الثلاثاء 30 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: هذه بعض مفاتيح إقناع المشاهد المغربي للعودة للاستمتاع ببرامج قنوات التلفزيون المغربي

أحمد فردوس: هذه بعض مفاتيح إقناع المشاهد المغربي للعودة للاستمتاع ببرامج قنوات التلفزيون المغربي أحمد فردوس
بمناسبة فضائح إغراءات الربح السريع، وفي خضم ما يقع من تسيب وفوضى من لدن مستعملي كاميرات وشاشات الهواتف النقالة أمام أعين من يهمهم الأمر، تتم للأسف عملية تشويه كنوز التراث الشعبي المغربي بمختلف تلاوينه عن طريق صناعة محتويات سلبية، سريعة الإنتشار والتأثير في الأوساط الشعبية عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، مما يستدعي التصدي بحزم لهذا المؤشر السلبي عن طريق اليقظة الثقافية والصرامة القانونية دون تردد، على اعتبار أن صناعة المحتوى العشوائي يسيء اليوم بشكل خطير لجزء من الحضارة والتاريخ في شقها المرتبط بالثقافة الشعبية والتراث الإنساني المادي واللامادي.
 
مما لا شك فيه أن الجميع يعلم ويتابع تسيّب "علماء" الزمن الرقمي، وتسونامي الفيديوهات السّريعة المونتاج والدبلجة التي يتم طرحها وترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يتم تصوير وتقديم لقطات ومشاهد تخص مواضيع ذات الصلة بالتراث والموروث الثقافي الشعبي، مصاحبة بتعاليق خاطئة ومشوهة، يتحدث من خلالها أمّيون يقدمون دروسا في هذا الشأن اعتمادا على "السَّنْطِيحَةْ" بدون حياء وبدون حرج.
 
اعتقد أن الوسيلة الناجعة لمحاربة هذه الظاهرة السلبية تدعو جميع الجهات المسؤولة إلى هبّة وطنية للتفكير في عودة الجمهور لمتابعة قنوات التلفزيون المغربي الذي فرّط بطريقة وأخرى في ملايين المشاهدين من هذا الجيل المتخبط وسط أمواج الحيرة والتيه، رغم أن الأسرة المغربية تساهم في أداء ملايير الضرائب عبر فاتورة الكهرباء من أجل الإمتاع والمؤانسة والتثقيف وتهذيب الذوق الفني، إلا أن المشاهد لا يجد اليوم ذاته فيما يقدم له من برامج جامدة ومحنطة، بل أنه لا يقتنع بما تقدمه التلفزة من برامج خصوصا ذات الصلة بتراث الموروث الثقافي الشعبي بكل روافده وتنوعه.
 
نحن اليوم، في أمس الحاجة إلى برامج تلفزيونية ثقافية وازنة ومتخصصة، قادرة على النبش والكشف عن كنوز طقوس وعادات وتقاليد الشعب المغربي، وعشقه لثقافة الفرح والسعادة، التي كانت تبتدئ من الموسم الفلاحي إلى موسم الحصاد ولياليه القمرية الجميلة، والسفر إلى موطن الأسواق الأسبوعية التي تعج بالمشاهد والعادات والعلاقات الاجتماعية والإنسانية، لتليها لحظات لَمَّةْ العقيقة، وأعراس الختان وأعراس الزواج، وأعراس حفظ القرآن، والألعاب الشعبية بتعدد روافدها وتنوع مناسباتها الدينية والوطنية.
 
جانب آخر من جوانب تراثنا وثقافتنا الشعبية "فن ركوب الخيل وقياداتها" والذي لم يكن تحلوا مواكبته ومتابعته إلّا بطقوس "الجْمَاعَةْ" و "لَمَّةْ لَحْبَابْ" التي تتحلّق بعشق واهتمام على صينية الشاي وتبادل كلام المعنى في حضرة علام الخيل، يتعرض بدوره للمتاجرة والتّسفيه والتبخيس من طرف بعض "علماء" صناعة المحتوى السريع، ويلزمه وقفة رزينة لمعالجة كل ما يتعلق بتراث سنابك الخيل والبارود، بعد أن أضحت الفيديوهات السريعة المطروحة على مواقع التواصل الاجتماعي تناقش بعشوائية وإساءة لكل مضامينه، بل أنها حسمت الأمر في عدة مواضيع وملفات تتعلق بفنون ورياضة الفروسية التقليدية وتاريخها وألبستها وأسلحتها وطرق لعبها ومدارسها وشيوخها الرواد وانتسابهم لهذه الزاوية أو تلك.

