Tuesday 19 August 2025
فن وثقافة

تحولات الإعلام وإعلام التحولات في مونديال 2030

 
 
تحولات الإعلام وإعلام التحولات في مونديال 2030 غلاف الكتاب

في أفق احتضان المغرب بمعية اسبانيا والبرتغال مونديال 2030 يجدد الكاتب الصحفي جمال المحافظ، إثارة الإنتباه للمكانة التي من المفروض أن يحتلها الإعلام، في التحضير لتنظيم كأس العالم في كرة القدم الذي يأتي بعد ستة ترشيحات قدمها ، المغرب في محاولته لاحتضان هذه التظاهرة العالمية التي تشكل حدثا غير مسبوق، في تاريخ الممملكة  وستكون له انعكاسات على كافة الأصعدة خاصة منها الرياضية والثقافية والاقتصادية والسياسية والسياحية والتنموية.

فتناوله لتداعيات احتضان المغرب كأس العالم، يركز  جمال المحافظ بالخصوص على مدى حضور الصحافة والاعلام والثقافة في هذا الحدث الرياضي العالمي، والأدوار التي يتعين أن تتضطلع بها وسائل الاعلام المختلفة، في ظل التحولات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة والثورة الرقمية  من أجل ضمان إنجاح كأس العالم في كرة القدم، وهو ما جعله يخصص مؤلفه الجديد "الاعلام ومونديال 2030".  

فضلا عن استحضاره للاستعدادات الجارية لاحتضان المونديال، يستأنس جمال المحافظ الباحث في العلاقات الدولية، في كتابه الجديد برأي أهل الاختصاص ومن ذوى الخبرة، مؤكدا بأن تنظيم كأس العالم سنة 2023، لا يقف عند حدود توفير البنيات التحتية اللازمة، على أهميتها وكلفتها، ولكن كذلك على الاستعداد اللازم والناجع لوسائل الإعلام والاتصال، وتأهيل الموارد البشرية في مقدمتهم الصحافيين الذين يتعين إعدادهم بمهنية وحرفية.

 

مرحلة فارقة

ويعتقد المؤلف بأن هذا الحدث، قد يدشن لمرحلة فارقة في حياة الاعلام الوطني بصفة عامة، والرياضي بصفة خاصة، وهو ما يتطلب من كافة الفاعلين من مختلف المواقع وعلى المستويات المساهمة الفاعلة للارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي خلال الفترة الفاصلة عن تنظيم المونديال، وجعل ملف الصحافة والإعلام من ضمن أولويات الأوراش المفتوحة، استعدادا لاستضافة نهائيات كأس العالم، مع العمل أن هناك شروطا ضرورية لا يمكن تجاوزها تفرضها اللحظة الكروية الاستثنائية، إذ يقتضى التأهيل التفكير في السياق الثقافي والاجتماعي والقانوني أولا، وفي الأنشطة الإنسانية المهيمنة وفي طبيعة التفكير القائم محليا واشتراطاته، كما يرى الكاتب الصحافي سعيد منتسب.

وهنا يبرز السؤال التالي: ماذا ننتظر من الإعلام الوطني في لحظة المونديال؟ هل إعلامنا مؤهل لتحقيق الامتياز؟ هل بإمكان الأداء المهني التخفيف من حدة القطائع الثقافية التي يطرحها تجمع الثقافات المتضاربة في حيز جغرافي واحد مغطى بطبقات سميكة من "السلب" و"الهوية"؟ ومن ثمة، هل بإمكان هذا الإعلام أن يصنع ميدانا ثالثا للحوار والتعايش واحترام مبدأ الاختلاف والحقوق المتعارف عليها دوليا؟، وهي من بين تساؤلات أخرى طرحها منتسب لدى تقديم وقراءة كتاب جمال المحافظ في الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط سنة 2025.

