الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

مزيان: الإجراءات التشريعية والقضائية والإدارية لمعالجة المادة 16 من مدونة الأسرة ومخلفاتها (2)

مزيان: الإجراءات التشريعية والقضائية والإدارية لمعالجة المادة 16 من مدونة الأسرة ومخلفاتها (2) نزهة مزيان

أمام مختلف الأوضاع السلبية الناتجة عن الثغرات الواردة بالمادة 16 من مدونة الأسرة، والتطبيق غير السليم لمقتضياتها كما حللْتُها في الجزء الأول، فإنني أعتبر أن هناك نوعين من المعالجات. فهناك أولا المعالجة التشريعية/القانونية من جهة (القسم الأول)، ثم المعالجة القضائية والإدارية لمخلفات المادة 16 من جهة أخرى (القسم الثاني).

القسم الأول: المعالجة التشريعية/القانونية للمادة 16

إن الصياغة الجديدة للمادة 16 ينبغي أن تعتمد على المحاور التالي:

- التوقيف النهائي للعمل بدعوى ثبوت الزوجية، وجعل ذلك مقتصرا فقط على توثيق عقود الزواج التي كان فيها الأزواج راشدين خلال الفترة الانتقالية التي بلغت 15 سنة (أي من 5 فبراير 2004 إلى 5 فبراير 2019)؛

- جعل دعوى ثبوت الزوجية لا تهم التعدد أو تزويج القاصرات، إلا وفق المساطر الموضوعة من قبل المدونة، من خلال التأكيد على ضرورة تضمين شهادة إثبات الحالة العائلية للطرفين ضمن الوثائق الواجب الإدلاء بها في دعوى ثبوت الزوجية؛

- استحضار دور الزجر الجنائي قصد تحقيق الردع الخاص والعام.

وتبعا لذلك، فإن تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة أصبح يفرض نفسه (المحور الأول)، إلى جانب استحضار دور الزجر الجنائي (المحور الثاني).

المحور الأول: تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة

الصياغة المقترحة:

"تُعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج.

إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة، دون أن يُخِل ذلك بالمقتضيات المرتبطة بالتعدد وتزويج القاصرات الواردة أدناه.

تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.

يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمسة عشر سنة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، ولا تُقبَل بعد ذلك إلا إذا كانت قد تمت خلال هذه الفترة".

وأعتقد أن هذه الصياغة، (والتي هي مجرد اقتراح ضمن مقترحات أخرى مُمكنة) ستحل العديد من الإشكالات، وخاصة من ذلك، إذا تم استحضار المقاربة الزجرية واعتماد تدابير قضائية وإدارية مواكبة لها.

المحور الثاني: استحضار أهمية الزجر الجنائي

لا أحد يُمكن أن يُشكك في دور المقاربة الزجرية، التي لها دورها ومكانتها على أية حال، في كل المجتمعات. ولذا، من المهم جدا الضرب بيد من حديد على المتلاعبين بالقانون.

ففي حالة تزويج القاصر، ينبغي أن يمتد اختصاص المحكمة إلى فرض عقوبات زجرية في حق المسؤولين عن ذلك، سواء تعلق الأمر بالولي أو حتى بالزوج إن كان راشدا؛

وينبغي أيضا أن يمتد اختصاص المحكمة للتطبيق الآلي لمقتضيات الفساد في الحالات التي لا تُؤدي فيها دعوى الزوجية إلى أية نتيجة؛

وأخيرا، فإنه ينبغي متابعة الطرفين معا على إهمالهما للمصالح الفضلى للطفل، حتى تتمكن بلادنا من الحفاظ على حقوق الأطفال في النسب بتحميل المسؤولين عن العلاقات غير الموثقة نتائج أعمالهما.

القسم الثاني: المعالجة القضائية والإدارية لمخلفات المادة 16

ينبغي أن نُميز في البداية بين المعالجة القضائية والتي تشمل جهازي القضاء الجالس والواقف (المحور الأول)، وبين المعالجة الإدارية المحضة (المحور الثاني).

المحور الأول: المعالجة القضائية

نُميز هنا بين حالتين: فهناك من ناحية أولى الدعوى التي يكون طرفيها متوافقين على الزواج (النقطة الأولى)، ثم حالة وجود خلاف أو نزاع حول الزواج من ناجية ثانية (النقطة الثانية).

النقطة الأولى: حالة التوافق حول ثبوت الزوجية

ويتم التمييز هنا بين حالة وجود أبناء (أولا)، وحالة عدم وجود أبناء (ثانيا).

أولا: ثبوت الزوجية التوافقية في حالة وجود أبناء

يتعلق الأمر هنا بحالة استغلال المادة 16 قصد تزويج قاصر (1) أو استغلال المادة قصد التعدد (2).

