الجمعة 17 مايو 2024
سياسة

محمد الطيار: الجزائر تفتقد إلى هوية وطنية جامعة وموحدة وهو ما دفعها إلى محاولة سرقة التراث الثقافي لجيرانها

 
 
محمد الطيار: الجزائر تفتقد إلى هوية وطنية جامعة وموحدة وهو ما دفعها إلى محاولة سرقة التراث الثقافي لجيرانها محمد الطيار
يرى‭ ‬الخبير‭ ‬محمد‭ ‬الطيار، الخبير  في الدراسات الأمنية والاستراتيجية‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تفتقد‭  ‬الى‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭ ‬وموحدة‭ ‬وتفتقد‭ ‬الى‭ ‬الوحدة‭ ‬الروحية‭ ‬بين‭ ‬مكوناتها‭ ‬المجتمعية،‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬قيم‭  ‬مجتمعية‭ ‬مشتركة،‭ ‬كما‭ ‬تفتقد‭ ‬الى‭ ‬إرث‭ ‬ثقافي‭ ‬يميزها‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬خطوط‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدودها‭ ‬الدولية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬سرقة‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬لجيرانها‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وأزواد‭ ‬والمغرب‭.
‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬تراث‭ ‬غيرها،‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬والانحدار‭ ‬النفسي،‭ ‬داعيا‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬الى‭ ‬المبادرة‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬لدى‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الثقافية،‭ ‬ورفع‭ ‬قضايا‭ ‬قانونية‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية‭ ‬المختصة‭ ‬للتصدي‭ ‬لكل‭ ‬السرقات‭ ‬وعمليات‭ ‬السطو‭  ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭.‬
 
كيف‭ ‬تفسر‭ ‬هوس‭ ‬الجزائر‭ ‬وانشغالها‭ ‬بسرقة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينتمي‭ ‬للتراث‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي‭ ‬للمغرب‭ ‬؟‭ ‬
لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭  ‬والثقافة‭ ‬يعدان‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬الثابتة،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬عناصر‭ ‬أخرى‭ ‬تشكل‭ ‬قاعدة‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬وانطلاقها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالة‭  ‬توفر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تدبير‭ ‬مزجها‭ ‬بشكل‭ ‬منسجم‭ ‬ومتكامل،‭  ‬مع‭ ‬بناء‭ ‬هوية‭ ‬عميقة‭  ‬وبناء‭ ‬الانسجام‭  ‬والتناغم‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬والقوة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الوعي‭ ‬بالمكان‭ ‬والزمان‭ ‬بشكل‭ ‬متواتر‭ ‬تاريخيا‭ ‬وغير‭ ‬منقطع،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حجز‭ ‬مكان‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬التطورات‭ ‬والأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭  ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭. ‬فالدول‭  ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬مزج‭ ‬المكونات‭ ‬الكامنة‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬متسق‭ ‬ومتكامل‭ ‬وفعال،‭ ‬يكون‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬ضعيفا‭ ‬وباهتا‭.‬
وبحكم‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬تعرف‭  ‬تباينا‭ ‬كبيرا‭ ‬بين‭ ‬واقع‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬المسطرة‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وبين‭ ‬الخطوط‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬واسعة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬إرثا‭ ‬تاريخيا‭ ‬وتملك‭ ‬هوية‭ ‬قوية‭  ‬تدعمها‭  ‬في‭ ‬توسعها‭ ‬العناصر‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬المتراكمة‭ ‬مما‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬توسعا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬متجددا‭. ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬مجتمعها‭ ‬أزمة‭ ‬هوية‭ ‬فتكون‭ ‬رهينة‭ ‬ثقافة‭ ‬تفتقد‭ ‬للوعي‭ ‬بالزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬وتعاني‭ ‬من‭ ‬تقلبات‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وسياسة‭ ‬واقتصادية‭  ‬خطيرة،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تجعلها‭ ‬تعيش‭ ‬الانحدار‭ ‬والتيه‭ ‬والتخبط‭ ‬والانغلاق‭ ‬الاستراتيجي‭.‬
الجزائر‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭ ‬وموحدة‭ ‬وتفتقد‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬الروحية‭ ‬بين‭ ‬مكوناتها‭ ‬المجتمعية،‭ ‬مع‭ ‬غياب‭  ‬قيم‭  ‬مجتمعية‭ ‬مشتركة،‭ ‬كما‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬إرث‭ ‬ثقافي‭ ‬يميزها‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬خطوط‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدودها‭ ‬الدولية،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أي‭ ‬تواجد‭ ‬ثقافي‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭  ‬محاولة‭ ‬سرقة‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬لجيرانها‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وازواد‭ ‬والمغرب،‭ ‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬تراث‭ ‬غيرها،‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬والانحدار‭ ‬النفسي‭. ‬
فمثلا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البقاع‭ ‬الإسلامية‭ ‬يتم‭ ‬افتتاح‭ ‬المساجد‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬لما‭ ‬يحمله‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬وتكون‭ ‬مراسم‭ ‬الافتتاح‭ ‬مصحوبة‭ ‬بمظاهر‭ ‬تعبدية‭ ‬تليق‭ ‬بقدسية‭ ‬المكان‭ ‬وبلباس‭ ‬تقليدي‭ ‬موحد‭. ‬
غير‭ ‬أن‭  ‬الجزائر‭ ‬شكلت‭ ‬استثناءا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حيث‭  ‬اختارت‭  ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2024‬لافتتاح‭ ‬“جامع‭ ‬الجزائر”‭ ‬رسميا،‭ ‬وجرى‭ ‬التدشين‭ ‬برئاسة‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون،‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عبادة‭ ‬أو‭ ‬طقوس‭ ‬دينية،‭ ‬فقد‭ ‬مر‭ ‬الافتتاح‭ ‬بدون‭ ‬صلاة‭ ‬وبدون‭ ‬خطبة‭ ‬وبدون‭ ‬آذان،‭ ‬مما‭ ‬يجسد‭ ‬بجلاء‭ ‬الفقر‭ ‬الثقافي‭ ‬للجزائر‭ ‬التي‭  ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬تأسيسها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬فرنسا،‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬لها‭ ‬هوية‭ ‬ثقافية‭ ‬خاصة‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬غيرها،‭ ‬بسبب‭  ‬افتقادها‭ ‬الى‭ ‬هوية‭ ‬ثقافية‭  ‬قوية‭ ‬تدعمها‭ ‬العناصر‭ ‬التاريخية‭ ‬المتراكمة‭.‬
 
