Tuesday 30 September 2025
مجتمع

إدريس الفينة: احتجاجات الشارع في المغرب.. بين التمجيد والتغليط

إدريس الفينة: احتجاجات الشارع في المغرب.. بين التمجيد والتغليط جانب من الإحتجاجات في المغرب
الاحتجاجات التي يشهدها المغرب في هذه الأيام، وتقودها فئات من الشباب، لا تنفصل عن موجات إقليمية وعالمية مماثلة. دول كبرى كفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة تعرف منذ سنوات حركات احتجاجية متواترة بلغ بعضها درجات خطرة من الانزلاق. ومع ذلك، فإن الدول ومؤسساتها لا ترتبك، لأنها تتحرك وفق برامج عمل مؤسساتية لا مجال فيها للتغليط والخديعة.
 
ارتفاع سقف مطالب الشباب له سببان بارزان: أولًا، سهولة الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة أو التي حققت ازدهارًا ملموسًا لمواطنيها؛ وثانيًا، ما تروّج له منصات إعلامية وشبكات اجتماعية من قراءات مضلِّلة للوضع الراهن بالمغرب. وهذا ينعكس في طبيعة الشعارات والمطالب المرفوعة. والمفارقة اللافتة أن مطلب الشغل وهو معضلة أساسية لدى الشباب المعنيين يكاد يغيب في قلب هذه المطالب. أمّا قضايا الصحة والتعليم والبنية التحتية فليست طارئة ولا هبطت من السماء؛ إنها تراكمات قديمة لا تُحلّ بين عشية وضحاها في أي بلد، مهما تكن الحكومة القائمة. لقد ورثت الحكومة الحالية أوضاعًا صعبة في مختلف القطاعات: فساد مستشرٍ، وضعف في الإدارة، وغيابٌ لاستراتيجيات واضحة. هذه أمور يعرفها الجميع وتحتاج للوقت الإصلاحات. لكن المثير أن بعض من تولّى المسؤولية لسنوات يخرج اليوم ليركب على الموجة وليُخبرنا بأن قطاع الصحة في أزمة او ان الربيع العربي الذي قادته امريكا بمعية حركات الإخوان سيعود بكل تأكيد!
 
أما الخيارات الاستراتيجية للدولة، وعلى رأسها تنظيم كأس العالم، فلا ينبغي وضعها في الميزان نفسه مع المطالب الاجتماعية الآنية لاستعمالها ذريعة للاحتجاج. تنظيم كأس العالم مشروع وطني بعيد المدى، بآثار اقتصادية واجتماعية إيجابية لا تُقاس بعيون آنية، وإلا فلماذا تتنافس الأمم بشراسة لاستضافة مثل هذه التظاهرات؟ كما لا يُستساغ استدعاء مقارنات متعجلة مع تجارب البرازيل أو جنوب إفريقيا من دون منهجية تقييم علمية رصينة. القراءة السطحية التي يروّج لها بعض “قارئي الفنجان” ومنابر إعلامية مستعجلة تُغفل حقيقة أن الذكاء الجماعي المغربي قادر على إدارة هذه المشاريع بعقلانية عالية وهو ما يزعج خصومًا في الداخل والخارج.
 
في المقابل، لا بدّ من تثبيت حقيقةٍ أخرى: ما تحقق خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، خصوصًا في قطاع الصحة يفوق ما كان قبلها، بالأرقام لا بالانطباعات. فقد تجاوز حجم الاستثمارات العمومية خلال هذه الفترة 2200 مليار درهم (نحو 210 مليارات دولار)، وهو رقم استثنائي كفيل بإرباك حسابات الخصوم، داخليًّا وخارجيًّا. خصوصا الذين يرغبون بإلحاح للعودة للحكم ولو على حساب تغليط الرأي العام.
 
ليست هناك في العالم مظاهرات سلمية “بلا سياسة” كما يتوهّم البعض. كل احتجاج فعل سياسي له أهداف وسياق وزمان ومكان. والاحتجاجات الصغيرة في بلد بحجم الحاجات وتفاوت الوعي السياسي يمكن أن تنزلق سريعًا إن جرى استغلالها أو تُركت من دون تبصير وتهدئة مسؤولة.
 
لقد مرّ المغرب في الأشهر الأخيرة بهزّات ارتدادية: تسريبات رقمية انتقائية ومكثفة تستهدف مؤسسات الدولة، وحملةٌ على “بؤر الفساد” وكأن الفساد ظاهرة مغربية محضة، ثم دعواتٌ إلى الشارع بعد تهييج مدروس للرأي العام، على نحوٍ يتوقّع معه تصاعد الإيقاع خطوةً خطوة.
 
نحن اليوم أمام وضعٍ يحتاج قراءة دقيقة لا شعارات، ويحتاج جرعةً أكبر من الشرح والتوضيح والإخبار الاستباقي بما يقوم به المغرب وما تحقق مقارنةً بدول الجوار. نعرف جميعًا كيف كانت أحوال الماء والبنية التحتية والتعليم والصحة والحواضر والنقل والبطالة ودعم الفآت الاجتماعية الهشة قبل سنوات وكيف غدت الآن. هذه الوقائع يجب تبسيطها لمن يريد الدفاع عن هذه الإنجازات، لأن التعتيم لا يخدم البلاد؛ فهناك من يُحسن الاصطياد في الماء العكر. وأعرف يقينًا أن كثيرين ممن خرجوا في المسيرات من الشباب لا يعرفون حتى أين يقع المركز الصحي في حيّهم، ولا كيف كان، ولا كيف أصبح.
 
المطلوب اليوم خطاب مسؤول يميّز بين الاستراتيجي والآني، وبين النقد البنّاء والنقد العدمي ، ويقدّم المعلومات للناس والشباب خصوصا ،بوضوح وباستمرارية. الإصلاح مسارٌ طويل، والإنصاف يقتضي أن نُحصي الخطوات إلى الأمام كما نُشير إلى مواطن الضعف، بعقل هادىء، وبوصلة واحدة: مصلحة المغرب. ومصلحة المغرب في شبابه الأغر.