في خطوة أثارت الكثير من الجدل، شرعت السلطات مؤخراً في تطبيق مقتضيات الفصل 157 من القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق، عبر إطلاق حملة موسّعة تستهدف أساساً أصحاب الدراجات النارية ذات المحركات، وذلك من خلال استعمال أجهزة قياس السرعة (Speedometer ) وفرض عقوبات زجرية صارمة تشمل غرامات مالية ثقيلة قد ترهق جيوب المستعملين، مع إمكانية اللجوء إلى الإكراه البدني في بعض الحالات، فضلاً عن إيداع الدراجات المخالفة في المحجز البلدي (Fourrière).
ما إن انطلقت الحملة حتى قوبلت بموجة واسعة من الاستياء الشعبي، خاصة في صفوف أصحاب الدراجات الذين يمثلون شريحة اجتماعية واسعة تعتمد على هذه الوسيلة في تنقلها اليومي أو في كسب قوتها من خلال خدمات التوزيع أو النقل البسيط.
الدراجة بالنسبة لهؤلاء ليست مجرد وسيلة ترفيه أو رفاهية، بل هي في الغالب مصدر رزق لا يمكن الاستغناء عنه.
المحتجون على هذه الإجراءات يرون أن الحملة جاءت مفاجئة ودون سابق إنذار، ولم تُسبق بأي حملات تحسيسية أو برامج تواصلية تشرح للمواطنين مقتضيات تنفيذ القانون المذكور، أو تمنحهم آجالاً لتسوية وضعيتهم التقنية والقانونية. وبذلك شعروا بأنهم تعرضوا لـ"عقوبة مباغتة" بدل أن يكونوا طرفاً في مقاربة تدريجية تراعي ظروفهم الاجتماعية.
إلى جانب البعد الاجتماعي، تطرح العملية عدة إشكالات قانونية وتنظيمية، أبرزها:
الحملة استهدفت أساساً الدراجات النارية، بينما تتغاضى عن وسائل تنقل أخرى تتجاوز السرعة القانونية بشكل أخطر على السلامة الطرقية بل كان من الأجدر حجز ومنع جولان الدراجات النارية التي تصدر أصواتًا عالية ومزعجة، حيث أن تصميمها ومحركات العادم المفتوحة وأنظمة العادم البديلة قد تولد ضوضاء تصل إلى 112 ديسيبل. والمطالبة بعدم استيرادها.
الدولة سمحت باستيراد وبيع دراجات ومحركات لتعديل سرعتها، وهو ما تستغله محلات تجارية مرخّصة، لتجد اليوم آلاف المواطنين أنفسهم متابعين بسبب استعمال منتوج قانوني في السوق.
عملية قياس السرعة تتم غالباً بحمولة شخص واحد، بينما التأمين الخاص بالدراجات يغطي راكبين، مما يجعل النتائج التقنية مجحفة ولا تعكس الاستعمال الفعلي.
أمام هذه الوضعية، تبرز مجموعة من التساؤلات المشروعة:
من المستفيد من هذه الحملة؟ هل الهدف فعلاً حماية السلامة الطرقية، أم أن هناك مصالح اقتصادية مرتبطة بمحلات الإصلاح أو شركات بيع الدراجات الجديدة أو حتى مداخيل مالية لخزينة الدولة؟
هل تدخل رئيس الحكومة فعلاً لإيقاف أو تأجيل هذه الإجراءات ومنح فرصة للتسوية كما تروج بعض الأخبار؟ أم أن الأمر مجرد إشاعة لتخفيف الضغط الشعبي؟
هل يمكن استغلال الملف انتخابياً؟ خاصة وأن البلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية بعد سنة، ما يجعل من هذه الفئة الاجتماعية الكبيرة ورقة سياسية قد تُستغل في الحملات الانتخابية المقبلة.
أمام هذا الجدل، يبدو أن الحل يكمن في إعادة التوازن للمقاربة المتبعة عبر:
إطلاق حملات وطنية للتوعية قبل المرور إلى العقوبات
منح آجال معقولة لأصحاب الدراجات لتسوية وضعيتهم التقنية والقانونية
ضبط محلات البيع والتعديل التي تروج لدراجات غير مطابقة للمواصفات القانونية
اعتماد منطق التربية والوقاية قبل العقوبة حفاظاً على الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة
إن تفعيل الفصل 157 من مدونة السير خطوة كان من الممكن أن تساهم في تعزيز السلامة الطرقية، لكنها تحولت بفعل المقاربة المفاجئة والزجرية إلى مصدر توتر اجتماعي وموضوع نقاش سياسي مفتوح.
ويبقى الرهان اليوم على قدرة السلطات في تصحيح المسار باعتماد حوار شفاف وتدرج في التطبيق، يوازن بين حق الدولة في فرض القانون وحق المواطن في العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
عبد العزيز رجاء، فاعل جمعوي
