Monday 13 October 2025
كتاب الرأي

وصفي بوعزاتي: من قال أن الملك لم يتفاعل مع مطالب جيل زد 212؟

وصفي بوعزاتي: من قال أن الملك لم يتفاعل مع مطالب جيل زد 212؟ وصفي بوعزاتي
جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية هذه السنة في لحظة دقيقة من التاريخ السياسي والاجتماعي المغربي، حيث تصاعدت أصوات الشباب، وعلى رأسهم جيل زد، معبّرين عن مطالب سياسية مباشرة وواضحة، تحسين التعليم والصحة، ودعم الشباب، وتوفير فرص الشغل، وثم كرامة وعدالة اجتماعية وبعدها دعوة لإقالة الحكومة.
 
جيل زد لم يكتفِ بالانتقاد العام للأداء الحكومي، بل طالب بإسقاط الحكومة بسبب إحباطهم من ضعف الاستجابة لمتطلبات المواطنين.
 
وفي هذا السياق، قدّم جلالة الملك محمد السادس خطاباً متوازناً، جمع بين الإنصات العميق والتحليل الواقعي، وبين التوجيه الاستراتيجي نحو إعادة تعريف مفهوم التنمية والمواطنة المسؤولة. والخطاب أظهر أن الملك استوعب المطالب السياسية والاجتماعية للشباب، وحوّلها إلى دعوة للمشاركة الديمقراطية المسؤولة عبر المؤسسات المنتخبة وصناديق الاقتراع، مؤكدًا أن التغيير الحقيقي يجب أن يتم ضمن الإطار القانوني والدستوري وليس خارج المؤسسات، وأنه لا محيد عن الخيار الديمقراطي
 
- إعادة تعريف دور البرلمان ومسؤولياته
في قوله:«ندعوكم لتكريسها للعمل، بروح الجدية والمسؤولية، لاستكمال المخططات التشريعية، وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة، والتحلي باليقظة والالتزام، في الدفاع عن قضايا المواطنين»، هنا، يعيد جلالة الملك تعريف اختصاصات البرلمان الحقيقية، ليس فقط كأرقام تُستخدم لإضفاء شرعية على تمرير القوانين، بل كممثل حقيقي للأمة، وكسلطة تشريعية ورقابية. فالبرلماني هو الوسيط بين انتظارات المواطنين وأداء الحكومة، ووجب عليه تنبيه الحكومة ومحاسبتها حتى لو كان جزءًا من الأغلبية، إذا لاحظ تراخياً أو ضعفاً في الأداء.
 
بهذه الطريقة، تؤكد الفقرة أن البرلمان مؤسسة مسؤولة وفاعلة، وليس مجرد أداة لإضفاء شكل ديمقراطي على القرارات الحكومية، وهو ما يساهم في تعزيز مراقبة الأداء الحكومي وحماية حقوق المواطنين، بما يتوافق مع روح مطالب جيل زد في الشفافية والمساءلة.
 
- الربط بين المشاريع الكبرى والعدالة الاجتماعية
 
في قوله:«لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس، بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، ما دام الهدف هو تنمية البلاد، وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا»، وهنا، يعيد جلالة الملك تأطير مطالب الشباب، خصوصًا شعارات جيل زد مثل «مبغيناش المونديال… بغينا المستشفيات».
 
الرسالة واضحة: المشاريع الكبرى ليست نقيضًا للمطالب الاجتماعية، بل وسيلة لتحقيقها، ويجب أن تتسق كل المشاريع، سواء رمزية أو اجتماعية، مع الهدف النهائي وهو تحسين حياة المواطن أينما كان.
و بهذا، يتحول شعار الشباب الشعبي إلى مطلب مشروع ضمن رؤية وطنية متوازنة، تربط بين التنمية والعدالة الاجتماعية.
 
- أولويات التنمية الاجتماعية والمجالية
واصل جلالة الملك في الخطاب تحديد الأولويات المباشرة التي تمس حياة المواطنين:
 
* الصحة والتعليم والشباب:
«ويتعلق الأمر، على الخصوص، بالقضايا الرئيسية، ذات الأسبقية التي حددناها؛ وعلى رأسها تشجيع المبادرات المحلية، والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وبالتأهيل الترابي.»
 
* المناطق الجبلية:
«أولا: إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها، وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات. فلا يمكن تحقيق التنمية الترابية المنسجمة، بدون تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات.»
 
* السواحل الوطنية:
«ثانيا: التفعيل الأمثل والجاد، لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، بما في ذلك القانون المتعلق بالساحل، والمخطط الوطني للساحل. وذلك بما يساهم في تحقيق التوازن الضروري، بين التنمية المتسارعة لهذه الفضاءات، ومتطلبات حمايتها وتثمين مؤهلاتها الكبيرة، ضمن اقتصاد بحري ووطني، يخلق الثروة وفرص الشغل.»
 
