كل حراك هو بمثابة خطوة حرة، وكل خطوة حرة هي بمثابة حراك أيضا. قد يفترقان أحيانا، وقد يلتقيان أحيانا أخرى. هذه المرة يلتقيان في منعطف واحد، حيث الدافع واحد: استعادة كرامة المواطن وتحرير الفضاء العام من الاحتباس والتفاهة والفساد. بهذا الخصوص يقتحمان الطريق بعيدا عن الإطارات الرسمية والأحزاب السياسية التقليدية، في محاولة لتعبئة الرأي العام وبناء شرعية مستمدة من الناس مباشرة، مطالبين بالإصلاح، والتركيز على كرامة المواطن، الخدمات العمومية، والبعد الأخلاقي في بناء الإنسان، مع رفض الخطاب العمودي التقليدي وتعويضه بوسائل التواصل التفاعلية الجديدة.
يمشي جيل زد في خطوته الحرة، لا إلى الأمام تماما، ولا إلى الوراء أيضا، بل نحو مساحة جديدة يصنعها بنفسه، لا يريد أن يكون نسخة من أي جيل سابق، ولا أن يسير في طريق يرسمها غيره. في حركته شيء من التمرد، وشيء من البحث، وشيء من الحيرة أيضا، لكن الأكيد أنه جيل لم يعد يقبل أن يملى عليه كيف يعيش، وكيف يفكر، وكيف يحتج؟
حين يحتج هذا الجيل، فإنه لا يرفع صوته بالضرورة في الشوارع. احتجاجه قد يكون "منشورا"، أو "فيديو قصير" يفضح التناقض بين الخطاب الرسمي وواقع الناس. إنه احتجاج متقطع وعفوي لكنه صادق ومستمر. ويكون صمته أحيانا أكثر دلالة من كل الشعارات. فالخطوة الحرة التي يخطوها جيل زد هي رفض لسياسة التجميل بالفلتر، واحتجاج على وعود تقال ولا تنفذ، وعلى خطاب يعدهم بالمستقبل لكنه لا يمنحهم فرصة الحاضر.
لكن خلف هذا الغليان الرقمي تكمن أسئلة عميقة:
من يسمع هذا الجيل فعلا؟ من يفهم لغته؟
حين تصم المؤسسات آذانها، يتحول التواصل إلى فراغ، والثقة إلى رماد. الخطوة الحرة إذن ليست تمردا على النظام فحسب، بل كل ما يريده هذا الجيل هو أن يشعر أن له مكانا في وطن لا يعامله كضيف عابر.
ربما في مغرب اليوم، مغرب يتشكل فيه جيل جديد من المغاربة، كما تشكل في كثير من مجتمعات دول العالم، لم يعد جيل زد يطلب أكثر من أن يُرى كما هو، بعفويته، ووعيه الرقمي، وقلقه الجميل. يريد أن يشارك لا أن يُقصى، أن يُحاور لا أن يُؤطَر. فحين تسير الخطوة الحرة بخطى ثابتة نحو ترسيخ وعي جديد، يندفع جيل زد بخطوة جريئة لتذكير الجميع بأن الكرامة والعدالة لم تعدا شعارات مؤجلة.
الخطوة الحرة ليست مجرد حراك عابر لجيل متمرد، بل هي نداء صامت من أجل معنى جديد للحرية، فجيل زد لا يثور ليهدم، بل ليفهم العالم ويعيد ترتيبه على مقاس الصدق والكرامة. إنه يقول بطريقته الخاصة: "لسنا خارجين عن الوطن، نحن فقط نبحث داخل الوطن عن وطن يشبه أحلامنا"..