نحتاج اليوم إلى برامج ثقافية واجتماعية تسلط الضوء من طرف الباحثين والدارسين المختصين على موازين وإيقاعات نغمات النّفخ على آلة "الْغَيْطَةْ" وقرع "الطّْبَلْ" ونغمات "لَوْتَارْ" وحَكَّاكْ "الْكَمَنْجَةْ" وشَدَّانْ "الطَّعْرِيجَةْ"، لإعادة صناعة لحظات "لَفْرَاجَةْ" بأصوات المتمكنين من عمالقة الفن والغناء والموسيقى التقليدية التي تصدح بفنون العيطة المغربية والغناء الشعبي المتعدد. ونحتاج أيضا في هذا السيّاق إلى ترسيم حدود الإنتماء لهذه الأرض الطيبة حتى لا تضيع كل رقصاتنا الحربية التي تجيدها مجموعات عبيدات الرمى التي تبهر المتلقي وهي تحاكي حركات الحصادة أو الصيادة، وكذا حركات الفرسان على صهوات الخيول بأسلحة مكاحل البارود والسيوف والخناجر.
 
ما أحوجنا اليوم، إلى برامج تهتم حقيقة بالثقافة والتراث الشعبي، وتسافر بالجمهور خارج أسوار الإسمنت وكواليس التصوير داخل الأستوديوهات الجامدة والباردة. برامج فنية توثيقية تكون مفتوحة على الهواء وعلى الجمهور المحلي في الزمان والمكان بدل الاعتماد على القاعات المكيفة. برامج فنية توثيقية تحط الرحال في الأوساط الاجتماعية بين أحضان جمال الطبيعة، وسط حقول البادية والقرية، وبجانب الوادي، وعلى قمة الجبل، والسفح، وعلى بساط رمال الصحراء الذهبية وتلال أراضينا الممتدة بخصوبتها الزراعية والفلاحية.

نتطلع اليوم إلى تنافس شريف وشفاف بين المنتجين على البرامج الفنية والتوثيقية التي تجمع كل القواسم المشتركة بين الإنسان والمجال والإمكانات والمقدرات، في مختلف جهات الوطن. برامج حقيقية تجيب على سؤال الذاكرة والتراث بمواقع سلاسل جبالنا، وتحت ظلال النخيل الباسق بواحات الجنوب الشرقي، والشمال المغربي. برامج إبداعية تشق عدسات كاميرات تصويرها عباب الموج بسواحلنا لاستنطاق مكنونات المشترك من الثقافة الشعبية وطقوسها وتقاليدها وعاداتها، وتنصف كنوز التراث المادي واللامادي الذي تنتظر صفحاته التاريخية المشرقة من يسلط كشافات الضوء عليها بعشق وذكاء.

طبعا نحن لا نبخّس أعمال الناس، لأن هناك تجارب متميزة سواء على مستوى برامج الإذاعة أو التلفزة، أسّست ودشّنت لمثل هذا التصور العملي والميداني الاحترافي، بل أن بعض البرامج المؤسسة لمثل هذه الأعمال منحتنا شرف فرصة الاطلاع على طقوس وعادات الشعب المغربي وثقافته وبيئته، بكل فئاته الاجتماعية في علاقة بموروثه الثقافي الشعبي، سواء في البادية أو الحواضر، رغم أن اللحظة لا تسعفنا للخوض في مسارها وأسباب توقفها.
 
طبعا، لا تنقصنا الموارد البشرية المتمكنة، ولا تنقصنا أيضا الإمكانيات لتنفيذ مثل هذه المشاريع الفنية والثقافية ذات الصلة بالموروث الثقافي الشعبي، لكن في الحقيقة تنقصنا القرارات الجريئة للقطع مع العشوائية والفوضى في القطاع وكل ما من شأنه تعطيل عجلة التغيير في هذا الحقل الحساس والمؤثر جدا، والقطع أيضا مع سياسة "أبَّاكْ صَاحْبِي" و "أمُّكْ فِي دَارْ الْعَرْسْ"، فمتى تحققت الإرادة تحققت معها الْهَبَّة الوطنية للتميز.