الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

بنرهو مصطفى: سياسة الشباب بين التثمين واشكالية الاستمرار

بنرهو مصطفى: سياسة الشباب بين التثمين واشكالية الاستمرار بنرهو مصطفى

خاضت كتابة الدولة المكلفة بالشباب خلال الفترة الممتدة ما  بين 2002 و 2007 غمار معركة وضع وتنفيذ سياسة جديدة للشباب إرادية، طموحة، خلاقة ، سياسة ترفض الاستكانة إلى المنطق المادي المحض، راهنت على مزايا المبادرة، وعزيمة النساء والرجال الموكول لهم أمر هذه الخدمة العمومية الحيوية والنبيلة، ونجاعة الشراكة والمشاركة لكل القطاعات الحكومية، والمنظمات الوطنية، والجمعيات والفعاليات السياسية والفكرية والفنية ذات الاهتمام أو الاختصاص، وعلى الأخص تعبئة الشباب أنفسهم وإدماجهم في البرامج والمبادرات المقترحة عليهم، وفتح الأبواب مشرعة على قدراتهم الخارقة في الخلق والإبداع والمبادرة، في غنى تعددهم واختلاف أذواقهم وميولاتهم واهتماماتهم التربوية والفنية والفكرية والرياضية وغيرها كما اعتبرت الشأن الشبابي شأنا وطنيا يهيئ  تربة الديمقراطية والحرية والإنتاج والإبداع والوطنية.

هذه السياسة قدمت عرضا معرفيا، وفتحت كل الآفاق الممكنة تربويا وثقافيا وفنيا ورياضيا باسم الخدمة العمومية ومبدأ تساوي الفرص، قصد ولوج أكبر عدد ممكن من طفولتنا وشبابنا للأنشطة المقترحة: زمن الكتاب والجامعات الشعبية ومسرح الشباب والكتاب على الشاطئ والمقاهي الأدبية وسينما الشباب وعطلة للجميع وأجيال كوم للمعلوميات ونقط إعلام الشباب والرياضة للجميع والمنتديات الشبابية وموسيقى الشباب كما تم تعزيز السياسة الشبابية بتأسيس المعهد الوطني للشباب والديمقراطية ومركز إعلام الشباب.

لقد تأسست هذه السياسة كممارسة ثقافية وفنية وأيضا كأداة تربوية حاملة للقيم الوطنية والإنسانية، لأننا وكما أكد على ذلك مرارا السيد كاتب الدولة في الشباب، انه لا يمكن أن نتصور تكوينا شخصيا مكتملا، ولا بناء وطنيا مكتملا، دون هذه القاعدة الصلبة التي لا يؤمنها سوى الكتاب وفعل القراءة والانشطة الموجهة للفكر والسلوك على مبدأ الخدمة العمومية ونهج سياسة القرب، من خلال إنجاز 1200ملعب للقرب ومضاعفة عدد د ور الشباب وإحداث 200مكتبة. هذه البرامج حظيت باهتمام الرأي العام، وأنزلت سياسة الوزارة من المكاتب إلى الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات حتى أصبحت شانا عموميا يكرس المقاربة التشاركية كنهج معزز لانخراط واسع للمجتمع المدني، هذه الدينامية الجديدة ساهمت في إعادة الاعتبار للعمل التربوي والثقافي والتطوعي لمؤسسات الشباب، وفتحت منابر للحوار مع الشباب على قضايا حب الوطن والتسامح والمشاركة السياسية،  كما ربطت الفعاليات الوطنية من مفكرين ومبدعين وباحثين بالشباب وبمصاحبتهم،  ولعل الانخراط الكبير من طرف هؤلاء في برامج الجامعات الشعبية وزمن الكتاب والمنتديات الشبابية لخير دليل على شرعية هذه الأنشطة واستحسانها من طرف النخب.

كل هذه البرامج وهذه المبادرات، هي الترجمة الفعلية واليومية لمضامين السياسة الوطنية للشباب عبر أنحاء المملكة بروح ارادية تعتمد الابتكار الجماعي، وحشد الهمم، والقوة الاقتراحية القمينة بخلق الحماس والتعبئة، وخلق جو الثقة والمشاركة والاستجابة لحاجيات موجودة داخل المجتمع تلقى دائما الانخراط، والاعتماد على الروح التطوعية الوطنية للفعاليات الحية، والاطمئنان كيفما كان حجم المبادرة إلى روح وتقاليد البذل والابتكار والمسؤولية والتضحية لآلاف من الشباب والشابات. ان الحركية والرجة التي عرفتها مؤسسات الشباب خلال هذه الفترة كانت بداية مصالحة الشباب مع دار الشباب وبداية أيضاً ربط هذه المؤسسة بمفاهيم جديدة في مجال التأطير الشبابي المبنية على المعرفة والمشاركة والحوار والتعبئة، فبالرجوع الى مرجعية مضامين ومنطلقات هذه البرامج نقف عند حقيقة واحدة انها تترجم فلسفة إنسانية ما أحوج شبابنا لممارستها واعتناقها، فهي مصاغة بعناية ودراية بما يحتاجه الشباب في تكوينهم وتربيتهم على نبل القيم والمبادئ.

لم يبق أي شيء من هذه التجربة الإنسانية فكل البرامج تم الاجهاز عليها واقبرت. المتتبعون والعارفون بأمور هذا القطاع يدركون الأساليب المكشوفة التي تم استعملها لإجهاض هده البرامج،  فمن التسفيه والتشكيك في الحصيلة وتمويه الأهداف وتحريفها وشن هجوم على هذه المرحلة ومحاولة إغلاق المعهد الوطني للشباب والديمقراطية، إلى استعاضة برنامج عطلة للجميع بأنشطة العطل والترفيه، انها ممارسات تتبعها الرأي العام بدقة تفاصلها والنتيجة مع الأسف الشديد كانت مخجلة ومسيئة لقطاع يهتم بقضايا الشباب وبمن سيكونون مستقبل المغرب ، كان على هؤلاء ان يقرؤوا جيدا هذه السياسة ويتمعنوا في بعدها وان لا يربطوها بالأشخاص، ولكن بالصيرورة الطبيعية للسياسات الحكومية التي تتسم بالاستمرارية والتطور في إطار رؤية شمولية وطويلة المدى.

فماذا تبقى من هذه السياسة سوى مؤسسات فارغة بدون محتوي ولا هوية . ما جدوى هذه المؤسسات إذا لم تكن فضاءات للتربية على قيم المواطنة التي لا تتحقق الا بالمعرفة والممارسة الميدانية والاحتكاك بالواقع الذي تمنحه هذه الأنشطة.