Wednesday 8 October 2025
مجتمع

الاحتجاج الشبابي بين المطالب الحالمة والتخريب الآثم

الاحتجاج الشبابي بين المطالب  الحالمة والتخريب الآثم مشهد من احتجاجات جيل Z
لم‭ ‬يبدأ‭ ‬الاحتجاج‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬اليوم،‭ ‬ولم‭ ‬تكنا‭ ‬لموجة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬الراهنة‭ ‬سوى‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬المغرب،‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬منذ‭ ‬جيل‭ ‬الاستقلال‭ ‬إلى‭ ‬«جيل‭ ‬«Z‭ ‬
 
وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬فالاحتجاج‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحيوية‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لحياة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فضاء‭ ‬يسمح‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬الاختلاف‭ ‬والرفض،‭ ‬ويتيح‭ ‬مساءلة‭ ‬السلطة‭ ‬العمومية‭ ‬ومطالبتها‭ ‬بالإصلاح‭.  ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬يخرجون‭ ‬للاحتجاج‭ ‬بمعدل‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬و15 ألف‭ ‬احتجاج‭ ‬في‭ ‬السنة‭.‬
 
وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬احتجاج،‭ ‬رغم‭ ‬اللغة‭ ‬الجديدة‭ ‬والأدوات‭ ‬المغايرة‭ ‬والأساليب‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التعبئة‭ ‬والتنظيم،‭ ‬يعتبر‭ ‬امتدادا‭ ‬لمسار‭ ‬تراكمي‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬والمجتمع،‭ ‬بين‭ ‬مطالب‭ ‬الشارع‭ ‬وإيقاع‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬العميقة‭ ‬وتحديات‭ ‬الاستقرار‭ ‬وحفظ‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬الاحتجاج‭ ‬اليوم‭ ‬مؤشّرا‭ ‬دالا‭ ‬على‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الوعي‭ ‬لدى‭ ‬جيل‭ ‬Z،‭ ‬فإن‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬يقتضي‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬السياق‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭
‬الأوسع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬السياق‭ ‬المحلي،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬جعلت‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬شبه‭ ‬متلاشية،‭ ‬فصارت‭ ‬العدوى‭ ‬الرمزية‭ ‬تنتقل‭ ‬بسرعة‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والبلدان،‭ ‬ويصبح‭ ‬الاحتجاج‭ ‬مشتركًا‭ ‬والعناوين‭ ‬واحدة:‭ ‬الكرامة،‭ ‬العدالة،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الأمل‭.‬
 
ومن‭ ‬هنا،‭ ‬يتعين‭ ‬علينا‭ ‬إبداء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬لفهم‭ ‬هذا‭ ‬الاحتجاج،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬دوافعه‭ ‬وآلياته‭ ‬وخطابه‭ ‬ورموزه،‭ ‬بما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬العلاقات‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يخفيها‭ ‬في‭ ‬ثناياه:
 
أولا‭ :‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المغاربة‭ ‬يعرفون‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاج‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬عن‭ ‬تاريخهم،‭ ‬فإنهم‭ ‬يدركون‭ ‬أيضا،‭  ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حدودا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬المساس‭ ‬بها‭. ‬فالمؤسسات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية،‭ ‬تشكل‭ ‬عمود‭ ‬الدولة‭ ‬وضامن‭ ‬استقرارها‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬يبدو‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأمنية‭ ‬وشيطنتها،‭ ‬ليست‭ ‬رصاصات‭ ‬طائشة‭ ‬أو‭ ‬فارغة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬رصاصات‭ ‬مسددة‭ ‬بإتقان‭ ‬لزعزعة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ودفع‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬الاصطدام‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬بدل‭ ‬إطلاق‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬يعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اللافت‭ ‬للانتباه‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬خارجيا‭ ‬تُحذف‭ ‬لاحقا‭ ‬من‭ ‬المنصات‭ ‬الأصلية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬حقيقتها‭ ‬كمقاطع‭ ‬فيديو‭  ‬قديمة‭ ‬أو‭ ‬مفبركة‭ ‬أو‭ ‬مقتطعة‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬تمثيلية،‭ ‬وهو‭  ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬فرضية‭ ‬وجود‭ ‬أجندة‭ ‬إعلامية‭ ‬مقنَّعة‭ ‬تريد‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬ومن‭ ‬أجهزته‭ ‬الأمنية‭ ‬ومؤسساته‭ ‬السيادية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬اليمنية‭ ‬الأصولية‭ ‬«توكل‭ ‬كرمان»،‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬الكذب‭ ‬الصريح‭ ‬بخصوص‭ ‬مطالب‭ ‬المحتجين‭ ‬وصورت‭ ‬الشباب‭ ‬كانقلابيين‭ ‬يحيطون‭ ‬بالقصر‭ ‬الملكي‭ ‬!‭.. ‬
‭ ‬
ثانيا‭: ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬المغاربة،‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬الاحتجاج‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬العمومية‭ ‬لتلبية‭ ‬مطلب‭ ‬ما،‭ ‬وبين‭ ‬التخريب‭ ‬الآثم‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬الممتلكات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬وزرع‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭.‬
 
