في سياق الجدل الذي أفرزه مشروع قانون التعليم العالي، وما أثاره من انتقادات تهم المس باستقلالية الجامعة الإدارية والمالية، قال عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة في تصريح لجريدة " أنفاس بريس " يهم مشروع قانون التعليم العالي إن أول ملاحظة، يمكن ابداؤها على المشروع، هي تلك التي لها صلة بالهيكلة المعتمدة في تقسيم المشروع الذي يضم 113 مادة موزعة على 11 بابا لم يُرَاعَ فيها مبدأ التوازن، ذلك أن بعض الأبواب تتكون من مادتين، في حين أن بعض الأبواب تتكون من 46 مادة مقسمة على فصول وتجمع أحيانا بين مواضيع لا تربطها من الناحية المنهجية وحدة الموضوع، أما من حيث جوهر النص، فإن ما يثير الانتباه - يضيف السرار - هو أنه داخل دفتي نفس مشروع القانون المذكور، يبدو أن هناك "غياب" للانسجام والتناسق خاصة فيما يتعلق بالفلسفة العامة التي يجب أن تحكم وتؤطر روح هذا النص القانوني من أول مادة إلى آخر مادة، وهذا الأمر أدى بالتبعية لغياب التناسق الذي تقتضيه الصياغة القانونية على المستوى الموضوعي لبعض المواد، مقدما على سبيل المثال المادة 9 من المشروع التي تنص على أن الجامعة تعتبر مؤسسة عمومية تتوفر على الشخصية الاعتبارية وعلى الاستقلالية الإدارية والمالية طبعا مع خضوعها لوصاية الدولة التي الغاية منها هو ضمان تقيد الأجهزة المسيرة لها بأحكام القانون والمادة 10 من نفس المشروع التي تنص على أن الجامعات تتمتع بالاستقلالية البيداغوجية والعلمية والثقافية وتتمتع في الوقت ذاته بحرية المبادرة في مجالات التكوين والبحث العلمي،
في حين نجد أن المادة 29 منه حدَّدَت الأجهزة المسيرة للجامعة والتي تتكون من مجلسين هما : مجلس الأمناء (تم استحداثه)؛ ثم مجلس الجامعة (ساري به العمل في القانون الحالي).
في حين نجد أن المادة 29 منه حدَّدَت الأجهزة المسيرة للجامعة والتي تتكون من مجلسين هما : مجلس الأمناء (تم استحداثه)؛ ثم مجلس الجامعة (ساري به العمل في القانون الحالي).
موضحا بأن المشرع يضع مجلس الأمناء في مرتبة متقدمة على مجلس الجامعة وقبله، وفي هذا ايحاء ضمني وصريح على أن مجلس الأمناء يحظى بأهمية خاصة بالمقارنة مع مجلس الجامعة، فإذا كان الأخير أي مجلس الجامعة، جهاز معمول به في القانون رقم 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، والذي لا زال ساري العمل به حاليا ويتمتع هذا المجلس بجميع الصلاحيات اللازمة لتدبير وإدارة الجامعة طبقا، للمادة 11 من القانون رقم 01.00 فإنه في المشروع الجديد تم توسيع تركيبته بموجب المادة 36 وتغييرها نوعا ما والإبقاء على عضوية بعض الفئات التي لا علاقة لها بالشأن الجامعي، مع تقزيم تمثيلية الأساتذة من ثلاثة أساتذة منتخبين عن كل مؤسسة جامعية، كما كان سابقا، إلى أستاذ باحث عن كل مؤسسة جامعية منتخب من لدن الأساتذة الباحثين بنفس المؤسسة، وهذا وحده - يقول السرار - يحتاج لنقاش خاص .
وأشار محاورنا أن مجلس الأمناء الذي تم استحداثه في مشروع القانون الحالي أول مرة، يبدو أنه أتى لغرض وحيد وأوحد وهو تجريد مجلس الجامعة من السلط والصلاحيات التي يتمتع بها في إطار القانون الحالي رقم 01.00 المذكور آنفا، وهكذا، وبالعودة إلى تشكيلة وتركيبة مجلس الأمناء الذي أتى به مشروع القانون الجديد، وهي المحددة بموجب المادة 30 من هذا المشروع، فإنها تدفع لطرح جملة من الملاحظات تهم أساسا تركيبة هذا المجلس ومهامه الإدارية و"البيداغوجية".
