الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار: قيس سعيد و بناء الدولة"  المؤمنة" المعادية لجيرانها  

العياشي الفرفار: قيس سعيد و بناء الدولة"  المؤمنة" المعادية لجيرانها   الدكتور العياشي الفرفار
17 ديسمبر 2010 كان حدثا مفصليا في تاريخ تونس، الشاب محمد البوعزيزي يحرق نفسه احتجاجا على وضع اجتماعي و اقتصادي مأزوم . حريق يشعل شرارة ثورة كانت من  أجل الحرية و الكرامة، ثورة للتغيير  من أجل إسقاط نظام حكم زين العابدين بن علي. هي لحظة انتظرها الشعب التونسي طويلا عبر عنها شيخ بفرح  لحظة إعلان هروب بن علي و ليلى الطرابلسي، و هي عبارة  مازال صداها يتكرر الى اليوم: بن علي هرب ، بن علي هرب .
ثورة الياسمين هي  ثورة من أجل التغيير دون عنف، ثورة اللاعنف و اللاحرب، ثورة حافظت فيها الشوارع على جمالها، بعيدا عن منطق التخريب و العنف الهدام.  
 ثورة من أجل أن تزهر تونس، ولكي  تفوح روائح الياسمين في أرض ابي القاسم الشابي، لكن ان المخاض كان ومازال عسيرا . 
قيس سعيد الرئيس الخامس في جمهورية الثورة ، يترشح للانتخابات الرئاسية ولم يكن يملك حتى مبلغ الضمان و المحدد في  40000 درهم بالعملة المغربية، خاض الانتخابات بدون حزب، بدون برنامج انتخابي، فقط كان يحمل معه لغته العربية الفصيحة، و قاموس إدانة و شجب لكل  الحكومات السابقة التي صنعت الأزمة  و عذبت المواطن. 
قيس وهو يخوض الحملة  لم يقدم برنامج دقيقا، إنما كان يحلم، ينتقد ، يشجب ويهاجم، حيت حول الفعل السياسي الى درس دستوري حول الدولة، الأمة، الدين، السلطة، الديمقراطية والانظمة التمثيلية، فخاطب الشباب، فتفاعل معه الشباب. والنتيجة كان مرشح الشباب الغاضبين، التأثرين، العاطلين، المعطلين، الحالمين، الباحثين عن عمل ،و الراغبين في تحسين شروط الحياة حتى لا تتكرر مأساة البوعزيزي مفجر الثورة . 
 انتخب سعيد قيس من اجل تغيير الواقع ، استعادة الأمل و انهاء مرحلة الوجع و المعاناة . لكنه  قرر تغيير الدستور وتعطيل الحياة النيابية ، 
و حل البرلمان بدعوى أن دستور 2014 دستور فكك الدولة و قسم السلطة واضعفها . 
قيس لم يغير لكنه تغير، وهذه هي الحقيقة الصادمة.  لم يجعل السلطة أكثر انسانية وأكثر قربا من المواطن ، لكنه تمسك بها . وقام بتعطيل كل المؤسسات من اجل الامساك بالسلطة و بشكل  استحواذي، و الدليل ان  الدستور الجديد الذي ثم صياغته في غرف مغلقة، والتصويت عليه في وقت قياسي دون تحديد سقف للمشاركة،  سيجعل من رئيس الوزراء مجرد موظف  بسيط .
 تغيير الدستور بدل تغيير الواقع،  أنه الانجاز الاهم  لحكم قيس سعيد.  حيث الرغبة في المزيد من السلطة  من خلال تعطيل النظام البرلماني ،و تعويضه بنظام رئاسي بعيدا عن النموذج الأمريكي،  الذي يجعل الرئيس تحت سلطة الكونجريس ،  في حين الدستور التونسي يجعل الرئيس فوق المؤسسات، وهو ما يشكل مؤشرا على بداية الطريق لاستعادة تجربة بن علي من جديد. 
قيس يريد السلطة، و المزيد من السلطة بدعوى حماية  الدولة المفككة، و حمايتها من الانهيار، لأن دستور 2014 في نظره، هو  تشتيت السلطة و تنازعها .
عوض تغيير الواقع و استعادة الأمل و توفير ظروف الحياة الكريمة، فان قيس احدث انعطافا في مسار ثورة الياسمين التي لم تفح رائحتها بعد ، وإنما  أنتجت ديكتاتورا جديد ، وهو مايبدو في فصول الدستور الجديد لاسيما اختصاصات رئيس الجمهورية، والتي  تعيد إنتاج نظام ديكتاتوري بحسب أغلب المنظمات الحقوقية و الحزبية . 
تصريحات قيس سعيد حول فلسفة السلطة  المحددة  في تصريحاته، حين يعتبر ان الأهم ليس طبيعة النظام؛ رئاسي أو برلماني، بل المهم السيادة للشعب والبقية وظائف، وليست سلطة، ولذلك سيتم الفصل بين الوظائف وليس السلطة، لأنها للشعب". و انما الاهم بالنسبة للثورة و الدولة هو  تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية، بعيداً عن الصراع على الهوية.
 قيس في ترافعه عن التغيير ( تغيير الدستور بدل تغيير الواقع ) ، قرر ان  يغير الدستور التونسي بدعوى استعادة الدولة القوية، حين صرح ان ما وقع بتونس سنة 2014 هو تفكيك للدولة ،لذا دافع عن فكرة  استبدال  مفهوم الدولة بمفهوم الامة ،على اعتبار الأمة  ارقى و اشمل من الدولة .  لأن الدولة في نظره  هي مجرد ذات معنوية، كالشركة أو المؤسسة، والشركة لن تمرّ على الصراط المستقيم ( بناء الدولة المؤمنة )، وهو ما يعني الحديث عن دولة مؤمنة دون الإعلان عن ذلك. 
يبدو ان قيس سعيد يلعب  بالمفاهيم حين يترافع عن  استبدال الدولة بالأمة ، حتى لا يتم الحديث عن الاسلام كدين رسمي لتونس ، فيصبح التغيير فعلا لغويا و شكلا من أشكال اللعب بالكلمات المتقاطعة كلمة بدل كلمة .يبدو ان خلفية هذا التوجه لدى الرئيس هو مواجهة الاتجاهات الاسلامية المتمسكة بوجود كلمة الإسلام في الدستور التونسي ، و التي عمل الرئيس على ازالتها و اعتبار ان الأمة اشمل و اعم و تتضمن الإسلام كمكون جوهري حتى وإن لم يصرح به ، لان الأمة تصنع الدولة المؤمنة المفتخرة بدينها حتى وإن لم تصرح به ، هذا ما  يقوي فرضية ما يسمى بتونس ان قيس هو غواصة سياسية، أي يخفي أكثر ما يكشف، وأن إاسلامي أكثر من إسلامي حركة النهضة، ربما يوظف الإسلام ولا يدافع عنه وهذا نقاش آخر ؟ 
ان فعل الاستبدال – حسب قيس -  هو الية لمواجهة التيارات الاسلامية ، بعدم عدم التنصيص في الدستور على مكون الإسلام ، لكن التناقض يصبح صارخا حين تفكك بنية خطاب الرئيس الباطني . مواجهة التيار الإسلامي لا تكون باللغة ولا بالإخفاء،  و لكن في الواقع و عبر سياسة تقديم البدائل الحقيقية التي تجعل ثورة الياسمين تزهر و تجعل الشباب يطمئن لنتائج الثورة . 
تصريحات قيس و التي تصاغ بلغة عربية صلبة،  و بصوت جهوري لا تصمد أمام صرامة الواقع والوقائع .
بالأمس الرئيس التونسي العاشق للسلطة لدرجة إلغاء كل شئ و تعطيل كل المؤسسات من اجل الاستفراد بالسلطة ، وقع في تناقض غريب وهو يستقبل زعيم عصابة من قطاع  الطرق بالبساط الأحمر،  يكشف أنه يهدم كل ما صرح به بدعوى انه رئيس لبناء الامة  وحماية الدولة من التفكك .
 من ينتصر لخطاب الامة عليه ان يكون وحدويا، و ليس تفكيكيا وفق مقومات و مقولات الفلسفة القومية التي تزعمها المفكر ساطع الحصري حيث أطروحة الوحدة   تتأسس على البعد اللغوي أساساً واستبعاد العامل الديني، بعكس الخيار الذي يتبناه خصمه السياسي لدى حركة النهضة حيث  الانتصار للهوية  المؤسسة على الدين . 
 الانتصار للغة معناه الانحياز للقومية العربية، ورفض التجزئي و تشجيع الكيانات المجهرية ، أما طقوس الاحتفاء والاحتفال والبساط الاحمر فهو تشجيع الكيانات مجهرية ومليشيات مسلحة، لكنه احتفال مدفوع الثمن معروف من دفع ومن قبض، لأن عائدات البترول المرتفعة يتم حرمان الشعب الجزائري منها من أجل تغذية حقد دفين. 
 امام حجم الاحتفال تصبح مؤشرات الصفقة ماثلة للعيان ان الرئيس التونسي تحول الى ممون حفلات ، انجز مهمة بمقابل. استقبال زعيم العصابة  فهو تفكير خارج منطق الدولة ، وتشجيع لمنطق الفوضى واللانظام، ودعم  لشرعية التمرد والعنف و العصيان . طيف نفهم من يغير الدستور من أجل بناء الدولة و منعها من التفكك يشجع عكس ذلك . 
قيس سعيد، يتعامل مع الفعل السياسي كفعل لغوي ، يقوم بتصريف كلماته وفق قواعد الصرف والإعراب، في حين أن المطلوب منه كرئيس دولة ان يقوم باعراب وضبط سلوكه كرئيس دولة، وفق قواعد سياسية صلبة تؤمن ببناء الدولة القوية و إحترام المواثيق الدولية ومراعاة حقوق الجوار.   
ماوقع بالأمس والاحتفال المبالغ به لا يعكس الحقيقة بقدر ما يخفيها، انها مجرد حفلة تنكرية مدفوعة الثمن .