 

استراتيجية متعددة

من الواضح أن جمال المحافظ يدرك جيدا أن تحديات كأس العالم تقتضي حيازة استراتيجية متعددة الأبعاد، كما يدرك أن لهذه التظاهرة الرياضية العالمية انعكاسات مختلفة تتجاوز ما هو رياضي إلى ما هو ثقافي وسياسي واقتصادي، ذلك أن كأس العالم حسب منتسب - ليس هو "الكرة" فقط، وليس هو الملعب أو الجمهور أو الفوز أو الهزيمة أو الكأس. بل هو أيضا ما يجري خارج الملاعب، أي "ما يقع خارج الحقل" بتعبير السينمائيين. وهو، تحديدا، ما يمكن أن نسميه إنجاح "إخضاع الاختلاف للتشابه"، من خلال التعامل مع المونديال ككرنفال للهويات، أو كتجمع احتفالي لإظهار المشترك، وتخدير الأفكار المتقاتلة.

وإذا كان المحافظ، يعتبر أن أداء الصحافة الرياضية، يظل حاليا دون المستوى المأمول، نتيجة ضعف المنتوج ومضامين الإعلام الرياضي، الذي يقتصر، غالبا، على الأخبار والتغطيات وتقديم نتائج المنافسات، وهي المهمة التي أصبح الجمهور يتوصل بها مباشرة، بفضل ما تتيحه التقنيات الحديثة". غير أن السؤال الكبير الذي يطرحه علينا هذا التشخيص يظل يقول منتسب - هو هل تستأثر الصحافة الرياضية فقط بهذا الضعف؟.

 وكذلك هل من الملائم، ونحن نتحدث عن "إعلام التحولات وتحولات الإعلام" أن نتخلى عن بداهة حاجتنا إلى إعلام قوي ومنافس وقادر على إنشاء قوة خاصة بوسعها مواجهة "الإعلام الوافد"، وأيضا "الإعلام المسخر" أو "الإعلام التضليلي"، بمهنية كبيرة وندية واضحة ورؤية مواكبة للعصر، هذا فضلا عن مواكبة "الثورة الرقمية" المتسارعة، والتحدي الذي يطرحه الذكاء الاصطناعي والميتافيرس وعلاقته بالواقع الجديد؟

 

شأن عام

يُنَبهنا جمال المحافظ في هذا "الكتاب الاستشرافي" إلى مجموعة من الإشكالات، من بينها أن التحضير للمونديال هو أولاً شأن عام، مع ما يطرحه هذا الأمر من رهانات، على مستوى الفعل في بيئة رقمية مترامية الأطراف. ولهذا يطرح مرة أخرى السؤال التالي: هل سينجح إعلامنا الحالي [المخترق والواهن] في مواصلة دوره في تشكيل الرأي العام والتأثير على التوجهات والتصدي للأخبار الزائفة؟ ما هو الحل المقترح؟ بناء استراتيجية وطنية جديدة مؤطرة للإعلام؟ إحداث حاضنات أكاديمية لتكوين النخب الإعلامية ؟ تأهيل المؤسسات الإعلامية الوطنية أدبيا وتقنيا، وتزويدها بالوسائل الضرورية الحديثة؟ الانحياز إلى الإعلام الجديد وصناعة المحتوى هو الحل؟ تنويع الأذرع الإعلامية الوطنية، بدل الاكتفاء بقناة موضوعاتية وحيدة (الرياضية)؟بناء العرض الرياضي وتوسيعه ليشمل التكوين على أساليب التأثير والإقناع [الحجاج]؟ استقطاب الكفاءات الإعلامية الأجنبية؟ تهيئة بيئة مواتية للوصول إلى المعلومات؟.

ينتبه جمال المحافظ في هذا الكتاب إلى أن المونديال فرصة تاريخية للمغرب [فرصة ليست للتضييع، لأنها فاصلة بين مغربين]، وهذا يفرض بطبيعة الحال الانتقال من "بيئة الانغلاق" [التي تقوم على المراقبة والتربيع والتحكم] إلى بيئة "السوق" التي لا تعتمد على زبون سهل الانقياد، أو على زبون يسهل إدخاله في "قوالب".

