Wednesday 3 December 2025
منبر أنفاس

الداود أبا: قانون الاحزاب السياسية ومشاركة شباب الصحراء.. قراءة تحليلية

الداود أبا: قانون الاحزاب السياسية ومشاركة شباب الصحراء.. قراءة تحليلية الداود أبا
يشكّل قانون التنظيمي رقم 29.11 الخاص بالأحزاب السياسية الإطار القانوني الأساسي لتنظيم العمل الحزبي في المملكة المغربية وفي أواخر 2025  تم  تقديم مشروع قانون تنظيمي رقم 54.25 لتعديل هذا القانون، في سياق إصلاح شامل يهدف إلى تجديد المشهد الحزبي، مع تركيز خاص على مشاركة الشباب والنساء, هذا التطور القانوني يفتح فرصة معتبرة لإعادة النظر في العلاقة بين الشباب بمن فيهم شباب الأقاليم الصحراوية وبين العمل السياسي، ما يستدعي مناقشته من زوايا متعددة: قانونية، مجتمعية، تاريخية، وسياسية. سنحاول في هذا المقال الأكاديمي البسيط تسليط الضوء على هذه القضية، مع مراعاة خصوصيات الشباب الصحراوي ذوي الخلفية المكانية، التاريخية، والثقافية كحالة دراسية/تحليلية.
 
ماهية التعديلات في مشروع 54.25 — وما الجديد في قانون الأحزاب
- يلزم مشروع 54.25 بأن يتكون الحزب عند تأسيسه من 12 عضوا مؤسسا  على الأقل، من ضمنهم 4 نساء على الأقل, كما يجب أن يكون هؤلاء المؤسسون  موزعين على جميع جهات المملكة. 
- بالإضافة إلى ذلك، عند توسع قاعدة العضوية المطلوبة لتصبح 2000 عضو مؤسس على الأقل موزعين جغرافيًا على 12 جهة . كما يُشترط أن تمثّل الفئات الشباب (أقل من 35 سنة) النساء ما لا يقل عن 20% خمس الأعضاء المؤسسين في تكوين الحزب. 
- من جهة التمويل: يسمح القانون للأحزاب بتلقي هبات وتبرعات (زيادة سقف المساهمة إلى 800,000 درهم لكل مانح)، كما يتيح لها تأسيس شركات خاصة لرأسمالها بالكامل، لتوليد موارد ذاتية — في القطاعات المرتبطة بالنشاط السياسي مثل الإعلام، النشر، الخدمات الرقمية/التواصل
- من جهة الشفافية والمساءلة: يشترط على الأحزاب تقديم حساب مفصل لمصادر تمويل حملاتها. وإذا أخفقت في تقديم حسابها السنوي لثلاث سنوات متتالية، يصار إلى إحالة موضوع الحل إلى القضاء الإداري بطلب من السلطة الحكومية. 
- دعم خاص للشباب والنساء في الترشح والتمثيل: من أبرز مبادرات مشروع القانون ما يسعى إلى تحفيز مشاركة الشباب دون 35 سنة بغرض تجديد النخب.
 
بمعنى بسيط: مشروع 54.25 يعيد ضبط مدخلات تأسيس الأحزاب وأعضائها، ليجعل من الشباب والنساء جزءا لا يتجزأ منذ البداية وليس مجرد أعضاء لاحقين مع تعزيز شفافية التمويل وتنويع الموارد.
الخلفية – لماذا كانت مشاركة شباب الصحراء متواضعة قبل 2000؟
قبل العقدين الأخيرين، غالبا ما لم يكن الشاب الصحراوي يجد من الدوافع ما يشجعه على الانخراط في العمل الحزبي أو الانتخابات و الأسباب متعددة:
- هيمنة الانتماء القبلي/الجهوي: في أقاليم الصحراء، كثير من الأفراد كانوا ينظرون إلى  القبيلة كمرجع أول فكأن المشاركة السياسية في إطار حزبي تعتبر نقيضا للانتماء القبلي.
- غياب النخب الجامعية والانفتاح الأكاديمي: التجربة الجامعية التي تفتح الآفاق على قيم ديمقراطية و نقد وعي سياسي لم تكن متاحة لجميع الشباب، خصوصا في مناطق معزولة أو مهمشة.
