Sunday 5 October 2025
كتاب الرأي

فؤاد ابن المير*: المغرب بين غضب الشباب والاستراتيجيات العالمية..صرخة الداخل وصدى الخارج

فؤاد ابن المير*: المغرب بين غضب الشباب والاستراتيجيات العالمية..صرخة الداخل وصدى الخارج فؤاد ابن المير
موجة احتجاج غير مسبوقة
في الأسابيع الأخيرة، شهد المغرب موجة احتجاجات شبابية لافتة، تميزت بسرعة انتشارها عبر شبكات التواصل، وجرأتها في المطالبة بحقوقها الأساسية. لكنها أكثر من مجرد صرخة اجتماعية؛ فهي موجة مركّبة تتقاطع فيها التوترات الداخلية مع صراعات النفوذ الخارجي.
جيل “زد” المغربي لا يريد فقط وظائف أو تعليمًا أفضل؛ إنه يطالب بالاعتراف والكرامة والمساواة في الفرص. وهذا الجيل المتصل بالعالم الرقمي يطرح أسئلة لم تعهدها الدولة من قبل، ويحوّل الشارع إلى منصة للتعبير عن الإحباط الجماعي.
 
الجانب الجيو-سياسي: إدارة الغضب
الدولة اليوم تواجه تحديًا مزدوجًا: حفظ الأمن والاستقرار دون الانزلاق إلى القمع، وإدارة طاقة الغضب الاجتماعي بطريقة تمنع استغلالها خارجيًا.
فالقوة لم تعد تُقاس بالسلاح، بل بمدى قدرة الدولة على ضبط السردية الجماعية وإيقاع الرأي العام، والتحكم في الشحن العاطفي للشباب.
 
احتجاجات المغرب: أداة جيوسياسية؟
ما يثير الانتباه هو أن المغرب، بتوجهه نحو شراكات استراتيجية مع الصين وروسيا، أصبح هدفًا لضغوط غير مباشرة من بعض القوى الغربية، التي تحاول استخدام الاحتجاجات كأداة لإعادة النفوذ في المنطقة.
إن الغضب الاجتماعي، مهما كانت دوافعه، قد يتحول إلى أداة في حروب الرأي العام الرقمية، إذا لم تُدر بوعي داخلي وتحكيم وطني.
 
الصين واستراتيجية الاستقرار
الصين ترى في المغرب بوابة اقتصادية إلى الأطلسي، ولذلك تراهن على استقرار المغرب الكبير لضمان نجاح مشاريعها الاستثمارية.
من منظور بكين، الاستقرار الداخلي شرط للتنمية المستدامة، وأي انقسام داخلي قد يعرض شراكات استراتيجية طويلة الأمد للخطر.
 
نداء وطني للشباب والقوى الحية
تاريخ المغرب مليء بالتآمر والاختراقات الخارجية، لكن الملكية كانت دائما صمام الأمان.
اليوم، كل الشباب وكل القوى الوطنية مدعوون إلى ترشيد الغضب بالوعي الجيوسياسي، والالتفاف حول المشروع الوطني، حتى لا يتحول التعبير المشروع عن المطالب إلى أداة ضغط خارجي أو فتنة داخلية.
 
اقتصاد الجزيرة: رؤية عبد الله العروي
كما قال المفكر عبد الله العروي، يجب أن يكون اقتصاد المغرب اقتصاد جزيرة، أي منتج ومحصن ذاتيًا، يوفر لشبابه الأمل، ويمنح الدولة استقلالية القرار في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
فالاستقلال السياسي اليوم مرتبط مباشرة بالاستقلال الاقتصادي، واستدامة التنمية، والقدرة على صيانة الوحدة الوطنية.
 
إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع
المغرب أمام لحظة وعي جديدة، بين التعبير الاجتماعي المشروع والمخاطر الجيوسياسية.
الذكاء الوطني اليوم ليس فقط في الدفاع عن الحدود، بل في حماية العقول والأمل، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
فالاستقرار الوطني، كما التاريخ يعلّم، يبدأ من الداخل، ويستمر عبر الوحدة والتضامن، وترشيد الغضب بالوعي والمسؤولية.
فؤاد ابن المير،  دكتور في علم الاجتماع