1) إذا تبين للمحكمة أثناء البت في الملف أن هناك تلاعب وتحايل قصد استغلال المادة 16 من مدونة الأسرة من أجل تزويج قاصر، استنادا على تاريخ العلاقة الزوجية المصرح بها في المقال:

- تحكم بعدم قبول الدعوى لكون أحد الأطراف قاصر؛

- تتخذ النيابة العامة، جميعَ الإجراءات الضرورية لتسجيل الأبناء في سجلات الحالة المدنية معتمدة في ذلك على تصريح الأب في مقال ثبوت الزوجية المقدم للمحكمة؛

- يبقى أمام المعنيين سلوك المسطرة العادية لتوثيق عقد الزواج عند بلوغ القاصر سن الرشد القانوني.

2) أما في حالة ما إذا تبين أن الأمر يتعلق باستغلال المادة 16 من أجل التعدد فيتم:

- عدم قبول الدعوى؛

- قيام النيابة العامة بالإجراءات الضرورية لتسجيل الأبناء في سجلات الحالة المدنية معتمدة في ذلك على تصريحات المدعين؛

- ويبقى أمام الزوج سلوك مسطرة الإذن بالتعدد.

ثانيا: ثبوت الزوجية التوافقية دون وجود أبناء

- تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى تلقائيا لعدم وجود أبناء مع إمكانية سلوك الطرفين المسطرة العادية لتوثيق الزواج بالنسبة للعلاقات الزوجية القائمة خلال الفترة الانتقالية أو قبلها؛

- تبت المحكمة في ملف دعوى ثبوت الزوجية بالنسبة للعلاقات الزوجية القائمة قبل 5 فبراير 2019 فقط.

النقطة الثانية: حالة عدم التوافق حول ثبوت الزوجية

نُميز هنا أيضا بين حالة وجود أبناء (أولا)، وحالة عدم وجود أبناء (ثانيا).

أولا: حالة عدم التوافق حول ثبوت الزوجية مع وجود أبناء

في هذه الحالة، تعتمد المحكمة في سماع الدعوى سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة -مع تحميل الدولةِ مصاريفَها-، فإذا تبين لها أن الزوجية قائمة وليس هناك تعارض مع المقتضيات المتعلقة بتزويج القاصر أو التعدد تحكم المحكمة بثبوت الزوجية، وفي حالة وجود تعارض تحكم بعدم قبول الدعوى ويتم تسجيل الأبناء في الحالة المدنية.

ثانيا: حالة عدم التوافق حول ثبوت الزوجية دون وجود أبناء

- تبت المحكمة في ملف دعوى ثبوت الزوجية بالنسبة للعلاقات الزوجية القائمة قبل فبراير 2019 فقط؛

- تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى تلقائيا، بالنسبة للعلاقات الزوجية القائمة بعد هذا التاريخ.

المحور الثاني: المعالجة الإدارية

إن مختلف التدابير القضائية، لا يُمكن أن تكون فعالة إذا لم تُواكبها تعبئة كل البنيات المادية، والطاقات البشرية لخدمة هذا المشروع الكبير. ويمكن هنا أن نسوق كأمثلة على ذلك، في البداية ما ورد في لخطاب الملكي لعيد العرش لسنة 2022 بخصوص الدعوة إلى "تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب".

إن هذا التوجيه الملكي السامي، سيكون بمثابة الأساس المادي للتطبيق السليم لمدونة الأسرة. فبقدر ما يتم تعميم محاكم الأسرة، بقدر ما يتم توفير الموارد البشرية، وخاصة منها ممارسي المهن القضائية، وعلى رأسهم هيئة العدول التي سيكون لحُسن انتشارها الأثر الجيد للقضاء على الزواج غير الموثق.

وبالموازاة مع ذلك، ينبغي أن يتم التنسيق مع السلطات المحلية، باعتبار أنها في علاقة مُباشرة مع المواطنات والمواطنين، وخاصة من خلال جهاز "الشيوخ والمقدمين"، الذين يُمكنهم المساهمة بشكل وافر في التوجيه والإرشاد، وتسهيل الإجراءات والمساطر.

 

خاتمة:

إن هذه المعالجة للمادة 16 من مدونة الأسرة ومخلفاتها، ليست إلا النموذج الصارخ على إمكانية التلاعب بالقانون واستغلاله في غير ما أوجد من أجله. إلا أن هذا ينبغي ألا يحجب عنا قضايا أخرى تستحق المعالجة بدورها. وسيكون ذلك موضوع مقال آخر مستقل.

 

 نزهة مزيان، دكتورة في الحقوق (وزارة العدل)