مع بداية كل موسم قنص تتجدد التساؤلات حول كيفية التوفيق بين الحفاظ على الثروة الحيوانية وممارسة القنص في إطار قانوني منظم، وفي خضم هذا النقاش برزت الوكالة الوطنية للمياه والغابات بقيادة مديرها العام باعتبارها فاعلاً محورياً يعمل على ترسيخ مفهوم القنص المستدام عبر رؤية متجددة تجمع بين الرقمنة والتحسيس والشراكة المؤسساتية.
لقد أصبح واضحاً أن القنص في المغرب لم يعد نشاطاً تقليدياً فحسب، بل تحول إلى مجال يتقاطع فيه البعد البيئي مع الأبعاد الاقتصادية والسياحية والاجتماعية، وهو ما دفع الإدارة المركزية للوكالة إلى ابتكار آليات جديدة تجعل من هذه الممارسة وسيلة للحفاظ على التوازن الطبيعي من جهة، وفرصة لتأطير القناصة وتعزيز وعيهم من جهة أخرى.
ومن أبرز المبادرات التي عكست هذا التحول إحداث منصة رقمية حديثة تتيح للقناصة إمكانية الاطلاع على الخرائط عبر تقنية الجي بي إس، مما مكنهم من معرفة المناطق المسموح فيها بالقنص بدقة عالية. هذه الخطوة لم تساهم فقط في تجاوز الارتباك الذي كان يطبع بعض المواسم السابقة، بل كرست الشفافية وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة أساسها المعلومة الدقيقة والتواصل المباشر مع القناص، وهو ما يترجم بجلاء إرادة الوكالة في تحديث القطاع والارتقاء به نحو معايير أكثر عصرية.
وإذا كان إطلاق هذه المنصة قد شكل قفزة نوعية على مستوى الرقمنة، فإن الدورية التي وجهها المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى الجامعة الملكية المغربية للقنص جاءت لتؤكد أن المؤسسة لا تكتفي بالتنظيم القانوني، بل ترافق القناصة على المستوى الميداني. هذه المراسلة شددت على ضرورة عقد لقاءات مع القناصة بمناسبة افتتاح الموسم من أجل تذكيرهم بالإطار التشريعي الذي ينظم القنص، والتأكيد على أهمية احترام معايير السلامة، مع إتاحة الفرصة للنقاش حول خصوصيات كل منطقة وصياغة حلول مشتركة للتحديات التي يطرحها الواقع. إنها رسالة واضحة تعكس أن الوكالة تعتبر القناصة شركاء في حماية التنوع البيولوجي وليس مجرد مستعملين للمجال.
وفي إطار هذه الدينامية الجديدة تبرز الشراكة الموقعة بين الوكالة الوطنية للمياه والغابات والجامعة الملكية المغربية للقنص باعتبارها ركيزة أساسية لإرساء حكامة تشاركية، حيث لم يعد التعاون بين الطرفين مقتصراً على الجانب الإداري بل أصبح يتجسد على أرض الواقع من خلال إشراك الجمعيات المحلية في برامج التحسيس وتفعيل مشاريع الإعمار وإحداث المحميات، وهو ما يعزز البعد التنموي للقنص ويمنحه بعداً بيئياً واقتصادياً في آن واحد.
إن الرؤية التي تقودها الوكالة اليوم هي رؤية استباقية تجعل من القنص نشاطاً مسؤولاً يحترم البيئة ويصون التراث ويؤسس لتوازن جديد بين الإنسان والطبيعة. فالقنص لم يعد مجرد موسم يفتتح ويختتم، بل أصبح ورشاً متكاملاً تتداخل فيه التكنولوجيا والوعي المجتمعي والحكامة البيئية.
الرسالة التي يلتقطها الرأي العام من كل هذه المبادرات هي أن الوكالة الوطنية للمياه والغابات، بقيادة مديرها العام وبانخراط أطرها المركزية والجهوية، تعمل على صياغة مرحلة جديدة في تاريخ القنص بالمغرب، مرحلة أساسها الاستدامة والشفافية والشراكة. وما يميز هذه المرحلة أن القناص المغربي لم يعد يكتفي بانتظار التراخيص أو المذكرات التنظيمية، بل أصبح يتوفر على خريطة رقمية في جيبه وعلى مؤسسة مواكبة له في الميدان، وهو ما يؤكد أن المغرب يتقدم بخطى ثابتة نحو نموذج يحتذى به في مجال القنص المستدام.