ثالثا‭:‬‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬التي‭ ‬وقف‭ ‬عليها‭ ‬الملاحظات‭ ‬أن‭ ‬جيلZ‭ ‬‭ ‬يمتلك‭ ‬وعيا‭ ‬فوريا‭ ‬لا‭ ‬وسائط‭ ‬فيه‭. ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬الإقصاء‭ ‬في‭ ‬لحظته،‭ ‬فيرد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها،‭ ‬بالوسائل‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬لديه‭ ‬خبرة‭ ‬في‭  ‬التعامل‭ ‬معها‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬جيل‭ ‬يفتقد،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح،‭ ‬إلى‭ ‬قيادات‭ ‬أو‭ ‬إطارات‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنظم‭ ‬الاحتجاج‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬بمطالب‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومشاريع‭ ‬قابلة‭ ‬للتفاوض‭ ‬وليس‭ ‬طرح‭ ‬مطالب‭ ‬حالمة‭. ‬فالاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬مشروعيتها،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أنها‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬سخط‭ ‬شعبي‭ ‬حقيقي،‭ ‬تظل‭ ‬بلا‭ ‬وجهة‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬«قيادة‭ ‬ملثمة‭ ‬ومختفية»،‭ ‬لأنّها‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬التنظيمي‭. ‬ولهذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬حركة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رأس،‭ ‬وموجة‭ ‬بلا‭ ‬مركز،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬مثيرة‭ ‬للتساؤل‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬معا‭. ‬والسؤال‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬سيحاور‭ ‬من؟‭ ‬وهل‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬هو‭ ‬أفق‭ ‬هذا‭ ‬الجيل،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬هو‭ ‬المطلب‭ ‬الواقعي؟‭ ‬وكيف‭ ‬يتم‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬مطالب‭ ‬رفعتها‭ ‬جهات‭ ‬خفية‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬للعلن؟
 
رابعا‭:‬‭ ‬أصبح‭ ‬حراك‭ ‬جيلZ ‭ ‬مادة‭ ‬إعلامية‭ ‬دسمة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬الأجنبية،‭ ‬كأن‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬«ثورة‭ ‬المرضى‭ ‬والجوعى‭ ‬والمعطلين‭ ‬والأميين‭ ‬والناقمين»‭.‬‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإعلامية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والجزائر،‭ ‬أبدت‭ ‬اهتماما‭ ‬موجها‭ ‬ومبالغا‭ ‬فيه‭ ‬بالاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وكأنها‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬شرارة‭ ‬اجتماعية‭ ‬محدودة‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬شاملة‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭. ‬الصحف‭ ‬والقنوات‭ ‬التابعة‭ ‬لتلك‭ ‬الدول‭ ‬تتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬«الاشتعال»‭ ‬و«الانفجار»‭ ‬و«الاحتقان‭ ‬الخطير»،‭ ‬بينما‭ ‬الواقع‭ ‬الميداني‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭  ‬شباب‭ ‬«جيلZ»‭ ‬يؤكدون‭ ‬بالصوت‭ ‬العالي‭ ‬أن‭ ‬احتجاجاتهم‭ ‬سلمية،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بأعمال‭ ‬العنف‭ ‬والتخريب‭ ‬والبلطجة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عددهم‭ ‬محدود‭ ‬وقليل،‭  ‬ويتحركون‭ ‬غالبا‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬رقمية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يحتلون‭ ‬الساحات‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يجري‭ ‬إعلاميا‭ ‬تضخيم‭ ‬المشهد‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإظهار‭ ‬المغرب‭ ‬وكأنه‭ ‬على‭ ‬شفا‭ ‬انهيار‭ ‬سياسي،‭ ‬وهو‭ ‬تضخيم‭ ‬يطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬أحداثا‭ ‬ومظاهرات‭ ‬دامية‭ ‬أفظع‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬عاشتها‭ ‬دول‭ ‬منها:‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وكوريا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بتلك‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الأجنبية‭ ‬المكثفة‭.‬
 
