Friday 21 November 2025
منبر أنفاس

بدر شاشا: الشباب المغربي بين وعود الأحزاب السياسية وواقع الإحباط

بدر شاشا: الشباب المغربي بين وعود الأحزاب السياسية وواقع الإحباط بدر شاشا
تظل قضية الشباب المغربي من أهم الملفات التي تواجهها الأحزاب السياسية في المغرب منذ عقود، حيث يظل الشباب هو الشريحة الأكثر طموحًا والأكثر انتظارا لأي تحوّل أو مبادرة قد تساهم في تحسين واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والثقافي، لكن الواقع يعكس فجوة كبيرة بين ما تقدمه الأحزاب في شعاراتها ووعودها وما يتحقق على الأرض، بين الكلام الكبير والبيانات الرسمية وبين الإنجازات الحقيقية الملموسة.
 
لقد حاولت الأحزاب المغربية، منذ الاستقلال وحتى اليوم، أن تظهر بمظهر المدافع عن مصالح الشباب، فتجد الشعارات تتعالى في المؤتمرات والمهرجانات والندوات، تحت عناوين مثل التشغيل للشباب، التكوين المهني، دعم المقاولات الناشئة، وتحفيز الإبداع والابتكار، لكن هذه الشعارات كثيرًا ما تبقى حبرًا على ورق، ولا تتجاوز حدود الإعلانات التلفزيونية أو البيانات الصحفية التي تغطي الانتخابات أو الحملات الانتخابية. فالشباب المغربي الذي يخرج من الجامعات والمعاهد العليا يجد نفسه أمام واقع صعب، بطالة مزمنة، نقص في فرص الشغل، ضعف في التكوين والتأهيل المهني، وغياب حقيقي لمواكبة الدولة لتحولات الاقتصاد الرقمي والتكنولوجي، ما يجعل الشعارات التي تطلقها الأحزاب مجرد أمل بعيد المنال.
 
على مستوى التعليم، حاولت بعض الأحزاب أن تصنع لنفسها صورة المدافع عن جودة التعليم، لكنها لم تلتزم بتقديم سياسات واضحة لحل مشاكل التعليم العالي والتكوين المهني، حيث تبقى المؤسسات التعليمية مهددة بالزحام، ضعف الموارد، وقلة فرص التكوين العملي والمهني، فالشاب المغربي غالبًا ما يجد نفسه مضطرًا للبحث عن تكوين إضافي خارج البلاد أو الاعتماد على معارفه الذاتية للتأقلم مع سوق الشغل، مما يطرح سؤالًا حقيقيًا عن جدية هذه الأحزاب في تحقيق ما وعدت به على أرض الواقع.
 
على مستوى التشغيل، كانت وعود الأحزاب كثيرة، خاصة حول خلق فرص للشباب، دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتشجيع المبادرات الفردية، لكن الواقع يثبت أن برامج التشغيل غالبًا ما تفتقر إلى الاستمرارية، وأن الدعم المادي والمعنوي للشباب محدود، ويغلب عليه الطابع المؤقت الذي يختفي مع انتهاء برامج تمويلية قصيرة أو مشاريع بعيدة عن الاحتياجات الفعلية للشباب في المدن والأقاليم المغربية النائية.
 
كما أن الشباب المغربي يعيش شعورًا متناميًا بالإحباط من السياسة التقليدية، إذ يرى أن الأحزاب تهتم أكثر بالمناصب، بالامتيازات، وبالتحالفات السياسية الداخلية، أكثر من اهتمامها بتحسين شروط حياة المواطنين العاديين، خصوصًا الشباب. فتجد الشباب يشارك في الانتخابات بشكل ضعيف، ويشعر أن صوته لا قيمة له، وأن كل الوعود التي يسمعها أو يقرأها تبقى حبيسة المكاتب، بعيدًا عن التطبيق العملي.
 
على الجانب الثقافي والاجتماعي، حاولت بعض الأحزاب أن تظهر اهتمامها بالشباب من خلال دعم الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية، لكنها غالبًا ما تتجه نحو المدن الكبرى وتترك الأقاليم والقرى المهمشة دون أي دعم، مما يكرس شعور الإقصاء وعدم المساواة بين شباب المغرب، ويجعل الفجوة الاجتماعية بين المدن الكبرى والصغيرة أكثر اتساعًا، كما أن المشاريع الثقافية غالبًا ما تكون موسمية، غير مستمرة، وغير مرتبطة بخطط طويلة الأمد لتعزيز القدرات الإبداعية للشباب في مختلف المجالات.
 
أما على مستوى المشاركة السياسية نفسها، فقد فتحت بعض الأحزاب أبوابها للشباب، وسمحت لهم بالانخراط في التنظيمات الفرعية، لكن هذا الانخراط غالبًا يبقى شكليًا، حيث يقتصر على حضور الاجتماعات أو التوقيع على البيانات، بينما تبقى القرارات الكبرى بيد القيادات التقليدية، مما يضعف قدرة الشباب على التأثير الحقيقي في صناعة القرار، ويؤكد مرة أخرى على أن وعد الأحزاب بالشراكة الفعلية مع الشباب لا يتجاوز مجرد شعارات انتخابية.
 
وفي النهاية، يمكن القول إن الأحزاب السياسية المغربية قدمت للشباب المغربي كلامًا كثيرًا ووعودًا كثيرة، لكنها في كثير من الأحيان لم تتمكن من تحويل هذه الوعود إلى واقع ملموس، فالشباب ما زال يبحث عن فرص الشغل، عن تكوين ملائم، عن دعم حقيقي للإبداع والابتكار، عن مشاركة سياسية حقيقية، وعن حماية حقوقه الاجتماعية والثقافية. فالفجوة بين ما يُقال وما يُنفّذ تجعل الثقة في الأحزاب تتآكل عامًا بعد عام، وتدفع بالشباب إلى البحث عن بدائل أخرى، سواء في المبادرات الفردية، أو الانخراط في جمعيات المجتمع المدني، أو حتى الهجرة بحثًا عن فرص لم تتحقق في وطنهم.
 
الأمل يبقى قائمًا دائمًا، لأن الشباب المغربي قادر على التغيير، لكن هذا التغيير لن يأتي إلا عندما تصبح الأحزاب السياسية صادقة مع نفسها ومع المواطنين، وتنتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل، من كتابة على الورق إلى تطبيق وإنجاز ملموس على أرض الواقع، عندها فقط ستستعيد السياسة المغربية مصداقيتها، ويجد الشباب في وطنه فرصه الحقيقية للتقدم والازدهار والكرامة.