الدكتور أنور الشرقاوي بمساهمة هاجر المنصوري، أخصائية النطق بسلا orthophoniste
في عيادات علاج النطق cabinets d’orthophonistes عبر مختلف مدن المغرب، يلفت الانتباهَ اليوم ظاهرةٌ غريبة تتكرر مع عدد متزايد من الأطفال.
أطفال أصحاء، أذكياء، فضوليون… لكنهم يبدأون فجأة في التلفّظ بكلمات مبهمة، خليط من أصوات كورية ومقاطع يابانية ونبرات إنجليزية أو فرنسية، تتشابك أحيانًا مع الدارجة المغربية.
لغة هجينة تُضحك الأهل لدقائق… ثم تثير قلقهم.
وراء هذا المشهد تفسير علمي : الطفل يتعرّض لسيلٍ من الرسوم المتحركة بلغات مختلفة، فيقلّد ما يسمع دون أن يمتلك بعدُ الأدوات اللازمة لبناء لغة واضحة ومنسجمة.
هو لا يتعلم لغة أجنبية؛ إنه يكرر الإيقاعات والنغمات، كما يفعل الموسيقي المبتدئ عندما يعيد عزف لحن لا يفهمه.
والنتيجة: “لغة هجينة”، ليست عربية ولا أجنبية، بل مجموعة أصوات منسابة لا يجمعها بناء لغوي.
أخصائيو النطق orthophonistes يؤكدون أن أصل المشكلة هو التعرض غير المنظّم للغات مختلفة.
فالطفل لا يفرّق بين اللغات، بل يلتقط ما يعجبه، ما يبدو ممتعًا أو جذابًا.
الأداء المسرحي في الرسوم اليابانية، الإيقاع الغنائي في الرسوم الكورية، واللكنة الإنجليزية السريعة… كلّها تجذبه بقوة.
فيقلّد، يجرّب، يركّب… وقد ينتهي بابتكار “لغته الخاصة”.
هذا السلوك، المعروف علميًا باسم اللغة الخاصة أو idiosyncratic speech، ليس مرضًا.
إنه انعكاس طبيعي لدماغ في مرحلة بناء لغويّ حسّاسة.
إنه انعكاس طبيعي لدماغ في مرحلة بناء لغويّ حسّاسة.
ومع تنوّع المنصات الرقمية وسهولة الوصول إلى المحتوى، تضخمت الظاهرة.
في الماضي، كان الطفل يشاهد قناة واحدة غالبًا، بمحتوى مدبلج.
اليوم، يقفز خلال ثوانٍ من اليابانية إلى الفرنسية، ثم إلى العربية.
تضاعف وقت الشاشة، وتنوّعت المؤثرات الصوتية، فأصبح اكتساب اللغة يواجه كثيرا من التشويش.
نعم، تقول هاجر المنصوري orthophoniste : هذه الاضطرابات باتت أكثر انتشارًا ممّا كانت عليه قبل خمس أو عشر سنوات.
هل يدعو ذلك للقلق؟
غالبًا لا. فهذه الاضطرابات مؤقّتة وعابرة، ويمكن تصحيحها بسهولة.
لكنها قد تؤخر إتقان اللغة الأم، وتؤثر على مخارج الحروف، وقد تربك التواصل في السنوات الأولى من التعليم.
ولتصحيح المسار، هناك حلول واضحة.
الخطوة الأولى هي تنظيم وقت الشاشات—not منعها—بل إدارتها بحكمة.
فالطفل يتعلم الكلام بالحوار والتفاعل، وليس عبر سماع شخصيات كرتونية تردد عبارات لا تخصّه.
فالطفل يتعلم الكلام بالحوار والتفاعل، وليس عبر سماع شخصيات كرتونية تردد عبارات لا تخصّه.
اعتماد لغة أساسية داخل البيت يساعد على تثبيت المرجع اللغوي، بينما يشكل الحديث اليومي مع الطفل — القراءة، الغناء، سرد القصص، تسمية الأشياء — دعامة أساسية لتقوية لغته.
كما أن اختيار الرسوم المتحركة في اللغة المراد تعزيزها يساعد كثيرًا في توجيه التعلّم.
وإذا استمرت الفوضى اللغوية لأشهر، فإن زيارة أخصائي النطق تكفي غالبًا لإعادة الأمور إلى نصابها تؤكد هاجر المنصوري.
بضع جلسات فقط لتقوية النطق، وصقل تركيب الجمل، وتحسين الانسيابية في التعبير.
هذه الظاهرة الحديثة لا تهدد مستقبل الطفل اللغوي.
إنها تذكير فقط بأن الشاشة في عام 2025 أصبحت رفيقًا قويًا… قادرًا على الإلهام كما على الإرباك، كما تقول هاجر المنصوري.
ويبقى تعلّم اللغة الحقيقية رحلة إنسانية أولًا، تُبنى عبر التفاعل، والابتسامات، والقصص، والكلمات التي يتشاركها الطفل مع عائلته ومن يحيطون به.