Tuesday 9 September 2025
رياضة

أنور الشرقاوي: الدور النفسي الذي يلعبه نجوم كرة القدم في وجدان الملايين

أنور الشرقاوي: الدور النفسي الذي يلعبه نجوم كرة القدم في وجدان الملايين الدكتور أنور الشرقاوي إلى جانب البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي
تصرف المتفرّجين الذين يقتحمون المستطيل الأخضر في لحظة جنون عاطفي، باحثين عن لحظة ملامسة مع نجمهم المفضّل، ليس مجرد تجاوز لقوانين الملاعب. 
إنّه تعبير عارٍ وصادق عن شحنة نفسية هائلة تختزنها الجماهير في أعماقها.
 
الانبهار بالأسطورة 
ميسي ورونالدو، وغيرهما من عمالقة الكرة، لم يعودوا بالنسبة لعشّاقهم مجرد لاعبين يركضون خلف كرة. إنّهم رموز، أيقونات، أحلام متجسّدة من الطفولة.
 المتفرّج الذي يندفع من المدرّجات لا يرى أمامه إنسانًا عادياً، بل يلمح "أسطورته الخاصة" التي طالما رافقته عبر شاشة التلفاز، أو عبر قصص أصدقاء وأطفال الحي. 
في تلك اللحظة، يذوب الحاجز بين الواقع والخيال.
 
الاندفاع العاطفي 
من منظور نفسي، هذه الظاهرة تعكس ما يُسمّى بـ التماهي العاطفي.
المشجّع يضع ذاته في صورة اللاعب، فينجح بانتصاراته ويهتزّ بخساراته. وحين يراه أمامه، حيّاً نابضاً، تتفجّر كل العواطف دفعة واحدة: الامتنان، الإعجاب، الحب، والانبهار. 
لذا يقبّل البعض رأس اللاعب، أو ينحني أمامه كما يُنحى أمام شاعر أو قدّيس.
 
البحث عن الخلود في لحظة 
النزول إلى الملعب ليس فقط بحثًا عن توقيع أو عناق سريع. 
إنّه محاولة، ولو خاطفة، لسرقة لحظة من الخلود. 
المشجّع، حين يلمس كتف ميسي أو يضع جبينه على يد رونالدو، يشعر أنّه صار جزءًا من الحكاية الكونية للكرة.
لحظة قد تُخلّد في صورة، أو تبقى محفورة في الذاكرة، لكنها بالنسبة له تساوي عُمراً بأكمله.
 
البعد الإنساني الجميل 
ورغم خطورة الموقف أمنيًّا، لا يمكن إغفال جماله الإنساني. 
إنّه تعبير عن حاجة الإنسان الفطرية إلى الرموز التي تلهمه، وعن عطشه العاطفي إلى الاقتراب من "المثال الأعلى". 
هؤلاء النجوم لا يدركون دائمًا حجم الدور النفسي الذي يلعبونه في وجدان الملايين. 
إنهم ليسوا مجرّد رياضيين، بل صاروا أوعية لأحلام البشر وأمنياتهم.
في النهاية، هذا السلوك ليس جنوناً عابراً، بل هو انفجار وجداني، لحظة صفاء بين الحلم والواقع، بين إنسان عادي يبحث عن معنى، وأسطورة حيّة تجسّد له معنى الحياة 
 
تكسير للحواجز 
بين المدرّجات والملعب، مسافة من حديد وحُرّاس،
لكنّ القلب لا يعرف قيودًا ولا أسوارًا.
يرى المشجّع نجمَه، ميسي أو رونالدو، فيغدو الطفل الذي حلم ذات مساءٍ أن يركض إلى جواره،
أن يلمس كتفه، أن يسرق من جبينه قبلة كأنّها بركة،
أن ينحني أمامه كما يُنحى أمام نبيٍّ أو شاعرٍ أو قدّيس.
إنّه اندفاع لا يُفسَّر بالعقل،
بل بالدم الذي يغلي في الشرايين،
وبالحلم الذي كبر مع الأقدام العارية في أزقّة الحيّ،
وبالكرة القديمة التي كانت تُرفسُ بين الغبار،
والعيون معلّقة في السماء حيث يحلّق الأسطورة.
الملعب هنا يتحوّل إلى معبد،
والنجم إلى أيقونة،
والركض من المدرّجات إلى العشب ليس عصيانًا للنظام،
بل صلاة عاشقٍ في محراب عشقه،
خطوةٌ مجنونة نحو الخلود.
لحظة واحدة تكفي:
يدٌ تُصافَح، رأسٌ يُقبَّل، ابتسامةٌ تُلتقط،
فتصير الحياة بأكملها خفيفة، شفّافة، ممتلئة بالمعنى.
يا لروعة هذا الجنون الإنساني،
يا لبراءة هذا الاندفاع،
حين يلتقي الحلم بالواقع،
والإنسان العاديّ بالأسطورة،
فتسيل الدموع وتشتعل الصدور،
ويولد في قلب المشجّع يقينٌ:
أنّه صار، ولو لثانية، جزءًا من حكاية الكون.
 
من الدار البيضاء إلى باماكو 
بين مدرّجات الدار البيضاء وصفّارة الحكم في باماكو أو دكار،
يتدفّق العاشق مثل نهرٍ إفريقيٍّ جارف،
لا يوقفه سياجٌ ولا حارس.
عيناه تلمح ميسي أو رونالدو،
لكن قلبه يستعيد صرخات الحيّ الشعبي،
أهازيج "إلتراس" مغربيّة تهتف كأنها زلزلة،
وطبول إفريقية تقرع في ليل داكار أو باماكو،
فتشتعل الروح.
في تلك اللحظة، الملعب ليس ملعبًا، بل محراب زاوية ،
محرابٌ تُرفع فيه أيادي العاشقين،
والنجم ليس بشرًا فقط، بل أسطورة تسكن الأغاني،
كما تسكن الأسود أعالي الأطلس،
وكما يسكن الطبل الأفريقي وجدان القرى.
الركض من المدرّجات إلى العشب،
ليس خروجًا عن القانون،
بل عودةٌ إلى الطفولة،
إلى الكُرة المصنوعة من خرقة قديمة في حيّ مغربي،
إلى الركض حفاةً فوق التراب الأحمر في سافانا إفريقية،
حيث يولد الحلم أكبر من الحدود،
وأكبر من الزمن.
قبلة على جبين الأسطورة، انحناءة أمام معشوق الملايين،
تُشبه دعاء الأمّهات في زوايا فاس،
وتُشبه غناء الجدّات عند نهر النيجر،
لحظةٌ واحدة تختزل قرونًا من عشق الجماهير،
وتحوّل المشجّع العادي إلى شاهدٍ خالد
على لقاء الحلم بالواقع.
 
الدكتور أنور الشرقاوي / متحصص في التواصل الطبي والإعلام الصحي