الجار والسياسي المحنك بيدرو سانشيز كان في سنة 2020 رمزًا للقوة والحيوية السياسية، لكن مع مرور خمس سنوات بدا واضحًا أن جسده استُهلك بفعل ثقل المسؤوليات، وضغط الملفات الدولية، والصراع السياسي اليومي. فقد ظهر نحيلاً مرهقًا، في صورة تعكس كيف يمكن للسياسة أن تُنهك صاحبها وتستنزف طاقته حتى لو ظل حاضرًا في المشهد الأوروبي بقوة.
وعلى النقيض، يُلاحظ أن عبد الإله بنكيران الذي كان في بداياته السياسية يظهر ضعيف البنية ومحدود الإمكانيات، أصبح اليوم أكثر امتلاءً وراحة، تبدو على محياه علامات النعمة والرفاهية. وهو تحول يكشف أن التجربة السياسية لهذا الحزب قد منحتهم، حتى بعد مغادرتهم السلطة، موقعًا مريحًا ووجاهة اجتماعية، عكس السياق الأوروبي حيث الاستهلاك الجسدي والنفسي عنوان ملازم للسياسي.
هذه المفارقة تختصر حقيقة السياسة بين من يذوب في العمل العام حتى يُستهلك، وبين من يجيد استغلال موقعه لزيادة حضوره الشخصي. فالجسد هنا ليس مجرد مظهر، بل شاهد صامت يكشف الفارق بين السياسي الذي يشتغل فعلاً في خدمة بلاده، والسياسي الذي يكتفي بالظهور والتموقع دون أن يترك أثرًا عميقًا في حياة الناس.
وهنا تبرز نقطة عميقة: هل يُقاس السياسي بجسده وصحته، أم يُقاس بما خلّفه من أثر في مؤسسات بلاده ومواطنيها؟ إذا كان الجسد يبوح بحقيقة المعاناة اليومية، فإن التجربة السياسية تُقاس بمدى البناء والإصلاح. وبالعودة إلى حزب العدالة والتنمية، يتضح أن الحزب الذي وُلد ضعيفًا، عاش طفرة ظرفية بفعل موجة الربيع العربي، ثم عاد سريعًا إلى وضعه البئيس، تاركًا وراءه خيبة أمل كبيرة في صفوف من راهنوا عليه. أما بيدرو سانشيز، رغم كل ما ظهر عليه من نحول، فإنه ما يزال يمثل في بلاده مرجعية سياسية فاعلة، يقود النقاش الأوروبي، ويدافع عن خيارات اجتماعية واقتصادية واضحة.
وهكذا يصبح الجسد في هذه المقارنة ليس مجرد مظهر، بل وثيقة سياسية صامتة، تقول كل شيء عمّا بين من يُستنزف لأنه يشتغل، ومن ينتعش لأنه يستغل.