وماذا‭ ‬عن‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يمتلكه‭ ‬المغرب‭ ‬؟‭ ‬
المغرب‭ ‬خلافا‭ ‬للجزائر،‭ ‬يمتلك‭ ‬إرثا‭ ‬حضاريا‭ ‬متكاملا‭ ‬ومتنوعا،‭ ‬ويحتل‭ ‬مكانة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويمتلك‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬الجيد‭  ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المغرب‭   ‬الجغرافي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬ومكانته‭ ‬التاريخية،‭ ‬مركزا‭ ‬سياسيا‭ ‬وحضاريا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وحوض‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وله‭ ‬خطوط‭ ‬وأحزمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬واسعة‭ ‬وتزداد‭ ‬توسعا‭ ‬بسبب‭ ‬انسجام‭  ‬قدراته‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والسياسية‭ ‬ومكانته‭ ‬المرموقة‭ ‬والمتميزة‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬الدولية،‭ ‬وأن‭ ‬يقيم‭ ‬دولة‭ ‬مركزية‭ ‬قوية‭ ‬طيلة‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬الى‭ ‬تسطير‭ ‬خطط‭ ‬ممنهجة‭  ‬لسرقة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬ونسبها‭ ‬الى‭ ‬الجزائر،‭ ‬بشكل‭ ‬قابلته‭ ‬مجتمعات‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الاستهجان‭ ‬والاستغراب‭.‬
 
ما‭ ‬هو‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬لحماية‭ ‬تراثه‭ ‬من‭ ‬قرصنة‭ ‬وتطاول‭ ‬الجزائر‭ ‬؟
المطلوب‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬الموروث‭ ‬المغربي‭ ‬اللامادي‭ ‬لدى‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الثقافية،‭ ‬ورفع‭ ‬قضايا‭ ‬قانونية‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية‭ ‬المختصة‭. ‬والمطلوب‭ ‬كذلك‭  ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحماية‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬والملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬أن‭ ‬تتصدى‭ ‬بحزم‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬السرقات‭ ‬وعمليات‭ ‬السطو‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬اتخاد‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬الردعية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬ممارساته‭ ‬المشينة‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المغربي‭ ‬مطالب‭ ‬بفضح‭ ‬أساليب‭ ‬السرقة‭ ‬الجزائرية‭ ‬امام‭ ‬العالم‭ ‬واستغلال‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاعلام‭ ‬الدولي‭ ‬لكشف‭ ‬أساليب‭ ‬السرقة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬للسطو‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬والتنديد‭ ‬بقوة‭ ‬بأساليبه‭ ‬البئيسة‭.‬