خامسا‭:‬‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬التسليم‭ ‬بأن‭ ‬منصة‭ ‬«ديسكورد»‭ ‬(Discord)‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬رئيسي‭ ‬لتداول‭ ‬مسارات‭ ‬التعبئة‭ ‬الافتراضية،‭ ‬محصنة‭ ‬ضد‭ ‬الاختراق‭ ‬الأجنبي‭ ‬الممنهج؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬حاسمة‭ ‬بخصوص‭ ‬وضع‭ ‬اجتماعي‭ ‬بحفنة‭ ‬من‭ ‬الأشباح،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المعلومات‭ ‬الأولية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬تدخل‭ ‬«أياد‭ ‬آثمة»‭ ‬لتوجيه‭ ‬النقاش‭ ‬وخوارزميات‭ ‬المنصة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬بالبيانات‭ ‬وتضخيم‭ ‬المحتوى‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬إذ‭ ‬تدفع‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬أحقاد‭ ‬إلى‭ ‬صدارة‭ ‬الواجهات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬نوايا‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬اضطراب‭ ‬المجتمعات‭ ‬الناشئة‭ ‬والفتية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومُركَّبة‭ ‬اسمها‭ ‬المغرب‭.‬
وعليه،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬بالمرصاد‭ ‬للجهات‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬«منصة‭ ‬جيل«Z ‭ ‬إلى‭ ‬شارعٍ‭ ‬موازٍ‭ ‬للاحتجاج،‭ ‬تُدار‭ ‬فيه‭ ‬المعارك‭ ‬الرمزية،‭ ‬وتُصاغ‭ ‬فيه‭ ‬المواقف‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬«الترند»‭. ‬لكن‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬الانتشار،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬بطء‭ ‬الفهم:‭ ‬إذ‭ ‬يصبح‭ ‬الرأي‭ ‬المخدوم‭ ‬السريع‭ ‬«حقيقة‭ ‬جماعية»،‭ ‬ويتحوّل‭ ‬الاندفاع‭ ‬إلى‭ ‬«موقف‭ ‬وطني»،‭ ‬وتُستبدل‭ ‬الحجة‭ ‬بالهجوم،‭ ‬والنقاش‭ ‬بالوصم‭..‬
 
سادسا‭:‬‭ ‬لماذا‭ ‬اندلعت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬بالضبط؟‭ ‬ألا‭ ‬يخفي‭ ‬ذلك‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القفز‭ ‬عليه؟‭. ‬فالمغرب‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬لحظة‭ ‬حساسة‭ ‬تتعلق‭ ‬بملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬وبالنقاش‭ ‬الدائر‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬حول‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬النهائي‭ ‬لنزاع‭ ‬الصحراء‭ ‬«أدرج‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬أجندته‭ ‬لشهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬مناقشة‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬محطات‭ ‬رئيسية»‭. ‬إذ‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬توتر‭ ‬داخلي‭ ‬ورقة‭ ‬ضغط‭ ‬تستغلها‭ ‬الأطراف‭ ‬المعادية‭ ‬لتقويض‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬المستقرة‭. ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربا،‭ ‬حسب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملاحظين،‭ ‬أن‭ ‬تتزامن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬مع‭ ‬«تسخين‭ ‬الطعارج»‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬خصوم‭ ‬المغرب‭ ‬لشن‭ ‬حملة‭ ‬تشكيكٍ‭ ‬منظمة‭ ‬تستهدف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬وتُحاول‭ ‬تصويرها‭ ‬وكأنها‭ ‬فاقدة‭ ‬للشرعية‭ ‬أو‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬احتواء‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭.‬
 
