Sunday 14 December 2025
فن وثقافة

الفيلم الوثائقي... ندوة تستنطق ذاكرة المدن المنجمية خريبكة اليوسفية وجرادة

الفيلم الوثائقي... ندوة تستنطق ذاكرة المدن المنجمية خريبكة اليوسفية وجرادة تم التأكيد على أن المدينة المنجمية، في السينما الوثائقية، ليست مجرد مكان، بل فضاء للذاكرة والهوية
عرف مركز خريبكة سكيلز،  الأحد 14 دجنبر 2025، تنظيم ندوة فكرية محكمة، وذلك في إطار فعاليات الدورة السادسة عشرة من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، حيث تمحورت هذه الندوة حول موضوع: «صورة المدينة المنجمية في السينما الوثائقية»، بمشاركة نخبة من الباحثين والأساتذة الجامعيين، الذين قاربوا الموضوع من زوايا أدبية وسينمائية ووجدانية وسيميولوجية متعددة، مستحضرين البعد الإنساني والتاريخي للمدينة المنجمية بوصفها ذاكرة جماعية وفضاءً للتحولات الاجتماعية.
 
وقد أدار أشغال الندوة الدكتور أحمد توبة، الأستاذ الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، بمشاركة الأساتذة الباحثين منير سرحاني من نفس الكلية، والدكتور حسن حبيبي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، ثم الدكتور محمد أولاد علا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية.
 
في مداخلته، اعتبر منير سرحاني أن المدينة المنجمية في السينما الوثائقية ليست خلفية محايدة للأحداث، بل بنية رمزية تختزل علاقة الإنسان بالعمل، وبالوعي الطبقي، وبالتاريخ الاجتماعي، مبرزا كيف تحوّلت السينما الوثائقية إلى خطاب نقدي يعالج المدينة المنجمية باعتبارها عالَمًا اجتماعيًا مركبًا، لا مجرد فضاء للعمل، بل مجالًا للمعاناة والصراع الطبقي والهجرة، وفضاءً للذاكرة التي تتشكل بعد إغلاق المناجم وتحول المدن إلى أطلال أو "مدن أشباح".
 
وتوقف المتدخل عند نماذج سينمائية بارزة، من بينها الفيلم الكندي «أنيكوس»، الذي يطرح إشكاليات الخراب البيئي والإيكولوجي، ويستحضر ذاكرة العمل والنضال بعد إغلاق المناجم، مسلطًا الضوء على العلاقة بين الإنسان والطبيعة والذاكرة الصناعية. كما استحضر التجربة المغربية من خلال أفلام تناولت مدينة جرادة، من قبيل فيلم «مينا» الذي يعالج البعد المنجمي والهجرة وغيرهما، وفيلم «لعنة الفحم» الذي يوثّق تاريخ المدينة العمالية ومعاناة ساكنتها.
 
وأشار المتدخل إلى أن السينما الوثائقية لا تقدم فقط مادة أرشيفية، بل تشتغل على ترميم أرشيف التاريخ والمكان، مبرزًا الفرق بين مدن تحولت إلى فضاءات مهجورة يطغى عليها الفراغ والأطلال، وأخرى مثل مدينة جرادة، التي لا تزال، رغم الألم، تعيش على الأمل، حيث تحضر السينما كوسيط يحوّل المعاناة إلى أفق للحياة.
 
من جهته، قدّم الدكتور حسن حبيبي مداخلة بعنوان: «سؤال الذاكرة والغياب البصري»، استعاد فيها تجربته الشخصية وذكرياته عن مدينة خريبكة، التي تحوّلت، بحسب تعبيره، من مدينة أنيقة إلى مدينة تعاني مظاهر البداوة، والتدهور العمراني. وتساءل عن غياب المنجم بصريًا في السينما، وعن كيفية تحوّل المدن المنجمية في المخيال السينمائي، ولماذا حضرت في بعض التجارب وغابت في أخرى، مركزًا على الفيلم التسجيلي أكثر من الوثائقي، ودوره في إعادة بناء ذاكرة المدينة بعد أن همّشتها الكاميرا.
كما توقف عند مدن خريبكة واليوسفية وجرادة، التي تتقاسم حالة إنسانية مشتركة، مشيرًا إلى تشابهها مع أحياء عمالية مثل الحي المحمدي بالدار البيضاء، معتبرًا أن مداخلته كانت ذات طابع تأملي ذاتي بقدر ما هي أكاديمية.
 
أما الباحث محمد أولاد علا، فتناول تجربة فيلم «بين الجبال السوداء»، بوصفه سيرة ذاتية حميمة تحكي قصة أب اقتُلع من أرضه ونُقل إلى فرنسا للعمل في مناجم الفحم بشمال البلاد. كما تمت الإشارة إلى فيلمٍ لمخرج فرنسي متخصص في السينما الوثائقية، بعنوان: «يُقتل باسم الدين»، وهو عمل وثائقي تاريخي يستعيد مراحل من الجرائم التي ارتكبها الكاثوليك ضد البروتستانت في فرنسا خلال القرن السادس عشر.
 
كما أبرز خصوصية الكتابة السينمائية التي تمزج بين الذاكرة الشخصية والتاريخ الجماعي. مقارنا ذلك بتجارب سينمائية وثائقية فرنسية ذات بعد تاريخي، تشتغل على الذاكرة والهوية والعنف الرمزي المرتبط بالعمل والمنجم.
 
وتم التأكيد على أن المدينة المنجمية، في السينما الوثائقية، ليست مجرد مكان، بل فضاء للذاكرة والهوية، وملحمة للوجوه السوداء التي صنعت تاريخ العمل والنضال، حيث يتحول المنجم من فضاء للاستغلال إلى رمز إنساني كثيف الدلالة، تختزن فيه السينما أسئلة الوجود والعدالة والذاكرة.
 
واختُتمت الندوة بنقاش مستفيض لامس روح المدينة المنجمية في السينما الوثائقية، فضلًا عن الحديث عن خريبكة كمدينة منجمية اشتغلت عليها العديد من الأفلام، مع الدعوة إلى الاهتمام بها وردّ الاعتبار لها، لتستعيد رونقها عمرانيًا وسينمائيًا وتاريخيًا.