- فقر التمثيل والفرص: الأحزاب التقليدية لم تقدم فرصا حقيقية للشباب أو الصحراويين في مواقع القرار مما خلق إحساسا بأن السياسة ليست لنا أو أن المشاركة لن تحدث فرقا ملموسا.
- إكراهات اقتصادية واجتماعية: البطالة الهجرة إلى المدن الكبرى أو الانخراط في الاقتصاد غير الرسمي كلها عوامل تشتت اهتمام الشباب وتبعده عن تنظيم حزبي أو نشاط سياسي.
- غموض المصداقية والثقة: كثير من المواطنين بمن فيهم شباب الصحراء كانوا ينظرون إلى الأحزاب على أنها ممارسات شكلية بلا جدوى خاصة في غياب عدالة تمثيلية وشفافية.
لماذا الآن؟ التحولات الاجتماعية والسياسية التي أعطت دفعة لصحراويي جيل جديد
منذ بداية الألفية، بدأت تتبلور تحولات مهمة:
- توسع التعليم الجامعي ليشمل الكثير  الطلبة من الأقاليم الصحراوية: هذا وفر نخبة شابة قادرة على التفكير النقدي والاحتكاك بقيم وطنية وديمقراطية.
- انتشار وسائل الإعلام، شبكات التواصل والانفتاح على المعلومات الشباب صار أكثر وعيًا بالقضايا الوطنية الحقوق والتحديات وهذا يعزز رغبة في المشاركة.
- تنامي شعور المواطنة بدلاً من الانتماء القبلي فقط ، ازداد إلادراك أن الانخراط في المشروع الوطني السياسي قد يحقق مصالح الجماعة.
- تجارب احتجاجية وحراك شبابي من ضمنها احتجاجات مخيم اكديم ازيك و احتجاجات  جيل z أفضت إلى تنبيه الشرائح الشابة إلى أهمية التعبير والضغط السياسي بدلاً من التهميش
كل هذا خلق مساحة نقدية لدى الشباب الصحراوي بين أن يظل متمسكًا بالمنظومة التقليدية أو أن يغامر بالإيمان في أن السياسة إذا أُعيد تنظيمها قد تكون أداة للتغيير.
دور مشروع القانون التنظيمي  54.25 في فتح أبواب أمام الشباب الصحراوي
التعديلات المقترحة في مشروع 54.25 يمكن أن تعد مدخلا تشريعيا مهما لإشراك شباب الصحراء بفعالية، عبر:
- إلزام مشاركة الشباب والنساء منذ مرحلة التأسيس للحزب هذا يعني أن الشباب الصحراوي قد يصبح جزءًا من بنية النشأة الحزبية وليس فقط ملحقًا لاحقًا.
- تمكين الأحزاب من إنشاء شركات وأنشطة إعلامية رقمية قد يعطي هذا فرصة للشباب الصحراوي المهتم بالمجال الإعلامي أو الرقمي للاستثمارفي الاعلام محلي و نشاط سياسي ثقافي و التعبئة سياسية واقتصادية.
- ربط التمويل بمساءلة وشفافية يقلل من منطق المحسوبية والزبونية التي غالبًا ما كانت تمنع تمثيل فعلي للأقليات أو المناطق المهمشة.
- دعم ترشيحات شبابية (أقل من 35 سنة) وتخفيف أعباء الحملات الانتخابية يحفّز مشاركتهم بشكل فعلي، خصوصًا إذا كانوا من مناطق بعيدة أقل مواردا أو أقل اتصالا بالمراكز الحضرية. 
- يمكن كذلك ان نرى شباب يتمكنون من تأسيس أحزاب تنطلق من مدن الصحراء في اشارة الى التغيرات التي يحملها مقترح الحكم الذاتي كما هو متعارف عليه لدى التجارب المقارنة الاوروبية.
بهذا، يمكن لمشروع 54.25 أن يكون جواز عبور نحو تمثيل أكثر عدالة وتعددية شريطة أن تُترجم النصوص إلى واقع على الأرض.
العقبات والرهانات لماذا قد لا تكون المشاركة “ضمانة نجاح” تلقائيًا؟
- هوة الثقة بين الشباب والحزب التقليدي حتى لو أُدخل الشباب في هياكل الأحزاب هذا لا يعني تلقائيا أن لهم صوتا حقيقيا أو أن قضايا الصحراء ستترجم في برامج سياسية.
