Sunday 5 October 2025
فن وثقافة

السيناريست رشيد صفـَر : فيلم “زاز” .. كوميديا سوداء تُفكّك وهم الشهرة الرقمية

السيناريست رشيد صفـَر : فيلم “زاز” .. كوميديا سوداء تُفكّك وهم الشهرة الرقمية  السيناريست رشيد صفـَر (يمينا) وبطل فيلم زاز عبدو شامي
مع اقتراب موعد عرض الفيلم المغربي السينمائي "زاز" للمخرج يوسف المدخر، كان لنا لقاء مع السيناريست والكوتش الفني رشيد صفـَر، الذي شارك في كتابة السيناريو إلى جانب بطل الفيلم عبدو الشامي صاحب الفكرة الأصلية. في هذا الحوار، يأخذنا رشيد صفـَر خلف كواليس صناعة الفيلم، كاشفا عن البنية الدرامية للفيلم والتي تمزج بين السخرية والدراما والتشويق، في عمل فني يلتقط مفارقات عصر “الشاشات الصغيرة” و”الشهرة السريعة”، ويقدم رؤية سينمائية متجددة للواقع الرقمي وتأثيره على الإنسان والمجتمع.
 
بداية .. من أين انطلقت فكرة الفيلم السينمائي “زاز” ؟
فكرة الفيلم هي للممثل والسيناريست عبدو الشامي، واشتغلنا سويا على كتابة السيناريو والحوار، وقد انطلقت الفكرة من ملاحظة اجتماعية دقيقة : ماذا لو أصبح شخص بسيط، دون تخطيط مسبق، حديثَ الناس بسبب فيديو عفوي عبر مواقع التواصل الاجتماعي !؟.
بالنسبة لي، كانت هذه Social Observation تحمل بذور قصة إنسانية مؤثرة. نحن نعيش اليوم زمنا تذوب فيه الحدود بين “الخاص” و”العمومي”، وبين “الشهرة” و”الفضيحة”.
لذلك، اشتغلنا على تحويل الظاهرة إلى مادة سينمائية، من خلال هندسة التوازن  بين السخرية السوداء والمواقف التي تنطلق من أثر الشهرة الفجائية على الفرد والعائلة.
ما شدّني أكثر هو أن المشروع يلتقط نبض الناس، ويحوّله إلى دراما تُضحك وتدفع للتفكير في عواقب الشهرة الرقمية في آن واحد.
 
الفيلم يمزج بين الكوميديا، الدراما، والتشويق البوليسي. كيف تعاملتم مع هذا التداخل السردي؟
التحدي الأكبر كان هو تحقيق dramatic balance بين المتعة والمصداقية .. في كل مشهد كنا نطرح سؤال المدرسة الكلاسيكية في كتابة السيناريو : cause and effect، أي أن تكون كل لحظة نتيجة لما قبلها، دون كسر "منطق السببية".
اعتمدنا على مبادئ وتقنيات التصميم السردي وهو فن تنظيم وبناء القصة بشكل متكامل، يربط الحبكة والشخصيات، والبيئة، لتقديم تجربة مشوقة ومؤثرة، تجذب المتلقي و تجعله بشكل غير مباشر منغمسا في قصة وأحداث الفيلم، ومواقف الشخصيات، بأسلوب سردي بصري، يمنح الأولوية لتطور الشخصية بالتوازي مع تصاعد الأحداث، مع الحفاظ على إيقاع يجعل المشاهد مشدودا حتى النهاية.
أعدنا كتابة النص مرات عديدة، لأن الـ rewriting process هو ما يصنع الفارق بين سيناريو “يُروى” وسيناريو “يُعاش”.
حاولنا أيضا أن ندمج سؤال الشهرة الرقمية في سياق واقعي، يرتبط بسوق الإعلانات و وسائل التواصل الاجتماعي، مع مراعاة الأبعاد المختلفة للشخصيات.
 
