الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: ضاق العيش ياوزير ..!

إدريس المغلشي: ضاق العيش ياوزير ..!
دخلت اليوم الأول من شهر رمضان سوقا أسبوعيا بمدينة صغيرة متفقدا أحوال التجارة هناك، وكيف يتعامل الناس مع القفة. مشاهد لاتطاق تبدو من الوهلة الأولى، الصورة غير عادية بل مؤلمة تترجم معاناة المواطن. الكل تائه في أروقة السوق، جلبة هنا وضجيج هناك. مجرد إلقاء نظرة تخال نفسك في جو روحاني يسوده التسامح والتكافل. فتظهر لك ملامح إيجابية لشهر له قدسيته وتأثيره على الناس فتتساءل مع نفسك لماذا نشذ عن قاعدة الأخلاق خارج إطار هذا الزمن المفضل للجميع؟ السوق يقع على الهامش، تعتبر كثير من ملامح الفوضى عاملا أساسيا لجلب زوار جدد، تصادف كثير من العربات المجرورة تحتل البوابة مما يعيق سير للمارة. محل الجزارة كالعادة يحتاج لنظافة ونظام يحافظ على صحة المواطنين. ممرات عشوائية تعايش معها مرتادو السوق بشكل تلقائي لتضمن للجميع انسيابا سلسا. جو سوريالي تعيشه وأنت تسمع مكبرات الصوت من كل حدب وصوب تردد لازمتها المعتادة في تناقض صارخ وقد تجد كلمات لا رابط بينها من قبيل (دوا البرغوت الفار سراق الزيت بجانب كارت تلفون نوكيا كارت ميموار وهلم جرا ...)
رجل من أبناء المنطقة بسحنته القمحية يطوف وبيده قنينة زيت وبعض الحاجيات القليلة وعيناه تلفان المكان لعلها تجد شيء ما ... في خضم التيه نظر من شدة القلة والحاجة، تائها ليس كعادته عكس صورة اعتدنا رؤيتها كلما زرنا المنطقة في أيام العز والرخاء، ذاك القروي الذي تتملكه الأنفة وعزة النفس بطيء الحركة شاردا بعينيه وكأنه يتفقد شيئا ضاع منه، منهارا وكان الأرض تشده إليها شدا لا يقو على الوقوف. مشهد يترجم كل المعاناة ويلخص كل تلك الصور. كيف سيتعامل مع مواد مجرد نظرة إليها تستفزك بعدما يجيبك التاجر بلكنة متعالية يبدو من خلالها هو الآخر أنه سئم كثرة الأسئلة وقلة البيع ،(بطاطا عشرة دراهم والفلفل حلق عاليا عشرون درهما والبصل ناطح السماء من خلال ثمن يقارب سبعة عشرة درهما وزيد ...زيد على شاكلة سير ...سير ) التي لم يطرح بشأنها أحد سؤالا إلى أين نسير ؟ ويبدو أن من يملك الجواب أو الحقيقة هم من خنقوا العباد حد الموت. فخدرونا بشعارات. قد تلاحظ إقبالا كبيرا على محل يبيع بعض المواد الناقصة في الجودة والثمن بعض الشيء لأنها تشبه شيئا ما خضرا وفواكه كتلك التي نفر عند سماع أجوبة البائع دون أن يرفع رأسه وهو يخاطبك.
تساءلت مع نفسي عن هذه الوضعية وخلصت لمقولة نرددها كثيرا حيت تشتد الأزمة "قبح الله الفقر الذي كاد أن يكون كفرا "واستحضرت معطى خطيرا كيف ندفع الناس للمخاطرة بصحتهم بتناول مواد فاقدة للجودة ورديئة لسبب بسيط أن الغلاء قاتل. خرجت من السوق وأنا أحمل معي كثيرا من الأسئلة والصور التي تدين الحكومة التي يبدو أن لا علاقة لها بالمعيش اليومي للمواطن. اليوم الأول في الشهر الفضيل عرف أسعارا ملتهبة لا قبل للقدرة الشرائية للمواطن بها. فخلصت مستسلما لمقولة:
" كان الله في عون الغلابة أمام حكومة تتاجر بهمومنا".