من يزور بلدة تمنار، تلك البلدة الأمازيغية الوادعة بين الصويرة وأكادير، لا بد أن يتوقف أمام فضاء مختلف يلفت الأنظار ببساطته وعمقه.
هناك، بين الجبال وأشجار الأركان، ومنذ ثلاثين سنة، ينتصب “مقهى الذكريات” كتحفة من الحنين، ومتحف صغير يحرس ذاكرة الوطن والإنسان، حيث تمتزج رائحة الشاي بنفس التاريخ، وتتحول الجدران إلى أرشيف حي للأزمنة الماضية.
هناك، بين الجبال وأشجار الأركان، ومنذ ثلاثين سنة، ينتصب “مقهى الذكريات” كتحفة من الحنين، ومتحف صغير يحرس ذاكرة الوطن والإنسان، حيث تمتزج رائحة الشاي بنفس التاريخ، وتتحول الجدران إلى أرشيف حي للأزمنة الماضية.
ذاكرة حية تنبض بالصور والمقالات
أسس هذا الفضاء المتميز ابن تمنار الحسين أمزيل، الذي جعل من فكرته مشروعا ثقافيا فريدا يعيد إلى الأذهان روح الانتماء والاعتزاز بالهوية.
جدران المقهى لا تشبه أي جدار، فهي مزدانة بصور نادرة للأسرة الملكية الشريفة، وأخرى لفنانين مغاربة ومشارقة من رواد الفن والإبداع، إلى جانب صور توثق أحداثا وطنية وتاريخية بارزة، وأخرى لأبناء المنطقة الذين تركوا بصمتهم في مسارها الاجتماعي والثقافي والسياسي والفني.
كما تتزين الجدران بمقالات صحفية قديمة تغطي محطات مهمة من تاريخ المغرب وأحداث تمنار، لتتحول القاعة إلى معرض دائم يجمع بين الذاكرة الصحفية والذاكرة الشعبية في تفاعل بصري ومعنوي نادر.
يقول الحسين أمزيل في تصريح ل"انفاس بريس" “أردت أن يكون المقهى نافذة على ذاكرة الوطن، لأن الشعوب التي تتذكر ماضيها تعرف كيف تبني مستقبلها.
رسالة إنسانية ووطنية
يؤكد الحسين أمزيل أن مشروعه “ليس مقهى فحسب، هو رسالة إنسانية ووطنية تهدف إلى صون الذاكرة وربط الإنسان بجذوره” مضيفا أن "الزائر لا يأتي لاحتساء الشاي وتناول الطاجين المغربي اللذيذ، وإنما يأتي ليتأمل في وجوه وصور تذكره بأن المغرب وطن من ذاكرة ووفاء، وأن الأصالة لا تموت ما دامت تجد من يؤمن بها ويحرسها".
وعن المقهى يقول أحد ابناء تمنار "نحن هنا لا نشرب الشاي فقط، بل نتذوق الزمن. كل زاوية في هذا المقهى، وكل صورة معلقة على الجدران، تحكي قصة من تاريخ بلدنا وبلدتنا. هنا، تمتزج رائحة الشاي بالذكريات، ونستعيد قصص آبائنا وأجدادنا. كل فنجان يشبه رحلة قصيرة عبر عقود من الماضي، حيث نتعرف على حياتهم اليومية، على فرحهم وأحزانهم، وحتى على إنجازاتهم التي شكلت مجتمعنا.
المقهى نافذة نطل منها على تاريخ منطقتنا، ومكان يربطنا بجذورنا ويجعلنا نفهم كيف تشكلت هويتنا. عندما تجلس هنا، تشعر بأنك جزء من ذاكرة حية، وأن الماضي ليس بعيدا بل حاضر مع كل رشفة وكل همسة من الصور والمقتنيات المنتشرة في المكان."
المقهى ملتقى لذاكرة الأجيال
أصبح المقهى اليوم رمزا لجسر حي بين الأجيال، حيث يجتمع الكبار ليستعيدوا ماضيهم، ويشارك الشباب دهشتهم أمام الصور والمقالات التي تحكي تاريخ المنطقة والوطن.
وبين فنجان شاي وصورة قديمة، ينجح مقهى الذكريات في أداء رسالته الأعمق، المتمثلة في إحياء التاريخ وربط الإنسان بذاكرته الجماعية في زمن تتسارع فيه خطى النسيان، ليظل المكان شاهدا حيا على أصالة تمنار وروح المغرب.