Sunday 3 August 2025
كتاب الرأي

أنور الشرقاوي: "كُن كالنخيل".. حكايات من مغرب الصبر والسمو

 
أنور الشرقاوي: "كُن كالنخيل".. حكايات من مغرب الصبر والسمو الدكتور أنور الشرقاوي
 " كُنْ كَالنَّخِيلِ عَنِ الأَحْقَادِ مُرْتَفِعًا ... يُرْمَى بِرَجْمٍ فَيُعْطِي خَيْرَ أَثْمَارِ" 
 قصص من المجتمع المغربي الحديث تعكس المعنى العميق لهذا البيت الشعري: 
 
 
في حي شعبي بمدينة الدار البيضاء، تقطن "لالة زهرة"، امرأة ستينية، أمٌّ لأربعة أبناء، أرملة منذ عشرين سنة، تبيع الخبز البلدي قرب المسجد الكبير. 
كثيرون استهانوا بها، ونسجوا حولها الشائعات لأنها تخرج كل فجر لتبيع "المسمن" و"الحرشة" بيدين متشققتين. 
قالوا عنها إنها فقيرة معدمة، وإن أبناءها عالة على الدولة... 
لكنها لم ترد، لم تحتج، بل كانت تبتسم، وتقول: "الرزق بيد الله، والنية بالخير".
مرت السنوات، وكبر أبناؤها. 
أحدهم أصبح طبيبًا في طنجة، الآخر أستاذًا جامعيًّا، والبنتان فتحتا تعاونية نسوية لصناعة الخبز المغربي و"المخامر" وورقة البصطيلة، تكريما لجهد أمّهم. 
وكلما سُئلت عن سرّ صبرها، كانت تردد: "أنا مثل النخلة... رماني الناس بالحجر، فأعطيتهم التمر."
في مدينة فاس، قصة أخرى. "السي عبد الحق"، موظف بسيط في إحدى المقاطعات، اتُّهِم ظلمًا في ملف اختلاس إداري، فقط لأنه رفض التواطؤ مع شبكة فساد. 
تم توقيفه مؤقتًا، وأصبح أضحوكة المجلس. 
لكنه لم ينحدر لمستواهم، لم يصرخ، لم يشتم، بل تمسّك بكرامته، وواصل أداء صلاته في المسجد، مبتسمًا لمن أساؤوا إليه. 
بعد شهور، ظهرت الحقيقة: كان بريئًا، بل شهيدًا للنزاهة. 
أعيد إلى عمله، وكرّمه عامل المدينة شخصيًا، وكتب عنه الصحفيون قصة رجل ظل مستقيمًا رغم الحجارة. 
قال لهم: "تعلمت من والدي أن أكون نخلة... لا أنحني أمام الريح، ولا أضرب من يسيء إليّ."
وفي قرية من قرى جبال الأطلس، هناك "امي طامو"، قابلة تقليدية. ولدت نساء الجبال لعقود، لم تطلب أجرًا يومًا. 
بعض القرويين الجهلة اتهموها بالشعوذة، لمجرد أنها تمسك بالأعشاب وتتمتم بالدعاء. سبّوها، وهددوها.
 لكنها، كلما وُلد مولود جديد، كانت أول من تهلّل وجهها، وتغني للطفل، وتغسل أمّه بالماء الدافئ. 
وحين مرض أحد أولئك الذين أساؤوا إليها، كانت أول من حمل الأعشاب والحنّاء لتخفيف ألمه.
 حين سُئلت: "لماذا تساعدين من ظلمك؟" أجابت بهدوء الأطلس: "أنا لا أزرع الحقد. أنا مثل النخلة... كلما رُميتُ بالحجارة، أرسلتُ ثمري للسماء."
هذه قصص حقيقية، من مغربٍ فيه من الظلم كما فيه من النبل، فيه من الحجارة كما فيه من الثمار.
لقد علمنا النخيل، في صمته وسموّه، أن الكرامة لا تصرخ، وأن العطاء لا يحتاج إلى تصفيق.
وأن في أعماق مجتمعنا، رغم الضجيج، رجالًا ونساءً يسيرون بصمت على درب الأنبياء، متسامين عن الأحقاد، ومثمرين رغم الجراح.