Saturday 6 September 2025
كتاب الرأي

عبد اللطيف البغيل: هل انتقلت بعض المجالس العلمية الجهوية من استصحاب الحال إلى مصير مأزوم ومآل؟ (4/ 3)

عبد اللطيف البغيل: هل انتقلت بعض المجالس العلمية الجهوية من استصحاب الحال إلى مصير مأزوم ومآل؟ (4/ 3) عبد اللطيف البغيل
ما قلناه في النظرة الفرعية 4/ 2 السابقة يجد مصداقه في الباب الثاني مكرر من الظهير الشريف المتعلق بإعادة تنظيم عمل المجالس العلمية المتمم والمعدل بالظهير الشريف المؤرخ في 22 يونيو 2023 حيث نصت المادة 10، المكررة سبع مرات.على أنه:  تختص المجالس العلمية الجهوية " بتوحيد رؤى المجالس العلمية المحلية الواقعة داخل نفوذها الترابي ،وتنسيق أنشطتها،  وترشيد عملها وتعميمه على كل أرجاء الجهة، وتوجيهه إلى ما يشغل ساكنة الجهة ويتفق وخصوصياتها."

 فمن خلال هذه المادة لا نجد أن من صلاحيات المجلس العلمي الجهوي إحداث شيء في عمل المجالس العلمية ليس منصوصا عليه في هذا الظهير، وأن أي إحداث من هذا القبيل لا ينسجم مع أي من المرتكزات الخمسة المحددة لعمل هذه المجالس، وهي توحيد الرؤى وتنسيق العمل، وترشيده وتعميمه وتوجيهه إلى ما يشغل الساكنة ويتفق مع خصوصياتها. 
ومن ثم لا يتحقق توحيد العمل بفرض التنقل الجهوي، بل يربكه ويقوض بنيانه، ولا يرشده بل يضعفه ويحد من تأثيره، ويمس بخصوصية كل إقليم من أقاليم الجهة، وهذا هو الاجتهاد المقلوب المعاكس للمهام والاختصاصات القانونية المسندة إلى المجالس العلمية الجهوية كما حددها الظهير المشار إليه سابقا.

 
وإذا ما أضيف إلى هذا؛ تكريس بعض مظاهر الإقصاء المتعمد بطلب الإعفاء، أو التهميش أو بغير ذلك، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأضيف إلى ذلك؛ بعض مظاهر أزمة الخطاب والتواصل، التي بدأت  تجد طريقها إلى بعض المؤسسات العلمية الجهوية من خلال تصريحات وخطابات بعض المسؤولين بها، فإن هذا سينقل هذه المجالس من استصحاب الحال إلى  ما يصير إليه المآل، حيث إن استصحاب الحال يتحقق به بقاء ما كان على ما كان، وذلك بالعمل وفق النظام القانوني وهو الحال الذي يؤدي إلى إحداث استقرار العمل وضمان نجاعته وتحقيق أثره، وأما ما يصير إليه المآل،  فإنه الحال الذي ينقلب إليه الأمر فيتخذ صورة هحينة ناتجة عن العمل بخلاف مقصود المشرع، وما كان بخلاف المقصود لا تنشط النفس غالبا في العمل به وإنما تستثقله وتنفر منه، ثم لا ترجى منه فائدة، لأن الإنسان في العادة لا يحب الإملاءات الخارجة عن نطاق القانون،  وإن كلف بالقيام بها فإنه يقوم بها مكرها أو اتقاء لضرر قد يصيبه ممن أملى عليه ذلك، وقد يزداد الأمر سوءا، إذا ما صاحب ذلك الإملاء ما يكدر المزاج من خطابات وتصريحات منفرة ولو لم تكن موجهة إلى الشخص مباشرة، وهو ما بدأنا نشهده من بعض المسؤولين مع الأسف،  فقد أصبح أحدهم يضرب به المثل في إصدار خطابات منفرة ومستفزة، لا يمكن بحال من الأحوال قبول صدورها من مسؤول مثله،  يفترض فيه أن يكون عامل دفع وتحفيز وتشجيع للجميع، لكي يركزوا جهودهم في إنجاز مهماتهم في ظروف نفسية حسنة، وأن يكون على قدر ما يتحمله من مسؤولية التكليف المولوي بالإشراف على مؤسسة علمية ودينية في غاية الأهمية، تتطلب العمل بحكمة وأناة وبعد نظر وتدبير للأمور بهدوء وواقعية، لكنه في مقابل هذا نجده لا يتورع عن إصدار تصريحات غير لائقة في الاجتماعات العامة، مع ما لهذه التصريحات من أثر على الشعور العام للحاضرين، ولما لها من مس بالوقار واعتدال الشخصية التي يجب أن يظهر بها أي مسؤول ينظر إليه باعتباره الموجه بحكمة وبصبر وتعقل، والساهر على تدبير الأمور بأساليب الحوار والنقاش والإنصات وقبول الرأي الآخر أو رده بحجة.
 
