رغم أن القطيع الوطني بلغ 32,8 مليون رأس في غشت 2025، بفضل برامج الدعم والإعانات الموجهة للمربين، فإن أسعار اللحوم الحمراء لم تعرف أي انفراج. المستهلك يئن تحت وطأة أثمنة متصاعدة، والكسّاب الصغير لا يلمس أثر الدعم، بينما الحلقة الرابحة تبقى واحدة: “الفراقشية”.
وسطاء يتحكمون في السوق
تحولت الأسواق الأسبوعية إلى فضاءات تهيمن عليها شبكات الوسطاء الذين يشترون القطيع بأثمنة بخسة ثم يبيعونه بهوامش أرباح مبالغ فيها، دون حسيب ولا رقيب. لا عقود، لا فواتير، لا ضريبة. إنها تجارة غير مهيكلة تبتلع كل مجهود الدولة وتحوّل الإعانات إلى أرباح خاصة.
الدولة تدعم… والفراقشية يحصدون
في الوقت الذي تنفق فيه الحكومة ملايير الدراهم لدعم الأعلاف وتخفيف ديون المربين، يلتهم الوسطاء الجزء الأكبر من هذه الثمار. النتيجة واضحة: أسعار ملتهبة، كسّاب متضرر، ومستهلك فاقد للثقة.
ما وراء اللحوم الحمراء
اليوم، والحكومة تلوّح بخيار تسقيف الأسعار، يصبح إصلاح منظومة تسويق اللحوم ضرورة استراتيجية لا تحتمل التأجيل. فالمسألة لا تتعلق فقط بمعدلات العرض والطلب، بل تمس جوهر السيادة الغذائية للمغرب. أزمة اللحوم الحمراء تكشف هشاشة أعمق: حين تُترك الحلقات السوداء للسماسرة، يصبح الأمن الغذائي رهينة مضاربة ظرفية. والأهم أن أصل المشكل ليس في الجفاف أو الأسواق العالمية وحدها، بل في غياب الانضباط وروح المسؤولية الوطنية لدى من يصرّون على تضخيم الهوامش على حساب المواطن. هنا بالذات يبرز البعد الأخلاقي للأزمة: حينما تُختزل الأرباح في جشع ظرفي، تتصدع الثقة ويضيع التضامن الاجتماعي الذي يشكل أساس الاستقرار.
من زمن الحلول الترقيعية إلى زمن الإصلاحات
لقد ولّى زمن الترقيع والتدخلات الظرفية، وحان وقت الإصلاحات الجذرية:
إعادة هيكلة الأسواق الأسبوعية لضمان البيع المباشر بين المربي والجزّار أو التعاونيات.
إدماج الوسطاء في مسارات قانونية عبر الفوترة والجباية والرقابة.
توسيع الاستثمار في المجازر الحديثة وسلاسل التبريد لتقليص الكلفة وتحسين الجودة.
إرساء الشفافية في مسار التسعير وهوامش الربح، بما يعيد الثقة للمواطن.
إدماج الوسطاء في مسارات قانونية عبر الفوترة والجباية والرقابة.
توسيع الاستثمار في المجازر الحديثة وسلاسل التبريد لتقليص الكلفة وتحسين الجودة.
إرساء الشفافية في مسار التسعير وهوامش الربح، بما يعيد الثقة للمواطن.
خاتمة
أزمة اللحوم الحمراء ليست مجرد مسألة غلاء ظرفي، بل مرآة لضعف منظومة كاملة. ما لم يُكسر احتكار “الفراقشية” وما لم تُبْنَ أسس إصلاح مستدام، سيظل المستهلك رهينة أثمان غير مبررة، وسيبقى الحديث عن السيادة الغذائية مجرد شعار. والمطلوب اليوم قرارات شجاعة تُخرج السوق من منطق المضاربة إلى منطق الإصلاح. وهنا نستحضر مقولة الأمين العام لحزب الاستقلال: “اتقوا الله في المغاربة، فالوطنية ليست شعارًا يُرفع، بل مسؤولية أخلاقية تُترجم في هوامش ربح عادلة وفي عدالة اجتماعية حقيقية.”