Monday 17 November 2025
Advertisement
اقتصاد

هشام أوجامع: الرقابة القضائية على قرارات الهدم

هشام  أوجامع: الرقابة القضائية على قرارات الهدم قصر الكرملين ببوسكورة
تعد قرارات الهدم من اكثر القرارات الادارية تاثيرا على المراكز القانونية للافراد، بالنظر لما تخلفه من مساس مباشر بالملكية وبالاستقرار العمراني. ورغم الحضور القوي لهذه الملفات في النقاش العمومي والاعلامي، فان الاطار الحقيقي الذي يحدد مدى مشروعية هذه القرارات ويتيح مراجعتها هو القضاء الاداري، باعتباره الالية المؤسسة لضبط العلاقة بين الادارة والمواطن في مجال التعمير ومراقبة مشروعية اعمال السلطة العامة.
 
ان قرار الهدم، باعتباره تصرفا انفراديا صادرا عن جهة ادارية مختصة، يخضع لمبدأ الشرعية، سواء من حيث الاختصاص او الاجراءات او السند القانوني او الغاية من اتخاذ القرار. ويتيح القانون للافراد الطعن فيه عبر دعوى الالغاء، التي ينظر فيها الى مدى احترام الادارة للقواعد المنظمة لعملها. ويشكل هذا الطعن وسيلة لاعادة فحص القرار، والتصريح بابطاله متى ثبت انه مشوب بعيب من عيوب المشروعية، سواء تعلق الامر بعيب الشكل او مخالفة القانون او السبب او الانحراف في استعمال السلطة.
 
غير ان دعوى الالغاء، بحكم طبيعتها الموضوعية وبطء مسطرتها، لا تحقق حماية فورية للمتضرر، ولا تؤدي تلقائيا الى وقف تنفيذ القرار. لذلك يشكل طلب ايقاف التنفيذ الية موازية ذات بعد وقائي، تتدخل فيها جهة القضاء المستعجل عند توفر وسائل جدية في الطعن، ووجود خطر حدوث ضرر لا يمكن تداركه في حال تنفيذ قرار الهدم. ويعد هذا الطلب جزءا اساسيا من المنظومة الحمائية، لانه يمنع التنفيذ في مرحلة قد يكون فيها القرار معيبا، مما يحول دون وقوع اضرار مادية او مالية جسيمة.
 
ويؤدي قاضي المستعجلات من خلال هذه الالية دورا يتجاوز حماية الافراد، ليشمل حماية المال العام ايضا، اذ ان تنفيذ قرار هدم قد يثبت القضاء لاحقا عدم مشروعيته قد يؤدي الى ترتيب مسؤولية الدولة عن تعويضات مهمة. ويساهم تدخل القضاء المستعجل في الحد من المخاطر المالية الناتجة عن الاخطاء الادارية، مما يعزز الجانب الوقائي للرقابة القضائية.
 
كما ان الرقابة القضائية على قرارات الهدم تؤدي وظيفة بنيوية في تطوير القرار الاداري. فهي تساهم في توضيح معايير تطبيق النصوص المتعلقة بالتعمير، وتدفع الادارة الى الالتزام بالشكليات الواجبة واحترام الضوابط القانونية عند اتخاذ القرارات. ويسهم ذلك في تعزيز الثقة في العمل الاداري، وترسيخ مبدأ الامن القانوني، والتقليل من حالات الانحراف في استعمال السلطة.
 
يتضح من هذا التحليل ان الطعن في قرارات الهدم، سواء عبر دعوى الالغاء او طلب ايقاف التنفيذ، ليس مجرد ممارسة اجرائية، بل هو الية لتفعيل مبدأ المشروعية، وضمان التوازن بين سلطة الادارة وحقوق الافراد. ويبرز هذا الدور الرقابي للقضاء الاداري اهمية الاحتكام الى المؤسسات القانونية كخيار عقلاني يحمي الحقوق ويحسن اداء الادارة، في اطار احترام قواعد دولة القانون.
 

الأستاذ هشام أوجامع /محامي بهيئة الدارالبيضاء