Sunday 5 October 2025
منبر أنفاس

جمال مكماني: رسالة مفتوحة إلى التعبير الاحتجاجي الشبابي "جيل Z"

جمال مكماني: رسالة مفتوحة إلى التعبير الاحتجاجي الشبابي "جيل Z" جمال مكماني
شهدت بلادنا في الأيام الماضية دينامية احتجاجية شبابية مسؤولة، وبأفق وطني إصلاحي مشروع. الأمر الذي يجعلنا أمام شباب يمارس مواطنته الكاملة من خلال الانخراط في أسئلة السياسة والمجتمع. ومعلوم أن المجتمع ليس ماهية ثابتة وقبلية، و إنما عملية بناء تاريخي تؤطره تعاقدات محددة. وبهذا المعنى فإن كل مجتمع مدعو إلى إبداع ذاته بشكل مستمر، و هو ما لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف بتعبيراته المختلفة وتوسيع فضاءات النقاش العمومي باعتباره حقا وواجبا.
هذا الحق الذي ينبغي ممارسته بوعي ومسؤولية منطلقين من قناعة أساسية تفيد أن الوجود في هذا العالم بتعبير الفيلسوف مارتن هايدغر هو وجود مع الغير .
 
أيها الشباب المغربي المتميز الحالم بغذ أفضل يجعل من وطننا الأم يتبوأ المراتب الأولى على مستوى الصحة والتعليم ضمن خرائط العالم المتحركة باستمرار. وهو حلم تتقاسمه معكم كل التعبيرات السياسية الوطنية وكل مؤسسات الوساطة الاجتماعية. إنه حلم يحتاج إلى مخاطبة قيمنا الأصيلة داخل مجتمعنا، تلك القيم المؤطرة بتامغربيت، تلك القيم التي جعلت رجلا مسنا يجر ثقل دراجته الهوائية حاملا بعض الدقيق مع ساكنة الحوز بعد الزلزال. هذا الزلزال الذي جعل الألم يعتصر قلوبنا، وفي نفس الوقت جعلنا ندرك عظمة هذه الأمة وشموخها الملحمي. إن قوتنا نحن المغاربة في ذاكرتنا الجماعية وفي وعينا الجمعي وفي قيمنا الأصيلة المبنية على التكافل والتضامن وحب الوطن.
 
أيها التواقون إلى مجتمع يحقق نتائج ملموسة في الواقع، إن الاحتجاج السلمي هو سلوك حضاري، له قدرة موضوعية في خلق دينامية التجديد والابتكار والبحث عن الحلول في مسيرة بناء المجتمعات. وهو آلية عملية لممارسة الضغط على صناع السياسات العمومية، من أجل التسريع ببلورة الحلول وردم الهوة بين السياسات العمومية وضحاياها، وحل المشكلات التي تخنق المجتمع وتحول دون تحقيق الوثبات اللازمة لتقدم وطننا الأم.. غير إن الاحتجاج هو وسيلة لغاية درء المفسدة وجلب المصلحة لا ينبغي ان يتحول إلى غاية في ذاته.
 
إن فضيلة الحوار تتضمن قيم التسامح والقبول بالتعدد والإيمان بالاختلاف والسعي نحو تدبيره وحرية التعبير والاعتماد على النقاش بالاستناد إلى الحجج... إنه الآلية التي تتيح لنا إمكانية الوصول إلى اتفاق أو توافق بين أبناء الوطن الواحد خارج منطق المنتصر والمهزوم ، فالرابح هو الوطن...
إن المجتمعات تتقدم اليوم بالتقدم الحاصل على مستوى مؤسساتها، وما دام أنه لا بديل عن المؤسسات وفق منطق الديمقراطية، فإني أدعوكم إلى ولوج هذه المؤسسات و المساهمة من داخلها قصد تفجير هذه الطاقة الخلاقة واستثمارها مجتمعيا بما يخدم الوجود الفردي والجماعي، فالأحزاب السياسية ليست ملكا لأحد وكذا النقابات وكل أشكال التنظيمات المتواجدة ببلادنا. لا ينبغي النظر إلى هذه المؤسسات كثكنات مسيجة بل هي مؤسسات تعج بمناضلين و فاعلين يؤمنون بأفكاركم و يصارعون من أجل تنزيلها وأجرأتها ، فلا ينبغي أن نتركهم أقلية من داخل هذه المؤسسات بل علينا أن ندعهم ونساندهم بهذه الافكار التجديدية وهذا الحماس المتقد.
 
أيتها الشابات أيها الشباب الرافضون لمنطق الأستاذية وإعطاء الدروس، أعذروني قليلا، فالغيرية بتعبير أوغيست كونت تفرض علي واجب تقاسم بعض الأفكار التي أراها مناسبة للمساهمة في الوصول إلى الطموح الذي يخالجكم ويخالجنا جميعا في أن نرى وطننا احسن الأوطان في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد. فإني كما أنتم مطالبون جميعا بالعمل على تجذير الوعي السياسي لدى شابات وشباب هذا الوطن عبر تحسيسهم بأهمية مشاركتهم والإدلاء برايهم بطريقة مؤسساتية، لأنها هي السبيل إلى تحقيق الأثر الملموس و التأثير في القرارات العمومية. إن هذه الظرفية الدقيقة التي عشناها جميعا قد نجعل منها أرضية وفرصة للتفكير بجدية في الحسم مع التجارب السابقة التي كانت تتعاطى مع قضايا الشباب بمنطق التفكير والتخطيط للشباب خارج إرادة الشباب.
 
أيتها الشابات وأيها الشباب؛ إن هذه الرسالة هي بمثابة نداء من أجل تطوير النقاش العمومي عبر إشراك جميع مكونات المجتمع ودون رسم حدود قطعية مع بعض مكوناته، حتي لا نسقط في منطق الأحكام المسبقة، فالمرحلة هي مرحلة تغليب منطق العقل، وهذه فرصة أمامكم من أجل حسن تدبير هذا النقاش العمومي بخصوص السياسات العمومية الموجهة إلينا نحن أبناء هذا الوطن في الصحة والتعليم ، اتجاه الخروج بارضية مشتركة قد تكون ملائمة لإفراز أفكار و إمكانات جديدة. علينا أن نحسن التعامل مع الزمن وتحويل هذا الزخم النضالي الشبابي إلى قوة مؤسساتية فاعلية في البناء المجتمعي.
 
جمال مكماني، فاعل سياسي وجمعوي