Wednesday 10 December 2025
اقتصاد

كأس إفريقيا.. مكاسب المغرب الممكنة!

كأس إفريقيا.. مكاسب المغرب الممكنة! الملعب المونديالي ، الأمير مولاي عبد الله بالرباط
في‭ ‬كتابه‭ ‬"فلسفة‭ ‬كرة‭ ‬القدم:‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬اللعبة"،‭ ‬أكد‭ ‬الكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬ستيفن‭ ‬مامفرود،‭ ‬أن‭ ‬"القيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للعبة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬أو‭ ‬الخسارة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ننتمي‭ ‬إليه‭ ‬جميعا،‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬والهوية‭ ‬واللغة‭ ‬والأسماء‭ ‬والأشياء»‭. ‬ولهذا‭ ‬يحق‭ ‬لنا،‭ ‬والمغرب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬أهم‭ ‬حدث‭ ‬رياضي‭ ‬قاري‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬دجنبر‭ ‬2025،‭ ‬أن‭ ‬نطرح‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة:‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمغرب‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬إفريقيا؟‭ ‬هل‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتعزيز‭ ‬موقع‭ ‬البلد‭ ‬كقوة‭ ‬رياضية‭ ‬صاعدة؟‭ ‬أم‭ ‬بتحقيق‭ ‬انتعاش‭ ‬اقتصادي‭ ‬مؤقت؟‭ ‬أم‭ ‬بتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية؟‭ ‬أم‭ ‬بتسويق‭ ‬الصورة‭ ‬الدولية‭ ‬المشرقة‭ ‬للمغرب؟‭ ‬
 
‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬عن‭ ‬بعضها،‭ ‬لأن‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬هذه‭ ‬المكاسب‭ ‬مجتمعة،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬تُبنى‭ ‬داخل‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬متناسقة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬"كأس‭ ‬إفريقيا"‭ ‬ليست‭ ‬محطة‭ ‬نهاية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬وسيلة‭ ‬لتكوين‭ ‬رؤية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬لقطاع‭ ‬الرياضة،‭ ‬ولربطه‭ ‬بالتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والاندماج‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الثقافية‭ ‬والقوة‭ ‬الناعمة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬لن‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬آثار‭ ‬البطولة‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬داخل‭ ‬الأحياء،‭ ‬والمدارس،‭ ‬والجمعيات،‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وعندما‭ ‬تتحول‭ ‬الملاعب‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬إنتاج‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬منشآت‭ ‬عرض،‭ ‬وحين‭ ‬تحتضن‭ ‬بلادنا‭ ‬أهم‭ ‬حدث‭ ‬كروي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬(كأس‭ ‬العالم‭ ‬2030).
 
في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬حيث‭ ‬تتوجه‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬الملاعب‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬شيدها‭ ‬المغرب‭ ‬(الملعب‭ ‬الكبير‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء؛‭ ‬ملعب‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بالرباط؛‭ ‬ملعب‭ ‬طنجة،‭ ‬إلخ …)،‭ ‬وإلى‭ ‬الأوراش‭ ‬المهيكلة‭ ‬الحضرية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المدن‭ ‬المستضيفة،‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬ووسائل‭ ‬نقل‭ ‬وبنيات‭ ‬استقبال‭ ‬(مطارات،‭ ‬فنادق،‭ ‬مواصلات‭ ‬لاسلكية‭.. ‬إلخ)‭ ‬وخدمات،‭ ‬يصبح‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬المكاسب‭ ‬الممكنة‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬البطولة‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة،‭ ‬لأن‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬المغربي‭ ‬أصبحت،‭ ‬كما‭ ‬يتضح،‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬وأداة‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬صورتها‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً‭. ‬
 
ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬مقاربة‭ ‬موضوع‭ ‬المكاسب‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬المغرب‭ ‬لكأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬منظور‭ ‬موسع‭ ‬لا‭ ‬يختزل‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬مالية‭ ‬ظرفية،‭ ‬ولا‭ ‬يحصره‭ ‬في‭ ‬الانتشاء‭ ‬المجتمعي‭ ‬الآني،‭ ‬بل‭ ‬يتجاوزه‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬العميقة‭ ‬للمشروع‭ ‬الرياضي‭ ‬الوطني،‭ ‬وفي‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬رافعة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ورمزية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬البطولة‭ ‬نفسها،‭ ‬إلى‭ ‬ترصيد‭ ‬المكاسب‭ ‬الممكنة:
 