- التوزيع الجغرافي والمركزية حيث  يقتضي القانون أن يكون المؤسسون موزعين على جهات المملكة. لكن الأقاليم الصحراوية غالبا بعيد عنها من حيث الكثافة، مما قد يجعلها تهمل في التمثيل أو ينظر إليها كـ حقائب انتخابية
- ثقافة المشاركة السياسية بعض الشباب حتى إن كانوا مؤهلين قد لا يملكون الخبرة أو الوعي الكافي لقيادة أو إدارة حزب خصوصا في بيئة تفتقر إلى التكوين السياسي.
- إمكانية استغلال الشكليات بعض الأحزاب قد تكتفي بتركيب لوائح شبابية وقوائم نسائية شكليا فقط من دون تمكين حقيقي أو دور في القرار.
- الإكراهات الاقتصادية والاجتماعيةحيث البطالة ضعف البنية التحتية الهجرة، صعوبة التوازن بين الانخراط السياسي وتحمل المسؤوليات الاقتصادية كلها عوامل تؤثر على مدى انخراط فعلي ومستدام.
لماذا مشاركة الشباب الصحراوي خصوصًا الجيل الجديد ضرورية لتجديد النخبة وتقوية مقترح  الحكم الذاتي. 
- حيث يعتبر الشباب  جزءا كبيرا من السكان في الأقاليم الصحراوية وإقصائهم يعني تفريغ تمثيل هذه الأقاليم من روحها وشبابها.
- اضافة ان  تجربتهم الجامعية، انفتاحهم على الإعلام، ووعيهم الوطني لديهم القدرة على إعادة صياغة خطاب حزبي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الصحراء ثقافية، اجتماعية، تنموية
- ولأن مشاركة شباب الصحراء في الأحزاب تشكل إشارة رمزية أن المواطنة في المغرب ليست حكرا على المركز أو الشمال، بل أن الصحراء فاعل أصيل في المشروع المغربي.
- اضافة الى  إنجاح تجربة مشاركة الشباب هو مدخل لتجديد النخب السياسية على مستوى الوطن، وليس فقط الأقاليم وهو ما يعزز ديمقراطية حقيقية وتمثيلا أفضل.
* لأن إشراك الشباب الصحراوي يساعد على إظهار جدوى مشاريع مثل الحكم الذاتي بطريقة إيقاع محلي، وأقل مركزية، وأكثر مشاركة شعبية.
توصيات/خاتمة ـ نحو تعزيز مشاركة حقيقية وفعالة
لكي تتحول الفرصة التي أتاحها مشروع 54.25 إلى واقع ملموس للشباب الصحراوي، من المهم:
1. تنظيم ورشات ومراكز تكوين سياسي محلية في الأقاليم الصحراوية: لتعزيز الوعي السياسي، مهارات القيادة، التسيير الحزبي، التواصل، وغيرها.
2. دعم مالي ولوجستي يخص شباب الصحراء ممن يرغبون في الترشح لأن التكاليف الباهظة لحملات انتخابية تبقى حاجزا مهما.
3. إشراك المجتمع المدني والفعاليات المحلية لتشجيع المشاركة الحقيقية وليس الشكلية وإدماج الشباب مع الجمعيات المحلية، المبادرات الثقافية، الاقتصاد الاجتماعي.
4. متابعة شفافة للتنفيذ: أن تراقب مشاركة الشباب والنساء فعليا في الأحزاب، وليس فقط عبر نسب إحصائية في أوراق التأسيس.
5. دمج مقاربة تنموية مع سياسية: لأن السياسة في الأقاليم الصحراوية لا تنفصل عن التنمية، الخدمات، التشغيل، التعليم المشاركة الحقيقية تكون عندما يشعر الشاب أن صوته يعكس مشاكله اليومية.
ختاما يمثّل مشروع القانون التنظيمي 54.25 فرصة تاريخية لتجديد المشهد الحزبي في المغرب وجعله أكثر شمولية وعدالة وتمثيلا لفئات سبق أن كانت مهمشة، ومن بينها شباب الأقاليم الصحراوية لكن الفرصة وحدها لا تكفي لكي تتحول النوايا التشريعية إلى واقع ديمقراطي حقيقي تحتاج الدولة والأحزاب، إلى الالتزام بإشراك الشباب بجدية وتمكينه فعليا من مراكز القراروإدارة الشأن العام وهذا هو المدخل الحقيقي لتجديد النخب، وتقوية الحكم الذاتي، وبناء المغرب الموحد على أساس مشاركة مواطنة كاملة.