Friday 1 August 2025
فن وثقافة

من المعرِّي إلى دَانتِي.. الكاتب حبيب سروري يُعيدُ كِتابةَ "كوميديا الغُفران"

 
من المعرِّي إلى دَانتِي.. الكاتب حبيب سروري يُعيدُ كِتابةَ "كوميديا الغُفران" الكاتب والروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري مع صورة غلاف مؤلفه الجديد
عن دار المحيط للنشر بالفجيرة (الإمارات العربية المتحدة)، صدر كتاب جديد للكاتب والروائي اليمني، حبيب عبد الرب سروري، المقيم بفرنسا، وسمه بعنوان "كوميديا الغفران - من المعري إلى دانتي".
 
محور الكتاب، كما يحكي مؤلفه في المدخل، "قُطبانِ أدبيّان يفصلهما كلُّ شيءٍ تقريبا، نحتاجُ مع ذلك لقراءتِهما معا، ليمرّ تيّارٌ مُلهِمٌ ينيرُ لنا الحياة: نصّان أدبيّان فريدان خالدان «رواية الغفران» (الجزء الروائي من «رسالة الغفران»)، و«الكوميديا الإلهية». ألّفَهُما عملاقان عبقريّان أبو العلاء المعري قبل حوالي 1000 عام، ودانتي قبل 700 عام تقريبا".
 
ويضيفُ حبيب سروري أنَّ كُلًّا من المعري ودانتي قد لعبا "دورَ إِلهٍ في نصّه، وهو يخترعُ الخارطة الجغرافية للآخرة بطريقته الخاصة، يُدخِلُ من يشاءُ الجنّةَ أو جهنم (يُوزّعُهم فيما يُشبِهُ تصنيف «جدول مندلیف» على هَوَاه، ووفقاً لاستراتيجيته ورؤاه). يسرد تفاصيل حياة الناس هناك، ويخترعُ قصصها وأحداثَها كما يريد. يلتقي راويه بالشيطان وبِسربٍ متنوّع عديدٍ من البشر والكائنات العجائبية، لاسيّما بكبار شخصيّات الأدب والميثولوجيا والدين والسياسة. يُسرِّبُ رؤيته لمفاهيم غيبيّةٍ كبرى: الغفران، الشفاعة، التوبة، النعيم، العذاب... وينسف أحيانا ما يشاء بغير حساب".
 
فبقراءتهما معاً، يضيف حبيب سروري "ندرك أننا على هذه البسيطة لسنا أكثر من لا شيء (حتى لا أقول: لسنا أكثر من بيانات إكسل Excel) لولا ثالوثُ التخييل والحرية والإبداع، النابض في كل حرف من الكتابين؛ لولا الحبُّ الذي يُحرِّكُ الشمس وبقيّةَ النجوم»، كما يقول دانتي، عاشق بياتريشي التي قادته في رحلة الآخرة إلى الجنّة؛ لولا الشّعرُ وعشقُ الكلمات التي تَعْبُرُ الأبديّةَ خيولاً جائلةً تخترق القرون، مشرئبة الأعناق، كما يقول المعرّي: لا خيل مثل قوافي الشُّعرِ جائلةً/ أبقى على الدهر أعناقاً وأطالا".
 
ويعتبر الكاتب حبيب سروري أنه "إذا كان نص دانتي قد اكتسحَ الأدب العالمي والغربي على نحو خاص، منذ صدوره، وعبر دراساته وترجماته الأوربية المتعاقبة التي جعلته يواكب تطوّر اللغات المعاصرة باستمرار، وعبر صيَغِهِ المدرسية التبسيطية والمقتضبة التي تجعله يصل إلى طلاب الجامعات والمدارس في الغرب على الدوام، فإن نص المعرّي (أحد أجمل جواهر الأدب العربي قاطبة وأكثرها تميّزاً وإبداعاً وفرادة لم يقرأه أحدٌ تقريبا، منذ صدوره، وإن يمدحه الجميع عند ذكره! لم يقرأه أحدٌ فعلا. ليس فقط لأن سوق القراءة في العالم العربي فاتر شبه ميت، بل لأنّ النصَّ ذاته طارد أيضا، بسبب لغتِهِ النخبوية التي عفا عليها الزمن في عصرنا هذا، وترفِ استطراداته المركّبة المتداخلة الشاسعة وثراء استشهاداته الزاخرة الطويلة جدا أحيانا، وإصراره القدير على استخدام أوسع عدد من المفردات، بما فيها النادرة جدا، بأقل تكرار ممكن".
 
وأشار سروري، في نهاية مدخل الكتاب، إلى أن الأمر يتعلق هنا بمحاولة "إعادة كتابة رواية «الغفران» في صيغةٍ مبسّطة مصغرة، مُخفّفا منها كثيرا من الاستطرادات والاستشهادات الطويلة، على غرار ما تفعل نصوص المناهج المدرسيّة الغربيّة وهي تسعى لتقديم كبار الأعمال الأدبية الضخمة الشاقة، في صيغ تبسيطية مقتضبة أنيقة: تنتشلُ منها كل ما يعيق أو يبطئ من قراءة غير كبار المتخصصين، لا سيّما طلاب المدارس والجامعات.
 
أضفتُ أحيانا جملاً صغيرةً بديلةً لما اقتطعتُه. خفّفتُ أيضاً من العدد الهائل من الكلمات التي تحتاج إلى شرح معانيها في الهوامش، باستبدالها بكلمات حديثة مناسبة، أو بوضع هذه المعاني في جُملها مباشرةً (حتى لا يضطر القارئ إلى الذهاب إلى الهوامش بين كل كلمة وكلمة تقريبا). ظللت خلال ذلك وفيّاً لنصّ أعشقه عشقاً، ومحافِظاً على رُوحِه وعلى جُمله غير المعقدة، كما هي دون مس".
 
في حين "كان الأمر أسهل بكثير فيما يتعلّق بالكوميديا الإلهية. لم أفعل معها غير الاتكاء على ترجمتها الحديثة والجميلة بقلم الشاعر كاظم جهاد، المدجّجة بالهوامش العليمة والمدخل النقديّ الثري؛ وعلى الاستضاءة، في الوقت نفسه، بنصوص المناهج المدرسيّة الفرنسية التي تعرض مقتطفات واسعةً من الكوميديا الإلهية على نحو مقتضب تبسيطي أنيق. اكتفيتُ منها بمقاطع محدّدة من سيول نشيدي الفردوس والجحيم، دمجت فيها ترجمة جهاد بترشيق وتبسيط وتعديل النصوص المدرسية الفرنسيّة. مقصدي تقديم صورة عامة، ماكروسكوبية لا غير، لبعض المنعطفات الرئيسة لما أسماها دانتي: «القصيدة المقدّسة»."
 
ويختتم الكاتب حبيب سروري نصه التقديمي للكتاب بكلمتين، قائلا:" هدفنا الأسمى هنا حثُ القارئ العربي على متعة التنقل بين عالمين بديعين، ونصين فريدين، وعبقرتين خالِدَين برهن لنا أحدهما أنّه «في البدء كانت المرأة»، وبرهن الآخرُ أن « في الختام، لا تبقى إلا الكلمة".