أولا‭: ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية
يمكن‭ ‬للملاعب‭ ‬التي‭ ‬تُشيد‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬إنتاج‭ ‬رياضي‭ ‬محلي،‭ ‬إذا‭ ‬توفرت‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬لاستعمالها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬الملاعب‭ ‬الكبرى‭ ‬قد‭ ‬تتحول،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬سياسات‭ ‬واضحة،‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬ضخمة‭ ‬لا‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬المباريات‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستنزف‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬مقابله‭ ‬مكاسب‭ ‬اجتماعية‭ ‬مستدامة‭. ‬ولهذا‭ ‬يوجد‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬أمام‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬وظيفة‭ ‬الملاعب‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬كمحركات‭ ‬للرياضة‭ ‬المحلية،‭ ‬وفضاءات‭ ‬مفتوحة‭ ‬للتنشيط‭ ‬الدائم،‭ ‬ومراكز‭ ‬تكوين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬قاعدة‭ ‬رياضية‭ ‬واسعة‭ ‬تضمن‭ ‬للرياضة‭ ‬المغربية‭ ‬مسارا‭ ‬تصاعديا‭ ‬مستقلا‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬المنتخب‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭. ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬ستملأ‭ ‬الملاعب‭ ‬أثناء‭ ‬البطولة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬الذين‭ ‬سيستعملون‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬وفي‭ ‬نوعية‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬ستُبنى‭ ‬حولها‭.‬
 
ثانيا‭: ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحكامة‭ ‬والتسيير
يفرض‭ ‬تنظيم‭ ‬بطولة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬معايير‭ ‬صارمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتدبير،‭ ‬واللوجستيك،‭ ‬والأمن،‭ ‬والتواصل،‭ ‬وتدبير‭ ‬الجماهير،‭ ‬وشبكات‭ ‬النقل،‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬مختلفة‭. ‬إذ‭ ‬كلما‭ ‬ارتفع‭ ‬مستوى‭ ‬التعقيد‭ ‬التنظيمي،‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬البلد‭ ‬مضطرا‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬قدراته‭ ‬المؤسساتية‭. ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬مكسب‭ ‬مهم،‭ ‬لأنه‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬جاهزية‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإدارية،‭ ‬ويُكسبها‭ ‬خبرة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتاح‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭. ‬الفائدة‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬مرتبطة‭ ‬بـ‭ ‬(الكان) (كأس‭ ‬إفريقيا)‭ ‬كحدث‭ ‬قاري‭ ‬مهم،‭ ‬بل‭ ‬بتكوين‭ ‬أطر‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬مباريات،‭ ‬مؤتمرات،‭ ‬فعاليات‭ ‬سياحية‭ ‬كبرى،‭ ‬أو‭ ‬تظاهرات‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬يستضيفها‭ ‬البلد‭. ‬ومن‭ ‬زاوية‭ ‬سياسية،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬(الكان)‭ ‬كخطوة‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬حضوره‭ ‬الدولي،‭ ‬وتمهيد‭ ‬مسار‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬2030‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُبنى‭ ‬اليوم‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استراتيجي‭ ‬طويل،‭ ‬تحضر‭ ‬فيه‭ ‬الرياضة‭ ‬بوصفها‭ ‬واجهة‭ ‬لصورة‭ ‬المغرب‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الإنجاز‭.‬
 
ثالثا‭: ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية
يمكن‭ ‬النظر‭ ‬للحدث‭ ‬باعتباره‭ ‬مكسبا‭ ‬دبلوماسيا،‭ ‬لأن‭ ‬الرياضة‭ ‬أصبحت‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النفوذ‭ ‬والتأثير‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬المغرب‭ ‬لبطولة‭ ‬قارية‭ ‬في‭ ‬ظرفية‭ ‬سياسية‭ ‬حساسة‭ ‬داخل‭ ‬القارة،‭ ‬يجعله‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬محوري‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ويمنح‭ ‬له‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬للتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الحليفة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬ليست‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬مهمة‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬وتطوير‭ ‬مشاريع‭ ‬مشتركة‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬الاستثمار‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتعليم‭. ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬المكاسب‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المباشرة،‭ ‬لأنها‭ ‬تفتح‭ ‬أمام‭ ‬المغرب‭ ‬آفاقا‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬الإفريقية‭ ‬والمتوسطية،‭ ‬وتمنحه‭ ‬موقعا‭ ‬إستراتيجيا‭ ‬يُراكم‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭.‬
 
