تذكير لا بدّ منه
عندما تم وصف زيارة وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق لمدينة وزان للوقوف على سير أشغال ورش بناء المركز الاستشفائي الإقليمي، والتواصل مع فعاليات وزان، مؤسساتية ومدنية، حول منسوب فعلية الحق في الصحة الذي يسمح لساكنة دار الضمانة الكبرى بالتمتع بهذا الحق الدستوري (الفصل 31)، الذي من بين ما جاء فيه: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية..."، بأنها زيارة تاريخية! تزلزلت الأرض تحت أقدام من تابع اللقاء التواصلي الذي احتضنه مقر العمالة، والتقط الإشارة من يمتلك شفرة فك رموز البرقيات، بأن السياسوية حاضرة بقوة في هذه الزيارة التي تدخل في صميم المهام العادية التي على الوزير القيام بها. والأكثر من ذلك، يمكن تسجيل مبادرة الوزير في إطار تفعيل التوجيهات الملكية الداعية إلى ضمان استدامة تواصل المسؤولين مع المواطنات والمواطنين وتجويد هذه الآلية.
الأورام الخبيثة القاضمة للحق في الصحة
الولوج السلس والآمن للحق في الصحة بإقليم وزان لم يكن يومًا بالأمر الهيّن، ولا يجب أن يُفهم أن العودة المكثفة اليوم للتناول الإعلامي لقضية احتقان قنوات ولوج ساكنة وزان للحق في العلاج، في أدنى مستوياته بالمستشفى الإقليمي كما بالمراكز الصحية، قد أملاها كمطلب اجتماعي شباب حركة Z في نسختها المغربية. بل إن التمتع بهذا الحق الأساسي معطّل منذ عقود، ويعاني من آثاره حتى شباب الجيل الذي شاهد المغفور له محمد الخامس في القمر، والأجيال المتعاقبة. وبالتالي، فالأمر يتعلق بأزمة بنيوية تخنق أنفاس فعلية هذا الحق.
وللتدليل على ذلك، فإن المجالس الجماعية المتعاقبة منذ شهر نونبر 1976 وجداول أعمال دوراتها يؤثثها موضوع دراسة الوضع الصحي بوزان. وحده المجلس الجماعي الحالي لم ينتبه للموضوع إلا مؤخرًا، رغم المسح اليومي لمعاناة المرتفقين الذي تقوم به، على امتداد اليوم، منصات التواصل الاجتماعي التي تتابع عن كثب اتساع رقعة الأورام الخبيثة بجسد قطاع الصحة العمومي بإقليم وزان.
المحاولة اليتيمة التي قام بها المجلس الجماعي الحالي كانت خلال السنة الجارية، لكن غياب (الغائب حجته معه) المندوب الإقليمي عن أشغال الدورة العادية للمجلس الجماعي أجهض التناول المؤسساتي لمنسوب ولوج الساكنة للتمتع بالحق في الصحة، ووضع خريطة الطريق للترافع مؤسساتيًا عن هذا الحق، الذي من دون ضمان الولوج الآمن له ستظل كرامة المواطن(ة) مخدوشة.
ما هو المقرر الجماعي الذي صادق عليه عضوات وأعضاء مجلس وزان؟ اسألوا الطيف الحزبي المشكّل للأغلبية، وبعده المعارضة الكسلانة!
واقع الصحة بوزان مأزوم إلى حدّ الكارثة
وقد كان ختامه فضيحة نقلها بالصورة والصوت مواطن سوري. فيديو أشعل منصات التواصل الاجتماعي. وكما قال أحد المواطنين: "واقع الصحة بوزان يصل العالمية!"
ما هي بعض تجليات ومظاهر الأزمة البنيوية التي تسبح في مائها العكر المنظومة الصحية بإقليم وزان؟
-
التعطيل الذي طال إتمام ورش إنجاز المركز الاستشفائي الإقليمي، الذي كان من المقرر أن يشرع في تقديم خدماته مطلع سنة 2024، كما صرح بذلك وزير الصحة والحماية الاجتماعية في اللقاء التواصلي المشار إليه أعلاه.
