواب وجودة العشب، ناهيك عن المشاكل التي عانت منها الجماهير فيما بعد بشأن الحصول على التذاكر ومشاكل الولوج للملعب لتتبع المباريات.
 
اليوم (أبريل 2024)، هاهي نفس الجريمة ترتكب من جديد في المركب الرياضي محمد الخامس من طرف نفس مجلس المدينة ومن طرف نفس الجامعة الملكية ومن طرف نفس الشركات ونفس الأجهزة العمومية، الله وحده يعلم حجم المبالغ الفرعونية التي سيتم تبذيرها من جديد في هذه العملية، والله أعلم ما هي الدفوعات التي سيختبئ وراءها المسؤولون لتبرير «اللهطة» الموصوفة على المال العام، والله أعلم إن كنا سنرى ملعبا في مستوى الحدثين الكرويين الدوليين، كأس إفريقيا (2025) وكأس العالم (2030)، أم سنعزف مرة أخرى لحن «الشوهة» و«الكراطة» أمام العالم!