أصدر الباحث حمزة أعراب مؤلفا بعنوان : "السياحة الثقافية ومظاهر العرض السياحي بمدينتي فاس ومكناس"، ناقش من خلاله أهمية التراث الثقافي في المدن التاريخية المغربية، مؤكدا أن هذا التراث، سواء كان ماديا أو غير مادي، يشكل قاعدة أساسية لإرساء مشروع سياحي ثقافي قادر على الإسهام في التنمية الترابية.
الباحث انطلق من قناعة راسخة كون التراث هو مورد حي يمكن تعبئته في الحاضر لتوليد فرص اقتصادية وتعزيز الهوية المجالية مستقبلا، شريطة أن يتم تثمينه وفق رؤية شمولية تستحضر البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في الآن ذاته.
وأوضح الباحث في تصريح لجريدة "أنفاس بريس" أن السياحة الثقافية ما تزال تعاني من مجموعة من الاختلالات البنيوية والمجالية بمدينتي فاس ومكناس، أبرزها التمركز المفرط للعروض السياحية في فضاءات محددة دون غيرها، وغياب التنسيق بين مختلف الفاعلين المتدخلين في القطاع، إضافة إلى ضعف التجهيزات والخدمات المرتبطة باستقبال السياح، من إرشاد وتوجيه وتنشيط وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى تقليص الجاذبية السياحية لمدينتي فاس ومكناس، وإلى إفراغ التجربة السياحية من بعدها الثقافي العميق، لصالح عروض سياحية سطحية قائمة على الاستهلاك السريع والمتوالي.
وأضاف أن العلاقة بين السياحة والتراث ينبغي ألا تظل علاقة استغلال من طرف القطاع السياحي فقط، بل يجب أن تكون علاقة تبادل متوازن، يسهم فيها التراث في تعزيز السياحة، وتسهم فيها السياحة في حماية التراث وتثمينه وتمكين الساكنة المحلية من الاستفادة منه. مؤكدا أن تجاوز الفجوة بين هذه المكونات يتطلب تدخلا مؤسساتيا منسقا ومندمجا، يروم دعم البنيات التحتية، وتنظيم الفضاءات العتيقة، وتشجيع الاستثمار في السياحة المسؤولة، وتعزيز التكوين المهني في المهن الثقافية والسياحية.
الباحث أبرز أيضا أهمية الفضاءات السياحية بمدينتي فاس ومكناس، والمميزات التي تضفيها على كل مدينة على حدة. وخاصة تلك التي تجعل منها قطبا سياحيا ثقافيا بامتياز، سواء من حيث العمق التاريخي أو تنوع الموروث المعماري أو غنى الفنون التقليدية أو ثراء الحياة الثقافية. إلا أن هذه المؤهلات – يضيف الباحث - لم تستثمر بعد بالشكل الكافي، ويرجع ذلك إلى غياب رؤية استراتيجية متكاملة للتثمين، وإلى ضعف الترويج الثقافي المحلي، وإلى قلة المبادرات التي تربط بين البحث الأكاديمي والمجال العملي التي تراعي الخصوصيات المحلية لكل مدينة دون المساس بالهوية أو إحداث شرخ ثقافي بين السكان ومجالهم.
وأشار الباحث أن معالجة السلبيات التي تعرفها السياحة الثقافية بفاس ومكناس، تنطلق أولا وقبل كل شيء، من الجانب المهني لها، وهذا الأمر هو الضامن لوجود فئة مهنية سياحية محترفة، ستعمل بشكل أو بآخر على تقديم إضافة نوعية للقطاع بمدينتين تعدان من أقطاب السياحة الثقافية بالمغرب.
وخلص الباحث الى أن ضعف التنشيط السياحي، وقلة المرافق السياحية المتطورة، ناهيك عن النقص الملحوظ في الطاقة الإيوائية، والخصاص المهول في الرصيد العقاري، وغياب شبه كلي لبرامج تجديد المنتوج السياحي أدت الى عدم برمجة هذين القطبين ضمن وجهات سياحة الإقامة، واكتفائهما بسياحة العبور فقط، وهذا ما يترتب عنه موسمية العمل لدى العديد من المهنيين السياحيين.