-
الاستمرار في استقبال مرضى الإقليم (حوالي 300 ألف نسمة) بمستشفى أبي القاسم الزهراوي، المحلي سابقًا، الإقليمي حاليًا. بناية هذا المستشفى، رغم الدور الذي قام به لعقود، لم تعد مسايرة للتطور الذي عرفته هندسة المستشفيات مع الجيل الجديد للبنايات التي تستحضر المقاربة الحقوقية في التصميم.
-
تسجيل عجز ملحوظ في التجهيزات الطبية الحديثة، مما يجعل الأطقم الطبية والصحية عاجزة عن القيام بواجبها المهني في بيئة تضمن سلامة المريض(ة)، وبالتالي تضطر للاستنجاد بالمستشفى الجهوي بتطوان، الذي يبعد عن وزان بحوالي 140 كلم. قطع هذه المسافة، في تضاريس صعبة، يجعل مصير المريض(ة) معلقًا بين الحياة والموت.
-
تسجيل خصاص مهول في الأطقم الطبية المتخصصة. ويكفي هنا الوقوف عند التشخيص الذي قام به قبل أيام الرئيس السابق لمجلس جماعة وزان، الذي شدد فيه على أن السوداوية تبدأ من مصلحة المستعجلات، وافتقار المرفق الصحي لطبيب(ة) المختبر، والأمراض الجلدية، وسجل الغياب المستمر للطبيبة الخبيرة في تشغيل جهاز السكانير، والنقص المهول في الأطر الطبية والصحية بقسم التوليد. ولم يفته تسليط الضوء على عدم تشغيل مكيفات الهواء بالمستشفى، رغم أن المنطقة معروفة بطقس حار صيفًا وبارد شتاء!
-
عدم احترام الشركة المشغلة لعمّال الحراسة لما هو وارد في دفتر التحملات، مما يفتح المجال أمام البعض منهم/ن للسقوط في ممارسات محرمة أخلاقيًا وقانونيًا.
-
سماح بعض المهنيين بالمستشفى الإقليمي لأنفسهم بتحويل مرضى إلى مصحات خاصة داخل المدينة وخارجها، وهي ممارسة غير بريئة!
-
طول المواعيد الطبية.
-
المداومة اليومية لأشخاص غرباء بفضاء المستشفى تحت يافطة الغطاء المدني، مما يفتح المجال أمام الكثير من القيل والقال؛ قليله صحيح وكثيره لغو.
-
استمرار تعطيل الخدمات التي تقدمها المراكز الصحية بالعالم القروي كما بعاصمة الإقليم، لأسباب لها علاقة مباشرة بقلة حصيص الإقليم من الأطر الصحية والطبية، وربما سوء توزيعها (مغرب السرعتين).
ما العمل؟
سؤال كبير جعله فلاديمير لينين عنوانًا لكتابه الذي نشره عام 1901. ورغم اختلاف السياق والمجال، فإن كل من يوجد في احتكاك مباشر بالمنظومة الصحية بوزان، ووفق منسوب مواطنته التي تؤكدها الممارسة الفعلية، وليس اليافطات المؤثثة بشعارات "بايخة" لم يعد يثق فيها لا زيد، ولا عمر، ولا حليمة القابضة بالنواجد والأظافر على عاداتها القديمة، مُطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانخراط في حوار عمومي حول فعلية الحق في الصحة بالإقليم، من أجل صياغة دفتر للمطالب مرتبة حسب الأولويات، مع استحضار مستجدات المنظومة الصحية التي تعرفها جهة طنجة تطوان الحسيمة.
لا شيء يمنع من تعبئة كل الوسائل المتاحة (التواصل جزء منها)، كما يشير لذلك منطوق الفصل 31 من الدستور.
لذلك، فلْتكن البداية بلقاء مُجدي يرأسه عامل الإقليم، وتشكل مخرجاته محطة من محطات الترافع من أجل التحاق وزان بنادي السرعة، حيث الحق في الصحة مضمون على قدم المساواة.
اللهم يسّر ولا تعسّر.