* المراكز القروية الناشئة:
«ثالثا: توسيع نطاق برنامج المراكز القروية الناشئة، باعتبارها آلية ملائمة، لتدبير التوسع الحضري، والتخفيف من آثاره السلبية. ومن شأن هذه المراكز الناشئة كذلك، أن تشكل حلقة فعالة، في تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، من المواطنين بالعالم القروي.»
 
وعليه، فإن جميع هذه الأولويات تؤكد أن الملك لم يكتفِ بالمبادئ العامة، بل وضع أهدافًا واضحة لتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية. فهي تلامس مطالب جيل زد المباشرة، مثل تحسين التعليم والصحة، ودعم الشباب، وتوفير فرص الشغل، مع مراعاة خصوصيات المناطق الجبلية والهشة، والحفاظ على السواحل، وضمان وصول الخدمات للمناطق القروية.
 
- تعزيز التواصل: البعد الوقائي والتوجيهي
في فقرة أخرى، دعا جلالته الحكومة والبرلمانيين إلى إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات والسياسات العمومية:«وفي نفس السياق، ينبغي إعطاء عناية خاصة، لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية، ومختلف القوانين والقرارات، لا سيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين، بصفة مباشرة.
 
وهذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أنتم، معشر البرلمانيين، لأنكم تمثلون المواطنين.
 
وهي أيضا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين، في مختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام، وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة.»
 
البعد الوقائي: جلالة الملك، بصفته رئيس الدولة، يعرف تمام المعرفة الإنجازات التي تحققت بالفعل، ويعلم أن هذه الجهود يجب أن يُعترف بها من قبل الجميع. و الهدف هو قطع الطريق أمام المتربصين والمبخسين لعمل المؤسسات الدستورية ومنع استغلال ضعف التواصل لتقليل قيمة الإنجازات.
 
البعد التوجيهي: تحميل الحكومة مسؤولية القيام بدورها الكامل في الشق التواصلي باعتباره أداة دستورية أساسية، مع إشراك البرلمانيين والأحزاب والمجتمع المدني وكل القوى الحية لضمان وصول السياسات والمشاريع بشكل واضح وشفاف إلى المواطنين.
 
- من الاحتجاج إلى المشاركة: التأطير الديمقراطي لشباب جيل زد
في ما يخص المطالب السياسية التي عبّر عنها بعض أفراد جيل زد، خصوصًا دعوات «إقالة الحكومة»، أكد الملك:«إن البرلمان، باعتباره مؤسسة تمثيلية، يجسد الإرادة الشعبية، ويشكل الفضاء الأمثل للتعبير عن انشغالات المواطنين، ومعالجة قضاياهم، في إطار من الحوار الجاد، والنقاش المسؤول، والاحترام المتبادل بين مختلف المكونات».
 
هذه العبارة تحمل دلالات قوية: التغيير لا يتم عبر الشارع أو الضغط الرقمي، بل عبر الآليات الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة. فالملك لم يُبرئ الحكومة، لكنه في الوقت نفسه لا يبرئ المواطن، بل يضعه أمام مسؤوليته التاريخية: إن كنتم غير راضٍين عن أداء الحكومة، فغيّروها عبر صناديق الاقتراع، لا عبر هدم المؤسسات أو تبخيس العمل السياسي.
 
- البعد الرمزي والديني: ربط المسؤولية بالمحاسبة
ختم جلالة الملك خطابه بآية قرآنية:«فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
 
في سياق الخطاب، لا تكتفي هذه الآية بالبعد الروحي، بل تؤكد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، على كل مستويات الدولة والمواطنين، مع إرادة ملكية قوية لتفعيل هذا المبدأ عمليًا.
 
الرسالة واضحة: كل فعل، مهما كان صغيرًا، سيتم تقديره ومحاسبته، سواء كان في البرلمان، الحكومة، أو على مستوى كل المؤسسات العمومية، وهو توجيه يعكس روح الشفافية والمساءلة التي تواكب مطالب جيل زد ومبادئ المشاركة الديمقراطية.
 
- خلاصة
من خلال هذا الخطاب، قدّم جلالة الملك إعادة تعريف العقد الاجتماعي المغربي، حيث دعا إلى مصالحة بين الدولة والمجتمع، وبين التنمية والعدالة، وبين الحلم والواقع.
 
وهو لم يرفض مطالب الشباب، بل استوعبها وأعاد تأطيرها داخل رؤية وطنية شاملة، مع تحميل المسؤولية لكل الفاعلين: الحكومة، البرلمان، الأحزاب، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام.
 
وبذلك يكون الخطاب الملكي قد وجّه رسالة واضحة إلى الجميع:
 
التغيير الحقيقي لا يولد من الغضب، بل من الوعي والمسؤولية والمشاركة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.