رابعا‭: ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي
يتعلق‭ ‬هذا‭ ‬المكسب‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬الرياضة‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وبالقدرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الحماس‭ ‬الشعبي‭ ‬إلى‭ ‬رافعة‭ ‬نفسية‭ ‬ومجتمعية‭. ‬فالمغاربة،‭ ‬مثل‭ ‬معظم‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لعبة‭. ‬هي‭ ‬فضاء‭ ‬للتعبير،‭ ‬ونقطة‭ ‬لقاء‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومساحة‭ ‬لتفريغ‭ ‬الطاقات‭ ‬والانفعالات،‭ ‬ومنصة‭ ‬لصناعة‭ ‬لحظات‭ ‬وطنية‭ ‬مشتركة‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬تنظيم‭ ‬البطولة‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬لحظة‭ ‬انتماء‭ ‬جماعي‭ ‬قوية،‭ ‬تذوب‭ ‬فيها‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مؤقتا،‭ ‬ويشعر‭ ‬الجميع‭ ‬بأنهم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬واحدة‭. ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬مهمة‭ ‬لأنها‭ ‬تعزز‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتعيد‭ ‬للمجتمع‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬والأمل،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬يعرف‭ ‬تحديات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬متعددة‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬المكسب‭ ‬الرمزي،‭ ‬رغم‭ ‬أهميته،‭ ‬يظل‭ ‬هشا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تواكبه‭ ‬سياسات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تضمن‭ ‬استمرار‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬والأحياء،‭ ‬والجمعيات‭ ‬الرياضية،‭ ‬لأن‭ ‬الرياضة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬منافسة،‭ ‬بل‭ ‬منظومة‭ ‬تربوية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭.‬
 
خامسا‭: ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرمزي‭ ‬والسيكولوجي
أصبحت‭ ‬الرياضة‭ ‬اليوم‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬بناء‭ ‬الصورة‭ ‬الوطنية‭. ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬(الكان)‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬نفسه‭ ‬كبلد‭ ‬آمن‭ ‬ويملك‭ ‬مؤسسات‭ ‬مستقرة،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬الإنجاز،‭ ‬وعلى‭ ‬جمع‭ ‬العالم‭ ‬داخل‭ ‬فضائه‭. ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬في‭ ‬التنظيم،‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬المواصلات‭ ‬إلى‭ ‬هندسة‭ ‬الملاعب،‭ ‬ومن‭ ‬نظافة‭ ‬الفضاءات‭ ‬إلى‭ ‬نوعية‭ ‬الخدمات،‭ ‬تصبح‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬السردية‭ ‬التي‭ ‬سيقدمها‭ ‬المغرب‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬العلامة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتطوير‭ ‬صورتها،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬معقدة‭ ‬تتداخل‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬وثقافية‭. ‬
 
سادسا‭: ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين
يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬تنظيم‭ ‬(الكان)‭ ‬كفرصة‭ ‬للتكوين‭ ‬والاندماج‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فإذا‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يمكنهم‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬مكسبا‭ ‬تربويا‭ ‬واسع‭ ‬الأثر‭ ‬إذا‭ ‬أعقبته‭ ‬سياسات‭ ‬واضحة‭ ‬لدعم‭ ‬الأندية‭ ‬المحلية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وتطوير‭ ‬الرياضة‭ ‬المدرسية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬السلسلة‭ ‬الرياضية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬الجمعيات،‭ ‬وخلق‭ ‬فضاءات‭ ‬آمنة‭ ‬ومجهزة‭ ‬للتمرين‭.‬
 
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬لن‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البطولة‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬القادم،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬قدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬إنتاج‭ ‬رياضي‭ ‬حقيقي،‭ ‬وتطوير‭ ‬منظومة‭ ‬احترافية‭ ‬محلية‭ ‬تخلق‭ ‬اقتصادا‭ ‬رياضيا‭ ‬مستداما‭ ‬يشمل‭ ‬النقل،‭ ‬السياحة‭ ‬الرياضية،‭ ‬التكوين،‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخاص،‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الاندماج‭ ‬الرياضي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭.‬
 
ومن‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المكاسب،‭ ‬مسألة‭ ‬التوزيع‭ ‬المجالي‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الرياضية‭. ‬إذ‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬استفادة‭ ‬المناطق‭ ‬الأقل‭ ‬حظا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية،‭ ‬ومدى‭ ‬قدرة‭ ‬السياسات‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬المباريات‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يصلها‭ ‬إلا‭ ‬صدى‭ ‬الاحتفال‭.‬
 
