Tuesday 17 June 2025
كتاب الرأي

محمد هرار: لِمَ هذا التّزاحم على الرّيادة في الدّعوة إلى الله؟!

محمد هرار: لِمَ هذا التّزاحم على الرّيادة في الدّعوة إلى الله؟! محمد هرار
لم يعد واقعنا كسنوات الثمانينات والتّسعينات من القرن الماضي؛ فأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأزمة الرّسومات المسيئة للنّبيّ محمد صلى الله عليه وسلم؛ غيّرت كثيرا القناعاتِ أو بعضا منها، ودفعت بالمقيم في ديار الغرب عموما، إلى التّعامل بحذر شديد يُراقب بحرص حركاته وسكناته، ما أحدث سلوكا جديدا في السّاحة الدّعوية، أفرز خللا في ترتيب الأهداف والأولويّات؛ فنتج عنه واقعًا مغايرا لما اعتادت عليه السّاحة من قبل...
 
ظهر في بعض المساجد وعند خُطبائها المحسوبين على الصّحوة الإسلاميّة والحركة الدّعويّة، ما يُمكن وصفه بالتّزاحم على الرّيادة والسّيادة واعتلاء منابر الخطابة وتصدّر مجالس الفتوى؛ فأمست السّاحة الدّعوية شبه حلبة سباق قد يفتقر إلى قوانين تنظيمه، ممّا جعل بعضهم للأسف يتوخّى جميع الوسائل مشروعها وممنوعها، لبلوغ غاية حزبيّة، أو مذهبيّة، أو طائفيّة ضيّقة.. لم تحترم المبادئ والثّوابت ولم تُراع الكفاءة والسّبق والعلم..
 
تُراقب الجالية المسلمة في مستوى العامّة تلك الصّراعات والخلافات والسّعي الحثيث لبلوغ المراكز القياديّة؛ فتراها نوعًا بئيسا من الحرص على الدّنيا، فتخيب آمالها أو تكاد. ويستعصي عليها وجود القدوة التي تفتقر إليها لمساعدتها على الثّبات عند الضرورة والفتن، وفي المنعطفات غير المنتظرة على الطريق التي تُؤثّرُ الأحداثُ كثيرا على وضوحها.
 
ليس التّأثير منحصرا في العامّة، بل يتعدّاهم إلى فئة الشّباب، أي إلى الجيل الثّاني والثّالث؛ فإنّهم ما كانوا يتصوّرون أنّ بعضا من هؤلاء الذين رأوهم في البداية شيوخا وأئمة حماة للتّديّن وسندا لهم على الطريق، قد ينقلبون يوما من حيث لا يعلمون إلى حواجز عويصة مانعة، تُعسّر عليهم الحياة في المؤسّسات الإسلاميّة وتمنعهم العطاء والإبداع فيها.
 
كُثُرٌ أولئك الشباب الذين رغم كفاءاتهم تقاعدوا مُبكّرا وقبل بدء العطاء، بسبب ما لاحظوا من تكلّس ومن فكر يرى الكبير فيهم؛ صاحب جاه أو مال أو منصب، بدل أن يراه كما يُفترض، أهليّة وإضافة وعطاء نافعا. ابتعدوا عن المؤسّسات الإسلاميّة وقد أيقنوا أنّ هؤلاء الشّغوفين بالمركز والكرسيّ والسّيادة غير مستعدّين للتّضحيّة بالاسم من أجل المسمّى والجوهر. قالوا عن بعضهم أنّهم احتموا بالحيطان يُعمرونها؛ فكانت ردود أفعالهم أن تركوهم وحيطانهم.
 
بعض كبارنا هدانا الله وإياهم، لا يُؤمنون بأنّ أولادنا قد خلقوا لزمن غير زمانهم، وبأنّ طرق دعوتهم ووسائلهم فيها ليست هي طرقهم ووسائلهم...
 
لقد اهتزت ثقة كثير من النّاس ولا سيّما الشّباب في بعض من دعاتنا التّقليديّين والإداريّين المرابطين بالفجّ يمنعون فيه المرور. وهي ضريبة محزنة لهذا التّزاحم غير اللّائق المولّد للفُرقة وسوء الظّنّ، وقد يصل في بعض الأحايين طرق أبواب الكذب والخداع والتّزوير.. وللمتابع بصدق وتجرد للواقع الدّعويّ، ملاحظة تعاظم المظهر على حساب الجوهر والله أعلم بِالنِّيَّاتِ.
 
لم يعد أبناؤنا وكثير من المسنّين؛ مرتاحين لهذه المجاملات القاتلة للدّين ولا لهذا الثّناء المبالغ فيه الذي لا يرتضيه إلّا منصرف عن تنبيهات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو متجاهل لها، والتي منها ما جاء في الحديث الصّحيح: (إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التّراب)...
 
قدّموا أعلمكم وأتقاكم؛ مهما كان لونه وجنسه وسنه، ولا تجعلوا الإمامة وما يليها في مراكزكم للإداريّين أو للملحقين بالإدارة؛ فتلك محدثة غير خادمة للصفّ وللدّين، بل لتكن الإمامة وما يليها، لمن تتوفّر فيه شروطها، وليكن البحث دائما عن أصحاب الكفاءة والإضافة، وأصحاب الزّهد في المناصب، وأصحاب التّقوى والإخلاص والصّدق عند التّكليف. والله الموفق لما يُحبه ويرضاه.