نعم‭ ‬خرج‭ ‬شباب‭ ‬جيل‭ ‬Z‭ ‬المطالبة‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والشغل‭ ‬والكرامة،‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد؛‭ ‬وهي‭ ‬مطالب‭ ‬مشروعة،‭ ‬إذ‭ ‬ظل‭ ‬الفساد-‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬خصصت‭ ‬له‭ ‬أسبوعية‭ ‬«الوطن‭ ‬الآن»‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الأعوام‭ ‬أعدادا‭ ‬كثيرة-‭ ‬هو‭ ‬العقدة‭ ‬البنيوية‭ ‬القاصمة‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬التحول‭ ‬الحقيقي‭ ‬نحو‭ ‬دولة‭ ‬المواطنة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬يعيش‭ ‬متوالية‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬انتظار‭ ‬خانقة‭ ‬يتعاقب‭ ‬عليها‭ ‬وزراء‭ ‬لتجريب‭ ‬المخططات‭ ‬الفاشلة‭. ‬أما‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة،‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬مركزي‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬فيعرف‭ ‬انهيارا‭ ‬كبيرا‭ ‬حين‭ ‬تخلّت‭ ‬الدولة‭ ‬تدريجياً‭ ‬عن‭ ‬المستشفيات‭ ‬العمومية،‭ ‬تاركة‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬المصحات‭ ‬الخاصة‭. ‬فيما‭ ‬صارت‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬شعارا‭ ‬للاستهلاك‭ ‬السياسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬رؤية‭ ‬مجتمعية‭ ‬متكاملة،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬اتساع‭ ‬الفوارق‭ ‬وارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الأسعار‭ ‬وضعف‭ ‬الأجور،‭ ‬رغم‭ ‬شعارات‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»‭ ‬وسياسات‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي!
 
لم‭ ‬نكتشف‭ ‬أعطابنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مع‭  ‬جيل،Z الذي‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السرعة‭ ‬المطلقة‭ ‬والشاشات‭ ‬المفتوحة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتعب‭ ‬لا‭ ‬يُكافأ‭ ‬على‭ ‬جهوده،‭ ‬ومن‭ ‬يفسد‭ ‬لا‭ ‬يُعاقب‭ ‬على‭ ‬فساده،‭ ‬تترسّخ‭ ‬لديه‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬ظالم‭ ‬ويشجع‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬التفاوتات‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الغضب‭ ‬مشروع،‭ ‬لكن‭ ‬الخطورة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭  ‬الجهة‭ ‬«أو‭ ‬الجهات»‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬المشروع‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬مقصودة‭ ‬ضد‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭. ‬يريد‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬مؤسسات‭ ‬بلاده‭ ‬خاضعة‭ ‬لمبدأ‭ ‬«المسؤولية‭ ‬والمحاسبة»،‭ ‬وإعلاما‭ ‬عموميا‭ ‬يعكس‭ ‬الواقع‭ ‬ولا‭ ‬يخفيه‭ ‬ويخدم‭ ‬المواطنةويقوم‭ ‬بترشيد‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي‭ ‬بموضوعية‭ ‬وبلغة‭ ‬راقية،‭ ‬وسياسة‭ ‬تستوعب‭ ‬النقد‭ ‬ولا‭ ‬تُجرّمه‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬أن‭ ‬يُدرك‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬لا‭ ‬يُدار‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وأن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لتقويض‭ ‬الوطن‭ ‬وتخريب‭ ‬ممتلكات‭ ‬المواطين‭. ‬كما‭ ‬يتوجب‭ ‬عليه‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الرفض‭ ‬المشروع‭ ‬للإقصاء‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبين‭ ‬الانجرار‭ ‬خلف‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬العدمية‭ ‬و«مسح‭ ‬السما‭ ‬بليكا»‭ ‬ونسف‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬بالبلاد‭ ‬التي‭ ‬تبقى‭ ‬القناة‭ ‬المشروعة‭ ‬لتصريف‭ ‬الانتظارات‭ ‬وتلبية‭ ‬المطالب
 
هانحن‭ ‬نعيش‭ ‬سنة‭ ‬انتخابية،‭ ‬فما‭ ‬المانع‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسارع‭ ‬الشباب‭ ‬للتسجيل‭ ‬باللوائح‭ ‬الانتخابية‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬الأحزاب‭ ‬بكثافة‭ ‬حسب‭ ‬قناعات‭ ‬كل‭ ‬فرد،‭ ‬للاصطفاف‭ ‬المشروع‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬تجويد‭ ‬عيش‭ ‬كل‭ ‬المغاربة؟!
ذاك‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬الإشكالية‭.‬
                   
                             تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"