فتنظيم كأس العالم لا يعني فقط توفير بنيات الاستقبال (الملاعب، الطرق، الطيران، المطارات، الموانئ، القطارات، المستشفيات، الأبناك، الفنادق، المطاعم، المقاهي، المساحات الخضراء، أنظمة الرقمة والاتصال.. إلخ)، بل يعني أيضا، وبالدرجة الأولى، توفير إعلام حيوي قائم على حيازة الواقع ومشكلاته، وقادر على التعاطي مع المعلومات ونقلها من مصادرها، ثم نشرها وإطلاقها نحو الفضاء العام (المتعدد في حالة كأس العالم)، بما هي تعبير عن الواقع الاجتماعي، في أفق تحقيق عملية "التواصل" القائمة على تبادل الأخبار والمعلومات والحقائق والرسائل والبيانات بين مرسل ومستقبل يتفاعلان من أجل "بناء معنى" يسمح للاختلاف بالتلاقي على مستوى الفهم.

 

رهانات الإعلام

ويقتضي هذا كذلك تأهيل الإعلام، ووضعه في قلب احترام الحريات وتعدد الثقافات، حتى تتعزز صورة المغرب وسمعته العالمية، خاصة أن العائدات المعنوية للتنظيم نقتضي الاستثمار في احترام ثقافات الضيوف وتعريفهم بالثقافة المغربية وتاريخها، حتى لا يتحول "كأس العالم" إلى حلبة للسجال الثقافي أو الصراع الحضاري - كما يؤكد سعيد منتسب - الذي تتقاسم معه هذا الرأي الإعلامية والباحثة مونية المنصور، حينما لاحظت بذات مناسبة تقديم وقراءة كتاب " الاعلام ومونديال 2030 ضمن البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للنشر والكتاب، بأن جمال المحافظ، يتسلح وهو يتساءل حول رهانات الإعلام الرياضي وتحدياته، في مؤلفه  مسلحا بمقاربات ثقافية واجتماعية، وبعدة موضوعية وعلمية.

فمقاربة الكاتب في تعاطيه مع موضوع " الاعلام ومونديال 2030"، " تأخذ المسافة اللازمة ما بين الباحث والإعلامي، وتنظر إلى هذا الحدث الكبير، كلقاء بين المغرب والعالم، ليس بلاعبيه ولا بملاعبه أو بنياته التحتية الرياضية، ولكن بعاداته وتقاليده وقيمه وسحناته ولكناته المتنوعة، تقول مونية المنصور التي لاحظت بأن جمال المحافظ يحرض في كل مؤلفاته ومقالاته على التسلح بتربية إعلامية متينة، وهو ما  يقتضى تملك هذا الحدث الرياضي الكبير، ليس كصحافيين فحسب، بل كجمهور ينتظر أن يسوق لصورة مغرب رياضي غني ومتسامح وكريم، في سياق رقمي تتسيد فيه الصورة بشكل سريع ومتكاثف". وهو ما يجعلنا أمام إصدار ضروري للقراءة في سياق موعد 2030"، لفاعل بمرجعيات متنوعة ومتقاطعة وبقبعات مختلفة يوحدها حرصه على خط مسار بحثي في موضوع قريب إلى قلبه وعقله هو الإعلام، ولعل هذا هو ما ينظم مجموعة إصداراته في السنوات الخمس الأخيرة التي حاولت رصد تحولات الإعلام، وإعلام التحولات..

كتاب جمال المحافظ رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال، "الاعلام ومونديال 2030" يقع في نحو 260 صفحة من القطع المتوسط، صادر عن "دار التوحيدي" سنة 2025، يتضمن قسمين الأول بعنوان " هل الصحافة ستتأهل للنهائيات؟ والثاني حول " الاعلام أفقا للتفكر .