Friday 22 August 2025
كتاب الرأي

الصديق معنينو: العيد

الصديق معنينو: العيد محمد الصديق معنينو

احتفل الشعب المغربي بالذكرى السادسة والعشرين لجلوس صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين.. ويعتبر هذا العيد مناسبة لتجديد أواصر البيعة بين الشعب والملك ومناسبة كذلك لاستعراض منجزات تحققت والتخطيط للقادم من السنوات.

وكان المغاربة على مر العصور والقرون لا يحتفلون إلا بالأعياد الدينية كعيد الأضحى وعيد الفطر و انضافت إلى ذلك في عهد المرينيين، الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف كانت هذه الأعياد هي العطل السنوية التي تتمتع بها العائلات ويستمتع فيها عمال الصناعة التقليدية وغيرهم بفترة راحة واستجمام.

المبادرة

لكنه خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، في عهد السلطان سيدي محمد بن يوسف ظهرت فكرة إحياء عيد جديد يضاف إلى الأعياد التقليدية الدينية الثلاثة. ففي شهر يوليوز 1933، كتب الشاب محمد حصار مقالة في مجلة «المغرب» التي كانت تصدر بالرباط. طالبت المقالة بالاحتفال بعيد الجلوس» سيراً على ملكيات أخرى خاصة في أوروبا التي كانت تحتفل بذكرى جلوس الملك على عرش البلاد، أحدثت هذه المقالة ضجة في الحركة الوطنية الوليدة وقررت الاحتفال بعيد العرش لأول مرة في 18 نونبر 1933.

هكذا لم يكن الاحتفال بعيد العرش استجابة لرغبة ملكية، أو تنفيذا لأمر سلطاني، بل كانت مبادرة شعبية وطنية تحية للسلطان محمد بن يوسف الذي أظهر بعد فترة تدريب وإعداد، رغبته في تحرير المغرب من الحماية الفرنسية.. بل تحول السلطان إلى قائد للحركة الوطنية وهي في خطواتها الأولى.

لجنة الإعداد

اجتمع الوطنيون السلاويون وكونوا لجنة أوكلوا إليها مهمة إعداد الاحتفال بعيد العرش واقتراح طريقة ذلك الاحتفال ومكانه وما يرافقه من مظاهر الفرحة والتعبئة.. وقد نشرت جريدة السعادة الصادرة بالرباط، لائحة أعضاء هذه اللجنة ومن بينهم والدي الحاج أحمد معنينو، كما تضمن المقال وصفاً للاحتفالات التي عاشتها المدينة ومشاركة السكان من مختلف المهن والأحياء في التعبير عن فرحتهم وتشبثهم بالعرش العلوي....

وقد سجل والدي في مذكراته ذكريات ومذكرات مراحل الإعداد وتكاثف المجهودات حيث اختار الوطنيون الاحتفال في القيسارية». وبالمناسبة ساهم السكان في تزيين ساحة القيسارية وتطوع البعض بتوفير الزرابي والأرائك وملزمات إعداد الشاي والحلويات.. وفي اليوم المعلوم تجمع السكان ورددوا عدداً من الأناشيد واستمعوا إلى بعض الخطب المنادية بالحفاظ على أساس البيعة للسلطان في ذلك اليوم تقول

المقالة المنشورة في يومية «السعادة».. (22) نوفمبر (1933) في ذلك اليوم أقام باشا المدنية ومحتسبها حفلتين كبيرتين استقبلا خلالهما الكثير من السكان وسط جو من الفرحة والسرور.

المرسوم

اندهشت الإقامة العامة الفرنسية من هذه المبادرة المفاجئة، وتخوفت من أن السنة الموالية قد تشهد احتفالات مماثلة في مختلف ربوع المملكة.. وكتبت الاستخبارات الفرنسية أن المواطنين في عدد من المدن عندما سمعوا بهذا الاحتفال الجديد تعاهدوا على إحيائه السنة القادمة. وخوفا من كل التطورات المحتملة

اقترحت تقارير الجهات الفرنسية ضرورة مواجهة الموقف...

هكذا في أكتوبر 1934، وتحت ضغط المبادرة الوطنية أصدر الصدر الأعظم، محمد المقري مرسوما ... يعلن فيه عن إحداث عيد جديد هو عيد العرش وذلك يوم 18 نونبر من كل سنة، إلى جانب ذلك وللاحتياط منع المرسوم أي خطاب أو شعار يرفع بالمناسبة خوفا من استغلال الحركة الوطنية لهذه الاحتفالات لتمرير رسائلها الداعية إلى التكتل حول العرش المغربي للصمود أمام الاحتلال الأجنبي.

عيد الشعب

هكذا يكون الاحتفال بعيد العرش أسلوبا ابتدعته الحركة الوطنية للتذكير بتاريخ المغرب العريق وبالدور المركزي للعرش في استمرار واستقرار المغرب والدفاع عن حريته واستقلاله ووحدة أراضيه. ومنذ ذلك التاريخ (1933) أصبح عيد العرش عيدا وطنيا يوجه خلاله ملك البلاد خطابا إلى الأمة يستعرض فيه ما عاشه المغرب وما أنجزه ويحدد فيه الأهداف الأساسية لما ينتظر البلاد مستقبلا... هذه السنة إذن خلدنا الذكرى الثانية والتسعين لانطلاق الاحتفال بعيد العرش وقد ربط الحسن الثاني هذا العيد بحفل الولاء ويحفل تخرج أطر المدارس العليا.. إن عيد العرش هو في الحقيقة عيد الشعب» لأنه هو الذي اقترحه واحتفل به تحية لملك البلاد...