ومن هذه التصريحات التي صدرت عنه والتي لا نتطرق إلا لنموذج واحد مما ظهر منها، قبل شهور قليلة، وكان لها أثر سلبي كبيرعلى الحاضرين، وفيهم رؤساء مجالس علمية محلية وأعضاء من متخلف المجالس، وعلماء أجلاء، وكان لهذه التصريحات كذلك أثر على من صدرت في حقهم، وهم المحفظون والمحفظات الذين يعلمون أبناء المواطنين القرآن الكريم،  ويبذلون مهجهم في ذلك، فإن هذا المسؤول لم يستسغ أن تكون الاستمارات والأوراق والوثائق المتعلقة ببرامج التحفيظ التي يكلف هؤلاء بتعبئتها دوريا غير مضبوطة ولا مفصلة بما يلزم، ودعا إلى الصرامة في مواجهة هؤلاء المحفظين والمحفظات حتى إنه قال ما معناه : يجب الضرب على المخالفين أو المتهاونين منهم بيد من حديد، ومد يده عموديا وكأنه يهوي بها فعلا، والواقع أن هذا المسؤول كان عليه قبل أن يصدر خطابه وتصريحه التهديدي هذا، أن يفكر في المسألة بطريقة أخرى وينظر إلى هذا العمل الذي يلوم عليه هؤلاء المحفظين باعتباره عملا تقنيا، لا يحسن التعامل معه كثير من هؤلاء المحفظين، إما لكبر سنهم أو لعدم اعتيادهم على هذه الوثائق والأوراق أو لغير ذلك من الأعذار، فهؤلاء جميعا هم أهل ألواح  وليسوا أهل أوراق.
 
ولو أراد معالجة الأمر بما يضمن لهؤلاء الكرامة بدون تهديد بضرب بيد من حديد ولا بسوط ولا بقضيب، فما كان عليه إلا أن ينظر إلى واجباته كمسؤول تجاه هؤلاء المحفظين والمحفظات، وهل وفى بهذه الواجبات التي تجب لهم عليه؟ وهل أعد لهم برنامجا تكوينيا مركزا حول هذه الجوانب التقنية التي لا يمكن بحال تعلم مهارات إعداداها بدقة بدون توجيه أو تكوين؟ وإذا لم يكن قد أخضعهم لهذا التكوين، فهل خصص لهم مرافقا أو مصاحبا يقدم لهم إرشادات ويساعدهم على تعبئة هذه النماذج والوثاىق؟  فإن هذا يدخل في إطار توحيد العمل وترشيده كما نصت على ذلك المادة 10 المشار إليها أعلاه، فإذا كان قد فعل هذا كمسؤول، فمن حقه بعد ذلك أن يتخذ ما يلزم من إجراءات قانونية في مواجهة المخالف أو المتهاون منهم، حسبما ينص على ذلك القانون أو النظام الخاص بعملهم، دون ضرب بحديد أو غيره. فإن مولانا أمير المؤمنين نصره الله وأيده لم يعين هذا المسؤول ليضرب أحدا من رعاياه الحافظين لكتاب الله، أهل الله وخاصته، والمحفظين له لأبناء شعبه بمختلف مناطق جهات المملكة الشريفة. ولن يرضى أبدا بأن يضرب أحد بسوط أو بيد من حديد مهما كان نوع تقصيره، وإنما يتحمل تبعات تقصيره وفق ميزان العدالة، وما تقتضيه القوانين والنظم. وحتى ولو أن مفهوم العبارة المصرح بها،  تعنى التشدد في تطبيق القانون وعدم التساهل في ذلك، فإن هذه العبارة لا تقبل، لدلالتها العنيفة التي يستبق بها الخطأ قبل وقوعه، مع أن الحكمة تقتضي أن يبني المسؤول علاقته مع من هم تحت مسؤوليته على حسن النية وصفاء الطوية، وعلى سيادة أجواء الوئام بدل افتعال أسباب الصدام،  والنفوس على كل حال جبلت على حب من أحسن إليها بتطييب الخواطر ولو بالكلمة الطيبة.
 
وأما إذا كان هذا المسؤول لم يوفر تكوينا لهؤلاء المحفظين ولم يضع رهن إشارتهم مرافقا أو مصاحبا، وهذا ما نعتقده، فهنا نسأله، من يكون أجدر بالضرب بيد من حديد والحالة هذه؟
 
فهذه الواقعة التي بدرت عن هذا المسؤول وغيرها كثير وشهير، تدل على أن الافتقار إلى لغة مقبولة للتواصل تجعل إدارته معطوبة وغير فاعلة بما يلزم،  ولا قادرة على تحقيق أهدافها، وتجعل العلاقات بين المسؤول ومن هم تحت مسؤوليته مأزومة ومتنافرة، تغير الأجواء بالمؤسسة من استصحاب الحال إلى أسوء مآل، في حين أن هذه الإدارة لو ركزت جهودها لتحسين لغة الخطاب والتواصل بينها وبين العامة والخاصة، لكانت في وضع استصحاب الحال، فتكون بذلك أكثر إنتاجا ومردودية، لأن العنصر البشري يحتاج في العادة إلى شحن عاطفي وإلى دعم نفسي دائم،  لكي يستمر في العطاء والعمل بإخلاص، لتحقيق الأهداف المرجوة، وهذا ما نرجو أن يسود أجواء الإدارة الساهرة على الشأن الديني وطنيا وجهويا ومحليا، لأنها مطالبة قبل غيرها من باقي الإدارات، بإعطاء المثل والتصرف على أساس أنها قدوة لغيرها في جميع المجالات.