يعيش المغرب مفارقة صحية مقلقة: خصاص بنيوي حاد في الأطباء، في الوقت نفسه الذي يغادر فيه مئات الممارسين الأكفّاء، كل عام، منظومة الصحة العمومية لا بسبب الإنهاك المهني… بل فقط لأنهم بلغوا السنّ الإداري للتقاعد.
هؤلاء الأطباء — في المراكز الصحية القريبة من المواطن، في المستشفيات الجهوية، في غرف العمليات، في الجراحة والطب النفسي وطب الأسرة — كانوا يشكّلون العمود الفقري الحقيقي للنظام الصحي العمومي.
ومع مغادرتهم، يُترك فراغ ضخم لا تزال الأفواج الجديدة من الأطباء عاجزة عن ملئه.
سؤال بسيط، لكنه استراتيجي: أين هم الأطباء الذين خرجوا إلى التقاعد؟
هل تملك وزارة الصحة قاعدة بيانات محدثة للأطباء العامّين والاختصاصيين الذين غادروا القطاع العمومي في السنوات الخمس الأخيرة؟
الإجابة المنطقية: نعم.
أغلبهم اليوم بين 65 و70 عاماً، في صحة جيدة تسمح لهم بالاستمرار في العمل.
والأهم: لم يفقدوا خبرتهم، ولا قدرتهم على علاج المرضى وتأطير الأجيال الصاعدة.
والأهم: لم يفقدوا خبرتهم، ولا قدرتهم على علاج المرضى وتأطير الأجيال الصاعدة.
في العديد من الدول، تُعدّ هذه اللائحة جزءاً مما يسمى « الاحتياطي الصحي» — قوة بشرية قابلة للتفعيل في حالات الحاجة: أوبئة، كوارث طبيعية، أو نقص حاد في الموارد البشرية.
فهل لا يستحق المغرب، وهو يعيد بناء نظامه الصحي، الاستفادة من هذا النموذج البراغماتي؟
موارد جاهزة… أمام حاجة ملحّة
تكوين طبيب يحتاج بين 7 و10 سنوات.
وتكوين اختصاصي قد يتطلب أكثر من ذلك.
وتكوين اختصاصي قد يتطلب أكثر من ذلك.
كما أن رفع عدد المقاعد في كليات الطب، و إصلاح مسارات التكوين، لن يعطي ثماره إلا بعد سنوات.
في هذه الأثناء، تفرغ المستشفيات العمومية من مواردها.
في بعض الجهات، خروج طبيب واحد إلى التقاعد قد يشلّ غرفة العمليات، أو يربك خدمة الطب النفسي، أو يجبر مستشفى إقليمي على تحويل المرضى إلى مدن أخرى.
أما المناطق التي تعاني أصلاً من «العطش الطبي اي النقص المزمن »، فتصبح أكثر هشاشة.
أما المناطق التي تعاني أصلاً من «العطش الطبي اي النقص المزمن »، فتصبح أكثر هشاشة.
الأطباء المتقاعدون — جرّاحون، أطباء نفسانيون، أطباء عامون، اختصاصيون في المستعجلات — يمكنهم العمل يومين أو ثلاثة في الأسبوع.
يمكنهم تقديم الاستشارات، أو تعزيز الحراسة اليومية ، أو إجراء عمليات مبرمجة، أو مواكبة الأطباء الشباب في تكوينهم السريري.
هذه ليست رفاهية.
إنها صمّام أمان لا غنى عنه لمنظومة تعيش تحت ضغط يومي.
إنها صمّام أمان لا غنى عنه لمنظومة تعيش تحت ضغط يومي.
لماذا لم تُفعّل هذه الفكرة بعد؟
بينما ينفتح المغرب على نماذج متقدمة في الحوكمة الصحية — الجهوية الصحية، التجميعات الصحية الترابية (GST)، الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إصلاح المسار المهني —
يبقى إدماج الأطباء المتقاعدين خطوة متعثرة.
يبقى إدماج الأطباء المتقاعدين خطوة متعثرة.
السبب؟
* رؤية إدارية جامدة لمفهوم التقاعد تعود لعقود مضت؛
* غياب إطار تعاقدي واضح، قصير المدى ومرن ؛
* عدم وجود آلية لحصر هذه الكفاءات واستدعائها عند الحاجة؛
* تصوّر خاطئ يعتبر أن الطبيب في الخامسة والستين «انتهى دوره»، بينما خبرته تكون في أوج نضجها .
* غياب إطار تعاقدي واضح، قصير المدى ومرن ؛
* عدم وجود آلية لحصر هذه الكفاءات واستدعائها عند الحاجة؛
* تصوّر خاطئ يعتبر أن الطبيب في الخامسة والستين «انتهى دوره»، بينما خبرته تكون في أوج نضجها .
هذه الرؤية تحتاج إلى مراجعة عاجلة.
فرصة حقيقية لإنجاح الجهوية الصحية
ستحتاج المديريات الجهوية للصحة، في مرحلة الانطلاق، إلى أطر خبيرة قادرة على البناء والتأطير وإطلاق الدينامية الأولى.
ومن غير المنطقي — بل من غير الحكمة — التخلي عن هؤلاء في اللحظة التي يحتاجهم فيها البلد أكثر من أي وقت مضى.
عقد يمتد لعام أو عامين، قابل للتجديد، مع أهداف قابلة للقياس، يمكن أن يسمح بتوظيف هذه الكفاءات في:
* وضع المسارات الجهوية للعلاج؛
* التأطير البيداغوجي للأطباء الجدد؛
* دعم البنيات التقنية التي تعاني ضغطاً حاداً؛
* ضمان استمرارية العلاج في المناطق النائية.
* التأطير البيداغوجي للأطباء الجدد؛
* دعم البنيات التقنية التي تعاني ضغطاً حاداً؛
* ضمان استمرارية العلاج في المناطق النائية.
مسألة صحة عمومية… ومسألة ذكاء عملي
في مغرب ترتفع فيه حاجيات المواطن الصحية، وتتزايد فيه التوقعات، وتُفحص فيه إصلاحات القطاع الصحي تحت المجهر، هل يمكننا أن نترك مئات الأطباء الأكفاء خارج الخدمة… بينما هم على استعداد للعطاء من جديد؟
إعادة الاعتبار لدورهم، تنظيم إشراكهم، وتمكينهم من إطار تعاقدي مرن ومحفّز،
هو حلّ واقعي، سريع، وفعّال لتخفيف حدّة الخصاص الطبي — ريثما تُثمر جهود تكوين أجيال جديدة من الأطباء.
هو حلّ واقعي، سريع، وفعّال لتخفيف حدّة الخصاص الطبي — ريثما تُثمر جهود تكوين أجيال جديدة من الأطباء.
هناك حقيقة واحدة لا يجب أن نغفلها:
الخبرة لا تتقاعد… بل تُورَّثd.
واليوم، منظومتنا الصحية في أمسّ الحاجة إليها.
الخبرة لا تتقاعد… بل تُورَّثd.
واليوم، منظومتنا الصحية في أمسّ الحاجة إليها.