Monday 17 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: الوحدة.. والمواطنة

عبد الجليل أبوالمجد: الوحدة.. والمواطنة عبد الجليل أبوالمجد
شكل يوم 31 أكتوبر 2025، "عيد الوحدة"، لحظة مفصلية من مسار قضية الصحراء المغربية، إذ يعتبر ذلك اليوم منعطفا تاريخيا في مسار ترسيخ الوحدة الوطنية، وتعزيز التلاحم حول التراب الوطني، بعدما تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 الذي جدد تأكيد المجتمع الدولي على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع حول الصحراء. فما المقصود بالوحدة الوطنية؟ وما علاقتها بالمواطنة؟ وهل يمكن للوحدة الوطنية أن تتحقق دون مواطنة؟
 
تعتبر الوحدة الوطنية الركيزة الأساسية لإقامة أي دولة عصرية، بما تمثله من علاقات تماسك وترابط بين مختلف عناصر الدولة والمجتمع، إقليميا وقيميا واجتماعيا وثقافيا، وبما تحدثه من علاقات تجمع في إطارها بين تاريخ الدولة وانجازاتها، وبين حاضرها وما يشهده من تنمية وتطوير، ومستقبلها وما يحمله من رؤى وتطلعات.
 
والوحدة الوطنية ليست شعارا يرفع أو أغاني يتغنى بها في الاحتفالات الوطنية فحسب، بل هي منظومة قيمية ونهج وسلوك عملي دؤوب ينطلق من إيمان راسخ في نفوس المواطنين بأن هذا الوطن للجميع في ظل نظام دستوري حاكم بمبادئه التي أقرها الدستور نفسه.
 
والوحدة الوطنية تقوى وتترسخ بالقيم مثل المساواة القانونية، الحرية، العدالة، الكرامة، بالإضافة إلى المشاركة الفاعلة باعتبارها بوابة توفير الظروف الملائمة، سياسيا ونفسيا، وخلق بيئة اجتماعية ووطنية قادرة على تجاوز كل إكراهات الماضي، ومرارات الحاضر، وقادرة أيضا على طي كل محطات العنف والتوتر والهواجس القديمة منها والحديثة.
 
وأساس الوحدة الوطنية هي المواطنة الحقيقية، والتي تقوم على أساس المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص ما بين جميع المواطنات والمواطنين، في دولة يتمتعون فيها بنفس الحقوق كما يتحملون نفس الواجبات، بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية وألوانهم وطبقاتهم ومذاهبهم. وهذا ما حصل في القرنين الماضيين في بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، تلبية لحاجات أملتها عوامل تاريخية أساسية.
 
ولولوج بوابة المواطنة الحقة وتحقيق مجتمع المواطنين بالمغرب يتعين تفعيل سلطة القانون والمساواة أمامه. وذلك لأنه لا مواطنة بدون سيادة حكم القانون، فالقانون هو الضمانة الأساسية في إقرار العدل، ورفع الظلم بكل صوره عن المواطنات والموطنين، وردع كل محاولات التجاوز والاستهتار والفساد وانتشار الطفليات في الشوارع، لاسيما في المدن الكبرى.
 
لكن المواطنة المطلوبة ليست كلاما عاما بلا قواعد، فهي محكومة بالحلول الديمقراطية لكل المعضلات المجتمعية، وطبيعي أنه في غياب المواطنة الحقيقية تصبح القبلية والانفصالية والشعبوية والعنصرية، ملجأ للاحتماء من طغيان الأغلبية.
 
ولمواجهة تحديات وحدة المغرب، المطلوب كخطوة أولى استكمال البناء الديمقراطي بضخ نفس ديمقراطي جديد يعزز المشاركة السياسية، ويكرس الحقوق والحريات، إذ لا شيء يصون الوحدة الوطنية ويحمـي مكاسـبها كتكـريس الحريات والحقوق، وتحسين تسديد الخدمات دون تمييز بين المواطنات والمواطنين. وبعبارة أخرى الوحدة الوطنية والمواطنة وجهان لعملة واحدة.
 
معنى هذا أننا بحاجة اليوم إلى تطوير مفهوم الوحدة الوطنية، مستفيدين من التجارب الديمقراطية الاجتماعية في البلدان الأوروبية التي عانت كثيرا في ماضيها، والتي نجحت جزئيا باعتمادها مبدأ الديمقراطية التوافقية كالنموذج الإسباني والإيطالي والبرتغالي باعتبارهم دول موحدة وليست فدرالية.
 
وختاما، المواطنة هي الحامية للوحدة، وزوالها يهدد وحدة ومصير البلاد.