دخل الفيلم السينمائي الكوميدي "زاز" للمخرج يوسف المدخر، الأسبوع الثالث في قاعات السينما المغربية، محملا بمفرداته ومشاهده الساخرة، التي تعكس تحديات الشهرة السريعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعالج فكرة الفيلم موضوع تفكك العلاقات الأسرية بسبب "البوز"، وتسرد القصة أيضا أحداث الفجوة بين الماضي والحاضر في مسار حياة بطل الحكاية "زاز".
ضمن متواليات الفيلم يقدم الممثل عبدو الشامي شخصية "زاز"، إذ تتقاطع حياتها بين ذكريات مؤلمة في مرحلة الطفولة، حيث عاش الطفل "زاز" يتيم الام، وتجرع مرارة الحرمان وقسوة الاب، و مشاكل وصراعات وأحداث غير متوقعة في مرحلة الرجولة، التي سيصطدم فيها أيضا بقسوة العالم الخارجي، في سرد بصري يمزج الكوميديا بالدراما والتشويق البوليسي.
الحكاية تبدأ من منزل العائلة، حيث تظهر دجاجة في طبق على المائدة كرمز للحرمان، إذ يمنع الأب ابنه الصغير "زاز" من الأكل ويطرده من البيت، بعد دخول مومس، لكي يختلي بها في جلسة خمرية، فيتجه "زاز" محملا بالحزن والقهر، لبيت الجارة عائشة، حيث يجد هناك دجاجة أخرى كما يجد عطفا وحنانا من طرف أم صديقة طفولته حليمة ويتناول رفقتها طبق الدجاجة، التي تتبع "زاز" في كل مراحل حياته، من الطفولة الى الرجولة، مرورا بالحب والزواج من حليمة، وصولا إلى الشهرة المفاجئة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودخول عالم الاعلانات، والصراع مع أقرب الناس، أي الزوجة حليمة والأب السكير، كما تتصاعد وثيرة الأحداث بتورطه مع أفراد عصابة اجرامية خطيرة تتاجر في الممنوعات، لكن تتحول الدجاجة في النهاية إلى علامة على المصالحة مع الذات والماضي.
هذا العالم الرمزي للفيلم، الذي يعكس شهرة "زاز" الرقمية، لم يكن بعيدا عن حياتنا اليومية في العصر الحالي، كما ظهر في الأحداث الأخيرة على أرض الواقع، في قضية التيكتوكر المثير للجدل "مولينيكس".
وفي لقاء إذاعي على راديو مارس جمعني كمشارك في كتابة سيناريو الفيلم رفقة عبدو الشامي صاحب الفكرة، مع الصحفي "جلول التويجر"، إ كنا قد حضرنا كضيفين في برنامج "الرياضة فن" وهي حلقة ستعرض قريبا، ناقشنا فيها على مدى ساعة ونصف، قصة الفيلم ونوعيته وتحدثنا عن نجوم هذه الفرجة السينمائية، وفجأة انتقل الحديث على لسان الصحفي "جلول التويجر"، منشط اللقاء الإذاعي، عن أولئك الذين يختلقون محتوى على المنصات الرقمية لنشر التفاهة والتحريض على الرذيلة.
حينها كنت قد أجبت زميلي جلول التويجر ساخرا :
[على هؤلاء تنطبق مقولة : الثور لي غادي ينطحهم ما زال راجع للوراء … والثور هنا هو السجن أو بمعنى آخر القانون ].
الغريب أن هذا التشبيه صار واقعيا في غضون أيام قليلة، بعد تسجيل الحلقة في استوديو راديو مارس يوم الخميس الماضي 20 نونبر الجاري. فقد تم توقيف المدعو "مولينيكس" بمدينة طنجة ووضعه رهن التحقيق، وقد تضمنت صكوك الاتهام جرائم ثقيلة، منها : الاتجار بالبشر، الاخلال العلني بالحياء، الشذوذ الجنسي، التحريض على الفساد، السب والقذف، استغلال القاصرين، وإنتاج أو ترويج مواد إباحية.
وقد مثل "مولينيكس" أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بطنجة، وجرى وضعه تحت الحراسة النظرية، في متابعة قضائية قد تصل إلى عقوبات كبيرة عند ثبوت تلك التهم.
المفارقة الساخرة هنا أن الشهرة الافتراضية، التي يحلم بها البعض على المنصات الرقمية، قد توازيها مشاكل وتبعات خطيرة، كما يعكس فيلم "زاز" مع شخصية "زاز"، الرجل البسيط الذي لا يشتهر ـ حسب قصة الفيلم ـ بالتفاهة أو بفيديوهات مخلة بالحياء أو بالكلام النابي، بل بفيديو ينتقد فيه برلمانيا بإسلوب ساخر. والفيلم يبرز أن الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن تتحول إلى فخ ومصائب في عالم افتراضي لا يرحم.
تتعمق قصة الفيلم في إظهار كيف تغير الشهرة المفاجئة نظرة المجتمع للشخص، وكيف يمكن لتعليق عابر أو مونطاج بسيط أن يعيد تشكيل صورة الإنسان بطريقة لا علاقة لها بحقيقته أو بماضيه. وبين ضحك الجمهور داخل القاعات، يمرر الفيلم رسالة واضحة وهي : في زمن الخوارزميات، ليس ضروريا أن تكون مبدعا في الفنون أو الرياضة أو العلوم والاختراعات أو الادب، لتدخل دوامة الشهرة ... أحيانا يكفي فقط أن تتلعثم أو تتعثر أمام عدسة كاميرا هاتف ذكي.
في الفيلم تظهر دجاجة بـ"الدغميرة"، كرمز للجوع والسعي وراء إمالة الناخبين للتصويت على مالك مقهى البرلماني، وتتحول في العالم الرقمي إلى كصورة لرمز أخلاقي.
لقد تعلم زاز درس الشهرة والمصالحة حسب السيناريو، لكن في القضية المعلومة، يواجه "مولينيكس" درس المتابعة القضائية، حيث يعود الثور ليضع الحدود.
وفي الختام، فيلم "زاز" وقضية "مولينيكس" يلتقيان على مفترق الشهرة الرقمية، لكن القصة الخيالية الأولى تحاكي الواقع بطريقة فنية، باستحضار تعريف الفيلسوف اليوناني "أرسطو" لمفهوم "المحاكاة"، اي تقليد أو بمعنى أدق "إعادة إنتاج الواقع بلمسة فنية"، أما القصة الثانية الحقيقية .. أي شهرة "مولينيكس"، فهي حدث واقعي نتج عن الفضيحة والانفلات الأخلاقي وتعميم فيديوهات الكلام الساقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
المشاهد السينمائية لفيلم "زاز" مليئة بالرموز والفكاهة الساخرة، وتذكرنا بأن الشهرة ليست مجرد متعة أو ترف، بل هي مسؤولية أمام الذات والمجتمع، وتقدم للجمهور رسالة مفادها أن الشهرة الرقمية، إذا تجاوزت الحدود في العالم الافتراضي قد تؤدي إلى الضياع والألم، وقد تنتهي بالمواجهة الصارمة مع القانون، كما يوضح صكوك الإتهامات التي يلاحق "مولينيكس".