Thursday 16 October 2025
Advertisement
منبر أنفاس

خليل البخاري: التربية على المواطنة في صميم المهمة التربوية

خليل البخاري: التربية على المواطنة في صميم المهمة التربوية خليل البخاري
تختصر مهام التربية  تقليديا في تلاث كلمات رئيسية وهي: التعليم والتنشئة الإجتماعية  والتأهيل. هذه هي  المهام الكبرى التي تهدف إلى تجسيد المبدأ القائل  بأن جميع  البشر يولدون أحرارا ومتساوون في الكرامة  والحقوق.. وبناءا  على هذه الرسالة يدرس اليوم الشباب..ومع ذلك ، هل نتقدم  فعلا نحو  مجتمع اكثر مساواة وعدلا؟ وهل يتيح تكافؤ الفرص الحراك الإجتماعي؟.

على الرغم  من التراجع النسبي للفقر المذقع في عديد من دول العالم خلال السنوات السابقة لجائحة كورونا، فإن  القرن الحالي يشهد تفاقما غير مسبوق في المساواة.ومن جهة أخرى، فإن قدرات البالغين في الدول التي  تتمتع  بأنظمة تعليمية متقدمة، لا تزال غير كافية لمواجهة  التحديات المعاصرة ذات الحجم الهائل. كما ان هناك أشخاصا  لا يشاركون في الحياة الإجتماعية. وهذا نوع من الإقصاء  يمس جوهر احترام حقوق الإنسانية.

هل الخطأ في النظام المدرسي؟ الكثير يلقي اللوم على النظام المدرسي. ولا شك أنه يعاني من نقائص متعددة . فبين التعليم والتأهيل  تجد وظيفة التنشئة الإجتماعية صعوبة في إيجاد مكانها في مجتمع المدرسة، إذ أن تطوير الفعل المواطن  يحتل مساحة محدودة بين المواد ذات الأولوية الاي تعتبر  أكثرحيادا  وتقيم  عبر امتحانات  رسمية. أما التعلمات الإجتماعية مثل التربية على المواطنة او البيئة  او الإعلام   والتيريفترض أن  تدمج في مختلف المواد الدراسية، فإنها في الواقع تهمش أو تهمل . وغالبا ماتكون موضع جدا  ويعد الجدل العام حول مادة التربية على المواطنة مثالا على ذلك.

إن الخلل الاكبر الذي يعيق  بناء مدرسة تحررية  وديمقراطية  تقوم على مبدأ المساواة في الحقوق ، هو وجود  نظام تعليمي بثلات سرعات، إذ يتسع الفارق داخل التعليم العام بين مستويات  التلاميذوالتلميذات الأكثر حظا  والأكثر هشاشة. ويساهم  آستمرار المدارس الخصوصية في إبقاء الإمتياز  للأسر الميسورة.

إن المدرسة  ذات  الثلات سرعات  تعيد إنتاج نظام تمييزي  في جوهره  وهو عائق اساسي أمام الحق في تعليم جيد  للجميع  ومهدد هذا الحق  بسبب عدم المساواة  في فرص الوصول إلى خدمات الدعم  النفسي والاجتماعي  والمرافق الرياضية والكفاءات  المساعدة  والوسائل التعليمية والانشطة الثقافية واللاصفية  وغيرها.

وهكذا يتبين أن المدرسة ليست محايدة . ومن الضروري ضمان حصول جميع التلاميذ والتلميذات على تربية مواطنة  وعالية الجودة  تمكنهم من العمل الاجتماعي والسياسي  داخل المجتمع.

إن التربية على المواطنة   تتكون من محاور أساسية وهي: حقوق الإنسان التي تركز على تمكين المواطنين من المشاركة  بقوة في حماية هذه الحقوق   والديمقراطية  تركز على المشاركة السياسية والمدنية الفعالة، والتنمية  تركز بالأساس على التنمية البشرية كأساس حقوق الإنسان واخيرا التسامح  والذي يركز على نحقيق السلم.وحتى  ولو احتلت  المكانة التي تستحقها ضمن المنظومة التربوية وأثرت إيجابيا  في التلاميذ  والشباب   فهل علينا ان ننتظر  حتى يصبح هؤلاء الشباب راشدين لتغيير المجتمع؟  ففي ظل التحديات المعاصرة البيئية والمناخية والعدالة الاجتماعية والتمييز  والفقر  والمهارات الرقمية والوصول إلى المعلومات  والصحة ..هل يمكننا الإنتظار؟

إن الضرورة  ملحة الآن . يجب تعبئة الشباب في مشروع التحول الإجتماعي . غير ان الحق في التعليم مدى الحياة يواجه الضغوط نفسها  التي يعرفها التعليم العام.

صحيح أن الإنفجار التكنولوجي  ووسائل التعليم غير الرسمية  وسعا  إمكانية الوصول إلى المعرفة وساعدا  الأفراد على تطوير  قدراتهم ومؤهلاتهم الشخصية.

ومن أجل عالم آخر ممكن نستحضر قولة الفيلسوف والمفكر البرازيلي باولو فريري في كتابه"  تربية  المقهورين" : لا احد يعلم احدا. ولا أحد يتعلم  وحده. فالناس يتعلمون معا. 

إن بيداغوجية  الوعيى التي يدعو إليها الفيلسوف باولو فريري لا تنفصل عن واقع المتعلمين. فالمعرفة  التي تبنى بعيدا  عن الواقع الإجتماعي ، تظل عاجزة عن تغيير العالم.

ولمواجهة تصاعد موجة التعصب والإستبداد ولإرساء مشروع اجتماعي أكثر عدلا ومساواة وشمولا، تصبح المعارضة  الإجتماعية والنقد البناء، من ضرورات الديمقراطية الحقيقية والقادرة على تخويل  المجتمعات.

وصفوة القول، إذا كانت التربية على المواطنة تحررية فعلا، فذلك  لأنها  تشكل ثربة خصبة  لممارسة المواطنة الحقة. فحسب الفيلسوف والمفمر البرازيل  فريري باولو ، تسمح التربية القائمة على الوعي النقدي للطبقات الأكثر هشاشة  بأن تفهم العالم  لتتمكن من تغييره.
 
خليل البخاري/ باحث تربوي