تكلفت أيضا بمهمة الكوتش الفني أثناء التصوير، كيف خُضت هذه التجربة ؟
خلال إشرافي على مهمة الـacting coach، وبتنسيق دقيق مع المخرج والممثلين، انصبّ تركيزي على العمق النفسي للشخصيات، وكان الرهان الحقيقي هو أن يتحول “زاز” وزوجته “حليمة” من مجرد أدوار مكتوبة على الورق إلى كائنين من لحم ودم، يعيشان لحظاتهما الداخلية بصدق، ويتنفسان انفعالاتهما بعفوية.
كنا نبحث عن authenticité émotionnelle — أي صدق الإحساس لا شكله. المخرج يوسف المدخر يمتلك روح العمل الجماعي، وهي ميزة مكنت في مرحلة الإعداد والتصوير من ضبط التفاصيل الصغيرة، النظرة، الصمت، الارتباك.
والممثل عبدو الشامي قدم أداء ذكيا وموزونا بين الضحك والدراما وكان حضوره قويا ومؤثرا واستحق بطولة الفيلم بفضل تكوينه وتجربته  و تمكنه من أدوات التشخيص، بينما استطاعت "سارة دحاني" أن تعيش في ثوب شخصية حليمة زوجة زاز، بصدق وحس فني مميز.
وأشير أن الكاستينغ، بإشراف الفنان مراد الصدقاوي، كان من نقاط قوة الفيلم، لأنه حافظ على  التناغم الفني داخل كل مشهد.
 
 ما هو نوع الشهرة التي سيحققها “زاز” داخل القصة ؟
“زاز” لم نقدمه في الفيلم كشخصية تلهث وراء شهرة مبنية على التفاهة أو الـ buzz الفارغ.
الفيديو الذي سيشتهر به هو مشهد ساخر  في “مقهى البرلماني”، ينتقد فيه نائبا برلمانيا، أدّاه ببراعة الفنان إبراهيم خاي.
شهرة “زاز” في قصة الفيلم لم تأت من التخطيط المسبق بل من الصدق و الصدفة.
أردنا أن نقدّم نموذجا معاكسا لصناعة التفاهة الرقمية، بمعنى رجل من الهامش، لكنه يملك جرأة الكلمة ودفء البساطة.
هذه المفارقة هي جوهر الفيلم، لأنه يرتكز على الشهرة التي تولد من الموقف، لا من الخداع البصري وصناعة الفضائح.
 
 كيف تستخدم السخرية في الفيلم لتسليط الضوء على مواقف الشخصيات العمومية ضمن الأحداث ؟
الفيلم يشتغل على ما يعرف بمفهوم comédie de situation، أي فكاهة الموقف. السخرية في فيلمنا “زاز” ليست أداة تمرد، بل مرآة للواقع. فالشخصية الرئيسية، "زاز"، تتعامل بودّ واحترام مع عميد الشرطة “الغوتي” الذي يجسده الفنان عبد اللطيف شوقي، وتربط بينهما علاقة صداقة، تتحول بشكل صادم، حين يكتشف العميد تورط “زاز” ضمن أفراد عصابة إجرامية.
من خلال هذا التحول، يبرز الصراع بين الإنسان والواجب، الصداقة والعدالة، لتصبح السخرية هنا وسيلة لتعرية الواقع بأسلوب فني، لكشف مفارقات المجتمع أمام تأثير الشهرة الرقمية وعواقبها.

 ما هي القيمة المضافة التي يحملها “زاز” للسينما المغربية ؟
الفيلم يقدم فرجة ممتعة يطبعها التشويق، لكنها تدفع أيضا للتفكير والتساؤل، وتقدم تجربة إنسانية يمكن أن تؤسس للتوعية وأن تُستخلص منها العبرة.
بعد انتهاء التصوير، قال مدير التصوير حميدة بلغربي بالفرنسية: « C’est de la vraie rigolade »، أي ضحك صادق .. وليس مصطنعا.
العمل يعيد تعريف الكوميديا المغربية من خلال مزجها بالدراما والتشويق البوليسي.
إنه فيلم عن “الشهرة الرقمية” كظاهرة اجتماعية، عن الإنسان في مواجهة صورته على الشاشة.
وهو أيضا تأمل في زمن  الشهرة السريعة سواء كانت حقيقية أو وهمية. 
ببساطة، “زاز” يُضحكنا كي يجعلنا نفكر في معنى الإنسان وسط هذا الضجيج الافتراضي.

متى سيلتقي عشاق السينما مع فيلم زاز  ؟
سيكون العرض ما قبل الأول يوم 31 أكتوبر الجاري في قاعة “ميغاراما – الدار البيضاء”،
لتنطلق العروض الرسمية ابتداء من 5 نونبر 2025 في مختلف القاعات المغربية.
أصالة عن نفسي ونيابة عن صناع الفيلم، نعد الجمهور بتجربة فرجوية ممتعة، فيها ضحك بعمق، ودراما إنسانية، وسينما تحترم ذكاء المتفرج.