صحيح أن المهام البيداغوجية غير معلن عنها بشكل علني وصريح - يضيف المتحدث- إلا أنه في المقابل من ذلك ليس هناك ما يمنعه من الناحية القانونية، من التدخل في "الشأن البيداغوجي"، وهذه الفرضية ممكن استنباطها من منطوق المادة 30 الفقرة ما قبل الأخيرة، التي أعطت لمجلس الأمناء إمكانية إحداث لجان موضوعاتية مؤقتة أو دائمة داخل نظامه الداخلي، تساعده على أداء المهام المسندة إليه.
كما أنه ليس هناك ما يمنعه قانونا من أن يحدث لجنة موضوعاتية تختص بالنظر في القضايا البيداغوجية التي هي من اختصاصات مجلس الجامعة ومجلس الكلية (حالياً).
كما أنه ليس هناك ما يمنعه قانونا من أن يحدث لجنة موضوعاتية تختص بالنظر في القضايا البيداغوجية التي هي من اختصاصات مجلس الجامعة ومجلس الكلية (حالياً).
وتساءل السرار من جهة أخرى عن أعضاء ورئيس مجلس الأمناء والسلطة التي تقوم بتعيينهم؟ ذلك لأن أغلب مكوناته إن لم نقل كلها سيتم استقدامها من خارج فضاءات المؤسسات الجامعية التابعة للجامعة المعنية، ومن خارج سلك الأساتذة الباحثون بالجامعة بجميع درجاتهم وتخصصاتهم، مع حق رئيسه في دعوة، ولو على سبيل الاستشارة، كل شخص يرى فائدة من مشاركته في أشغال المجلس، اللهم إذا استثنينا تواجد أستاذ للتعليم العالي ضمن تركيبته يتم انتخابه من قبل ومن بين الأساتذة أعضاء مجلس الجامعة وانتخاب ممثل عن فئة الأطر الإدارية والتقنية طبقا للمادة 30 منه.
صحيح أن القانون الحالي أكد على حضور رئيس الجامعة ضمن اجتماعات هذا المجلس، لكن الغريب في الأمر - بحسب السرار -، هو أن حضوره هذا يكون بشكل استشاري فقط، طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 30 من المشروع الجديد، أي أن تواجد رئيس الجامعة ليس من باب التقرير وإبداء رأي يكون ملزما، بل إن حضوره بصريح العبارة وبقوة القانون يبقى استشاريا لا غير.
وفيما يتعلق بمهام مجلس الأمناء، فإن الإشكالية تبدو أكثر تعقيدا - يقول السرار - لا سيما إذا ما علمنا أن من مهام وصلاحيات مجلس الأمناء المنصوص عليها في المادة 35 هو إعداد تقرير سنوي حول أداء الجامعة يرفعه لرئيس الحكومة مشفوعا بتوصياته وملاحظاته، فضلا عن كون رئيس مجلس الأمناء يعين بمقرر وباقتراح من رئيس الجامعة ستة نواب لمساعدة رئيس الجامعة بموجب المادة 43، كما يحدد مجلس الأمناء مبالغ التعويضات المالية التي تصرف عن المهام بمراكز الدكتوراه ومديري مختبرات البحث بالجامعة طبقا للمادة 44، وهذه الصلاحية من غير المستبعد أن تجعل رؤساء الجامعات وبنيات البحث يقعون تحت تبعية هذا المجلس بالشكل الذي قد يفقدهم الاستقلالية والحرية، فضلا عن كونه يتولى، بموجب المادة 34 مهاما لها صبغة تدبيرية و"بيداغوجية"، بمبرر الانسجام مع السياسات العمومية في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، مقدما على سبيل المثال فقط، أنه يصادق على الاستراتيجية المتعددة السنوات الرامية لتطوير الجامعة وتقييم حصيلة أنشطتها والمصادقة على برنامج عمل السنة الموالية، ويبدي برأيه في تعيين رؤساء المؤسسات التابعة للجامعات (...).
ليخلص الى أن المواد من 30 إلى 35 وهي المواد التي تحدد تركيبة ومهام مجلس الأمناء ومدة انتدابه، جاءت خصيصا لهدم وتقويض مبدأ الاستقلالية الإدارية والمالية المنصوص عليه في المادة 9 من المشروع المذكور، وقصد افراغ مبدأ الاستقلالية البيداغوجية والعلمية والثقافية المنصوص عليه في المادة 10 من فلسفته العامة، فضلا عن إشكالية مدى التزام أعضاء مجلس الأمناء بحضور اجتماعاته وهو الأمر الذي قد يؤثر على أشغاله وقراراته.