Saturday 16 August 2025
فن وثقافة

محي الدين الوكيلي: "ممر الراجلين".. قصة قصيرة

 
 
محي الدين الوكيلي: "ممر الراجلين".. قصة قصيرة محي الدين الوكيلي
ذلك الصباح، قررت أن أترك العجلة جانباً، وأمضي راجلاً لقضاء بعض الأغراض. كانت المسافة أطول مما تسمح به الراحة، لكن لا شيء يستعجلني. قررت أن أختلس يوماً من قبضة المهام الضاغطة، يوماً أتنفّس فيه بعمق.

بدأت طقوس الصباح بكأس قهوة في واحدة من مقاهيَّ المألوفة. لعلّي أخاف التغيير، لذلك أتمسك ببعض العادات كما يتمسك البحّار ببوصلة قديمة. تصفحت الأخبار هنا وهناك، أغلبها مُرّ، كقهوة رديئة المذاق كانت من نصيبي اليوم. لحسن الحظ، أنقذتني قصة قصيرة لصديق افتراضي، فمحَت جمالياتها أثر المرارة.

من حين لآخر، كنت أرفع عيني إلى الشارع أراقب حركة السير. أدركت أنني، من داخل السيارة، لا أستطيع أن أرى بوضوح هذا السيل الجارف من المركبات التي تعبر بلا توقف. تساءلت: ما هذا الهروب الجماعي من نقطة إلى أخرى؟ وإلى أين هذا السباق المحموم؟ ولأي غاية؟ سرعان ما أدركت أنني أقترب من فخ الأسئلة الفلسفية التي لا أجوبة جاهزة لها، فتذكرت وعدي لنفسي بأن يكون هذا اليوم بلا توتر ولا جدل داخلي.

غادرت المقهى تاركاً مقعدي لزبون آخر، وسرت نحو ما أسميته "هدفي"، وإن كان في الحقيقة مجرّد ذريعة تمنح التيه في شوارع المدينة مسوغاً معقولاً.

حين وصلت إلى شارع عريض، لمحت رجلاً في عقده السادس يحاول عبوره مثلي، لكن دون نجاح. حركة المرور كانت كثيفة، ومع ذلك، كان ممر الراجلين واضحاً أمامنا، كما لو كان يقول: "أنا هنا لحالات كهذه". تقدمت نحوه عارضاً المساعدة، فلم يمانع. لكن كلما جررته بخطوة، شدّني إلى الخلف، مُصرّاً على انتظار مرور فوج جديد من السيارات.

حاولت أن أرفع من عزيمته قائلاً:
– سيدي، إنه ممر الراجلين، ولنا الأسبقية.
ابتسم بسخرية وأجاب:
– حين وضعت ثقتي يوماً في الحق والقانون، وجدت نفسي في ردهات المحاكم.
ثم أضاف:
– نعم، لنا الأسبقية... لكن من قال لك إن كل من يقود سيارة رباعية يشاركنا هذا الإيمان؟

كان جوابه حاداً وعميقاً في آن، وأنا لست في مزاج يسمح لي بجدال كهذا. بعد شد وجذب، نجحنا أخيراً في العبور. كنت على وشك أن أتركه، فقد بدا لي متردداً أكثر مما تحتمل أعصابي، لكنني تمهلت، ففي النهاية، لكل إنسان مبرراته وتجارب تشكّل حذره.

واصلت السير إلى جانبه، أبحث في ملامحه عن ما لم أستطع فهمه من كلماته. فجأة، اخترق الصمت صوت مكابح حادة، تلاه دوي اصطدام. التفتُّ غريزياً إلى الخلف، بينما واصل هو المشي، واكتفى بجملة قصيرة، كأنه يلقي حكمة أخيرة:
– أظن أن أحدهم آمن بأسبقيته في المرور.