‭ ‬المكسب‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬بعدا‭ ‬جديدا‭ ‬إذا‭ ‬نجح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬سياسة‭ ‬رياضية‭ ‬محلية‭ ‬تضمن‭ ‬عدالة‭ ‬مجالية‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المنشآت،‭ ‬وفي‭ ‬تمويل‭ ‬المبادرات‭ ‬الرياضية‭ ‬القاعدية،‭ ‬لأن‭ ‬الرياضة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حقا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬عموميا‭. ‬وإذا‭ ‬استطاعت‭ ‬الدولة‭ ‬تحويل‭ ‬حدث‭ ‬(الكان)‭ ‬إلى‭ ‬مناسبة‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الخريطة‭ ‬الرياضية‭ ‬الوطنية،‭ ‬فإن‭ ‬المكسب‭ ‬سيتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬لحظة‭ ‬المنافسة،‭ ‬ويتحول‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل‭ ‬للبنية‭ ‬الرياضية‭.‬
ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬البعد‭ ‬الثقافي‭ ‬للمكاسب‭ ‬كذلك،‭ ‬لأن‭ ‬تنظيم‭ ‬حدث‭ ‬كروي‭ ‬ضخم‭ ‬يُجبر‭ ‬البلد‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬أسئلة‭ ‬الهوية،‭ ‬والذاكرة‭ ‬الرياضية،‭ ‬والعلاقة‭ ‬المتوترة‭ ‬أحيانا‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الاحتفال‭ ‬أو‭ ‬الغضب‭.  ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬تنظيم‭ ‬(الكان)‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬نقاش‭ ‬ثقافي‭ ‬يتعلق‭ ‬بدور‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الوجدان‭ ‬الجماعي،‭ ‬وبكيفية‭ ‬تفاعل‭ ‬الجماهير‭ ‬مع‭ ‬المنتخب،‭ ‬وبمدى‭ ‬تحوُّل‭ ‬المدرجات‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬للتعبير،‭ ‬أو‭ ‬للاحتجاج،‭ ‬أو‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭. ‬

 
من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يمكن‭ ‬لكأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬في‭ ‬الشق‭ ‬الآخر‭ ‬المستتر،‭ ‬مرآة‭ ‬تكشف‭ ‬الاختلالات‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬البطولة‭ ‬تُظهر‭ ‬قدرة‭ ‬التنظيم،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تكشف‭ ‬أيضا‭ ‬ضعف‭ ‬بعض‭ ‬البنى،‭ ‬أو‭ ‬قصور‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬مثلا: (نقل،‭ ‬مطاعم،‭ ‬فنادق،‭ ‬إلخ…)،‭ ‬أو‭ ‬هشاشة‭ ‬بعض‭ ‬الفضاءات‭. ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مكسب،‭ ‬لأن‭ ‬كشف‭ ‬الاختلال‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بذكاء‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬مختبرات‭ ‬تشخيصية‭ ‬واسعة،‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬تقييم‭ ‬قدرتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الضغط،‭ ‬وتحسين‭ ‬خدماتها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬التجربة‭. ‬فإذا‭ ‬نجح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬البطولة‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تشخيص‭ ‬وإصلاح‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬المكسب‭ ‬سيكون‭ ‬مضاعفا،‭ ‬لأن‭ ‬التطوير‭ ‬سيأتي‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الأنظار‭ ‬كلها‭ ‬مسلطة‭ ‬على‭ ‬البلد‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬تنظيم‭ ‬بطولة‭ ‬قارية‭ ‬يمنح‭ ‬المغرب‭ ‬فرصة‭ ‬لصناعة‭ ‬مكاسب‭ ‬متعددة،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يضعه‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتوقعات‭ ‬المجتمع‭. ‬فالجماهير‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬امتداداً‭ ‬لعواطفها،‭ ‬وفي‭ ‬التنظيم‭ ‬فرصة‭ ‬لإثبات‭ ‬الذات‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬الدولة‭ ‬مطالبة‭ ‬بإدارة‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬بذكاء،‭ ‬وبناء‭ ‬خطاب‭ ‬واقعي‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬الحلم‭ ‬والقدرة،‭ ‬وبين‭ ‬الطموح‭ ‬والحدود‭. ‬فالمكسب‭ ‬الرمزي‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬ضغط‭ ‬سلبي،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬طاقة‭ ‬إيجابية،‭ ‬ومصدراً‭ ‬للتعبئة‭ ‬البناءة‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وليس‭ ‬منصة‭ ‬للإحباط‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬النتائج‭ ‬الرياضية‭ ‬المرجوة‭. ‬ولعل‭ ‬أكبر‭ ‬تحدٍّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬الاهتمام‭ ‬الشعبي‭ ‬بالمنتخب‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬بالسياسات‭ ‬الرياضية،‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬الجمهور‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬تفاصيل‭ ‬التطوير،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬نتائج‭ ‬المباريات‭.‬
 
لقد‭ ‬أصبح‭ ‬تنظيم‭ ‬البطولات‭ ‬الرياضية‭ ‬الكبرى‭ ‬اختبارا‭ ‬لقدرة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬نموذجها‭ ‬التنموي‭ ‬الخاص،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬امتحان‭ ‬لقدرتها‭ ‬على‭ ‬التنظيم‭. ‬وإذا‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬واضحة،‭ ‬تعالج‭ ‬تحديات‭ ‬الحاضر‭ ‬وتفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬للغد،‭ ‬فإن‭ ‬المكسب‭ ‬الحقيقي‭ ‬سيكون‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬الرياضة‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هندسة‭ ‬المستقبل‭ ‬الوطني‭.‬
       تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن