على هامش نشر "أنفاس بريس"، مقال الدكتور أنور الشرقاوي تحت عنوان: "التهراوي..وزير الصحة الذي في إمكانه كتابة صفحات من ذهب من تاريخ الطب المغربي"، تنشر "أنفاس بريس" ردا للدكتور عثمان الإدريسي، لتعميق النقاش لمصلحة وخدمة الصحة في المغرب.
لا يختلف اثنان على أن المنظومة الصحية الوطنية تمر بمرحلة دقيقة، وأن الحاجة إلى إصلاحات عميقة باتت ملحّة. غير أن تحويل هذه القناعة العامة إلى قرارات تنفيذية فورية يقتضي قدرًا من التحفّظ المؤسسي، ووعيًا دقيقًا بتعقيدات الدولة، وحدود الزمن السياسي، وتوازنات الموارد.
إن المقاربة التي تدعو إلى تفعيل مجموعة من الأوراش دفعة واحدة، رغم وجاهتها النظرية، تنطوي على مخاطر تنزيل متسرّع قد يُضعف الإصلاح بدل أن يعزّزه.
أولًا : في مسألة إحداث وكالة وطنية للتبرع بالأعضاء وزرعها
صحيح أن المغرب يتوفر على كفاءات طبية محترمة في مجال زرع الأعضاء، لكن الإشكال لا يختزل في التنظيم المؤسساتي وحده.
فهذا الورش يلامس: حساسية دينية وثقافية عميقة، ثقة مجتمعية هشّة في المؤسسات، وإشكالات أخلاقية وقانونية معقدة (الموافقة، الوفاة الدماغية، التبرع العائلي).
إن إحداث وكالة مستقلة، دون نقاش وطني موسّع، ودون تدرّج في بناء القبول المجتمعي، قد يحوّل الوكالة إلى بنية إدارية إضافية ضعيفة الأثر بدل رافعة إنقاذ للأرواح.
صحيح أن المغرب يتوفر على كفاءات طبية محترمة في مجال زرع الأعضاء، لكن الإشكال لا يختزل في التنظيم المؤسساتي وحده.
فهذا الورش يلامس: حساسية دينية وثقافية عميقة، ثقة مجتمعية هشّة في المؤسسات، وإشكالات أخلاقية وقانونية معقدة (الموافقة، الوفاة الدماغية، التبرع العائلي).
إن إحداث وكالة مستقلة، دون نقاش وطني موسّع، ودون تدرّج في بناء القبول المجتمعي، قد يحوّل الوكالة إلى بنية إدارية إضافية ضعيفة الأثر بدل رافعة إنقاذ للأرواح.
ثانيًا : بخصوص إلزامية التكوين الطبي المستمر
لا خلاف حول أهمية التكوين المستمر، لكن الإلزامية القانونية ليست دائمًا مرادفًا للجودة.
فالخطر يكمن في: تحويل التكوين إلى إجراء شكلي مرتبط بالنقط والشواهد، خلق سوق موازية لاعتمادات غير متكافئة، تحميل الطبيب أعباء مالية وزمنية إضافية دون ضمان عدالة في الولوج.
قبل الإلزام، كان الأجدر طرح سؤال الحكامة والتمويل والاستقلالية، حتى لا يتحول التكوين إلى عبء إداري جديد بدل رافعة جودة.
لا خلاف حول أهمية التكوين المستمر، لكن الإلزامية القانونية ليست دائمًا مرادفًا للجودة.
فالخطر يكمن في: تحويل التكوين إلى إجراء شكلي مرتبط بالنقط والشواهد، خلق سوق موازية لاعتمادات غير متكافئة، تحميل الطبيب أعباء مالية وزمنية إضافية دون ضمان عدالة في الولوج.
قبل الإلزام، كان الأجدر طرح سؤال الحكامة والتمويل والاستقلالية، حتى لا يتحول التكوين إلى عبء إداري جديد بدل رافعة جودة.
ثالثًا : حول الاعتراف المؤسسي بالقطاع الطبي الحر
إن إدماج القطاع الطبي الحر داخل الهيكل التنظيمي للوزارة قد يبدو منطقيًا، لكنه يطرح إشكالًا بنيويًا:
كيف يمكن لوزارة الوصاية أن تكون في آن واحد منظمة، ومراقبة، وشريكة؟
فالاعتراف المؤسساتي غير المؤطر قد يفتح الباب أمام: تضارب المصالح، تسييس العلاقة مع فاعلين اقتصاديين، وإضعاف مبدأ الحياد التنظيمي للدولة.
الدولة الحديثة لا تدمج كل الفاعلين داخل هياكلها، بل تنظمهم بقواعد واضحة ومستقلة.
إن إدماج القطاع الطبي الحر داخل الهيكل التنظيمي للوزارة قد يبدو منطقيًا، لكنه يطرح إشكالًا بنيويًا:
كيف يمكن لوزارة الوصاية أن تكون في آن واحد منظمة، ومراقبة، وشريكة؟
فالاعتراف المؤسساتي غير المؤطر قد يفتح الباب أمام: تضارب المصالح، تسييس العلاقة مع فاعلين اقتصاديين، وإضعاف مبدأ الحياد التنظيمي للدولة.
الدولة الحديثة لا تدمج كل الفاعلين داخل هياكلها، بل تنظمهم بقواعد واضحة ومستقلة.
رابعًا : إدماج الطب العسكري والخاص ضمن المجموعات الصحية الترابية
رغم وجاهة منطق التكامل، فإن هذا المقترح يغفل طبيعة الطب العسكري القائمة على: اعتبارات سيادية وأمنية، تنظيم هرمي خاص،
وأدوار لا تخضع للمنطق المدني المحض.
أما إدماج القطاع الخاص ترابيًا، فيصطدم بتفاوت المصالح، ونماذج التمويل، واستقلالية القرار الاستثماري.
والخطر هنا هو تذويب المسؤوليات بدل توحيد الجهود.
رغم وجاهة منطق التكامل، فإن هذا المقترح يغفل طبيعة الطب العسكري القائمة على: اعتبارات سيادية وأمنية، تنظيم هرمي خاص،
وأدوار لا تخضع للمنطق المدني المحض.
أما إدماج القطاع الخاص ترابيًا، فيصطدم بتفاوت المصالح، ونماذج التمويل، واستقلالية القرار الاستثماري.
والخطر هنا هو تذويب المسؤوليات بدل توحيد الجهود.
خامسًا: تحيين التعريفة الوطنية المرجعية
يمثل هذا الورش أكثر الملفات حساسية، ليس طبيًا بل ماليًا واجتماعيًا.
فأي مراجعة للتعريفة:
لها أثر مباشر على ميزانيات التغطية الصحية، وعلى قدرة الدولة على الاستدامة المالية، وعلى علاقة المواطن بالخدمة الصحية.
إن طرح التحيين دون ربطه الصريح بإصلاح شامل لمسار العلاج، ومحاربة الهدر، وضبط التجاوزات، قد يؤدي إلى احتقان اجتماعي بدل استعادة الثقة.
يمثل هذا الورش أكثر الملفات حساسية، ليس طبيًا بل ماليًا واجتماعيًا.
فأي مراجعة للتعريفة:
لها أثر مباشر على ميزانيات التغطية الصحية، وعلى قدرة الدولة على الاستدامة المالية، وعلى علاقة المواطن بالخدمة الصحية.
إن طرح التحيين دون ربطه الصريح بإصلاح شامل لمسار العلاج، ومحاربة الهدر، وضبط التجاوزات، قد يؤدي إلى احتقان اجتماعي بدل استعادة الثقة.
سادسًا : في مسألة هيئة الأطباء وتوحيد النقابات، رغم نبل المقصد، فإن تدخل السلطة التنفيذية، ولو أخلاقيًا، في إعادة تشكيل الجسم المهني، قد يُفهم كـ وصاية غير مباشرة.
فالشرعية المهنية لا تُمنح من فوق، بل تُبنى من داخل المهنة نفسها، عبر آليات ديمقراطية ناضجة.
فالشرعية المهنية لا تُمنح من فوق، بل تُبنى من داخل المهنة نفسها، عبر آليات ديمقراطية ناضجة.
خلاصة نقدية
إن الطرح الإصلاحي المعروض طموح، متماسك، وصادق النية، لكنه يميل إلى تبسيط مسار الدولة، وإلى افتراض قابلية التنفيذ السريع في منظومة معقّدة، متعددة الفاعلين، ومثقلة بإرث تاريخي وتنظيمي.
الإصلاح الصحي ليس سباقًا للسرعة، بل مسار تراكمي: يتطلب ترتيب الأولويات، وبناء التوافقات،
واختبار الحلول قبل تعميمها.
والتاريخ لا يُصنع فقط بالقرارات الشجاعة، بل أحيانًا بالحذر المسؤول.
إن الطرح الإصلاحي المعروض طموح، متماسك، وصادق النية، لكنه يميل إلى تبسيط مسار الدولة، وإلى افتراض قابلية التنفيذ السريع في منظومة معقّدة، متعددة الفاعلين، ومثقلة بإرث تاريخي وتنظيمي.
الإصلاح الصحي ليس سباقًا للسرعة، بل مسار تراكمي: يتطلب ترتيب الأولويات، وبناء التوافقات،
واختبار الحلول قبل تعميمها.
والتاريخ لا يُصنع فقط بالقرارات الشجاعة، بل أحيانًا بالحذر المسؤول.