انطلاقا من اليوم سأشطب على لفظة «الإجهاد المائي» من قاموسي.
ابتداء من اليوم سوف لا أعترف إلا بإجهاد واحد، ألا وهو «الإجهاد في استحمار ذكاء المغاربة»، و»الإجهاد في استبلاد المواطنين»!.
ابتداء من اليوم سوف لا أعترف إلا بإجهاد واحد، ألا وهو «الإجهاد في استحمار ذكاء المغاربة»، و»الإجهاد في استبلاد المواطنين»!.
وهاهي حجتي:
في عام 2008 تعرضت مدينة برشلونة لجفاف قاس نتجت عنه أزمة عطش حادة، اضطرت معه السلطات الإسبانية إلى تجنيد وتحريك أسطول يومي من السفن لجلب الماء الشروب من مدينة مارسيليا الفرنسية (تبعد ب 500 كلم)، حتى لا تصاب عاصمة كاطالونيا بالسكتة القلبية.
وبحكم أن كاطالونيا تمثل ثقلا اقتصاديا يساوي 20 في المائة من الناتج الداخلي الإسباني، فإن السلطات الإسبانية قررت وسطرت ومولت وسهرت على إعداد برنامج ضخم لتحلية مياه البحر تم تنفيذه في رمشة عين، أي في ظرف سنة. إذ في غشت 2009 توقفت السفن عن شحن المياه من مارسيليا، وتم افتتاح أكبر معمل لتحلية مياه البحر بأوروبا ينتج 60 مليون متر مكعب من الماء سنويا، يسمح بإرواء عطش 4.5 مليون نسمة من سكان برشلونة وسكان الحواضر التابعة للميتروبول الكاطالاني.
في المغرب، كل الدراسات وكل التقارير وكل تحذيرات الخبراء كانت تشير منذ أزيد من 60 سنة، إلى أن بلادنا تتجه نحو الندرة والعجز المائي. وبدل أن يكون مسؤولو المغرب في مستوى التحدي والتوقع والاستشراف، تم إمطار المغاربة ب"الشفوي" و"السماوي" و"الله يداوي".
حسبي هنا الاستشهاد بهذا الرقم المفجع المتمثل في أن المغرب عرف خلال 70 سنة الماضية، 20 موسم جفاف، أي موسما جافا وحدا على رأس كل 3 سنوات ونصف.
لا، ليس هذا وحسب، بل وسبق لطنجة أن عاشت عام 1996 جفافا حادا اقتضى من إدريس البصري، الوزير القوي في العهد السابق، جمع كل المسؤولين في مقر عمالة بنمسيك بالدار البيضاء، وفرض «إتاوة» على الجماعات المحلية بالمغرب للمساهمة في «برنامج إنقاذ طنجة من العطش» لتمويل كراء السفن لننقل الماء لعاصمة البوغاز.
وفي مطلع الألفية الحالية، وبعد استنزاف كبار فلاحي الريع للفرشة المائية بسوس، وبدل أن تتعظ السلطات، تم توجيه الاعتمادات المالية للمغاربة لبناء سدود بالملايير لم ينتفع من معظمها سوى بعض الفلاحين الكبار الذين يصدرون المواد الغذائية الشافطة للماء، لأوربا على حساب تهجير القرويين وتسمين العائلات الكبرى المالكة للأراضي، دون أن يتحمل هؤلاء المصدرون الكبار (من أصحاب الريع) أي كلفة في البناء أو التجهيز أو إعداد معامل تحلية ماء البحر.
ومع انطلاق مخطط المغرب الأخضرعام 2009، ارتفعت الأصوات محذرة من مخاطر هذا البرنامج على السيادة المائية للبلاد وعلى الأمن الغذائي للمغرب، بحكم أن مخطط المغرب الأخضر يخدم كبار الفلاحين ويشجع زراعات تستهلك بإفراط المخزون المائي للمغاربة. وعوض أن تعمل الحكومة على الإنصات لصوت العقل وحماية الأمن القومي للمغاربة وعدم رهن سيادتهم الغذائية بالخارج، دفن المسؤولون المغاربة رؤوسهم في الرمال، وروجوا لبهتان عظيم يتمثل في إصدار الحكومة سنة 2009 لـ «استراتيجية وطنية للماء» على أمل إسكات الأصوات الرافضة لرهن سيادة المغرب واستنزاف موارده المائية.
للأسف، حتى الالتزامات الواردة في «الاستراتيجية الوطنية للماء» لم تحترمها أي حكومة من الحكومات المتعاقبة (من حكومة عباس الفاسي إلى حكومة أخنوش مرورا بحكومتي بنكيران والعثماني)، سواء تعلق الأمر بتحلية مياه البحر أو ترشيد مياه السقي أو تثمين الموارد المائية أو حماية المخزون الجوفي أو التضامن بين الأحواض المائية أو حماية 34 فرشة مائية. بالنظر إلى أن الاستراتيجة الوطنية حددت سقفا في عام 2030، لكن على أساس أن تكون كل البرامج المائية المسطرة منفذة بين 2010 و2020 لكي لا يعرف المغرب أزمة في الماء سواء الماء الشروب أو المخصص للسقي.
اليوم، لما وقعت الفأس في الرأس، خرجت الحكومة تنفث أكاذيبها وأباطيلها، وأرجعت أزمة العطش إلى «التغيرات المناخية» و«الاحتباس الحراري»، و«الانكماش الشمسي»! والحال أن المغرب يعاني من «احتباس الرغبة في إنجاز المشاريع في وقتها» و"احتباس الإرادة" في خدمة الشعب بوطنية صادقة و"انكماش النية" في ضمان حقوق الأجيال المقبلة كذلك. بدليل أن كبار الملاكين المغاربة المصدرين للمواد الفلاحية لأوروبا (على حساب حقوق المغرب)، يحتكرون 88 % من الموارد المائية الوطنية، ويستفيدون بالإضافة إلى ذلك من إعفاء ضريبي منذ عام 1984 (المعطيات استقيناها من مداخلة النقيب عبد اللطيف أوعمو بالبرلمان في جلسة 9 فبراير 2021).
كما أن كل وزراء التجهيز والماء والفلاحة الذين تعاقبوا على المغرب منذ 2009 إلى اليوم، فشلوا في تطويق هدر أزيد من 6 ملايير متر مكعب من الماء في السقي (87% من موارد المغرب المائية يستهلكها قطاع السقي).
وفي الوقت الذي كانت فيه الدول الحاضنة لثلث سكان العالم، تتجه منذ 20 سنة لتطوير معامل تحلية البحر (97 في المائة من مخزون مياه الكرة الأرضية يوجد في البحار)، وتنتج براءات الاختراع وتطور صناعاتها الكيماوية والميكروبيولوجية للظفر بصفقات تحلية المياه في الصين والسعودية والإمارات والمكسيك والكويت وجزر المالديف والأردن ومصر وتركيا وإسرائيل وأمريكا وإسبانيا وإنجلترا وكوريا، وغيرها من دول المعمور، كان المغرب يبذر ثروته المائية ويعطل ويجمد الأوراش المسطرة، لدرجة أن مشاريع تحلية المياه التي كان مفروضا أن ترى النور بين عام 2016 و2018، لم تنجز حتى دراستها أو الإعلان عن تواريخ صفقاتها فأحرى أن يطمئن المغاربة لتطمينات الحكومة بإخراجها لحيز الوجود بحلول عام 2030.
كيف للمغاربة إذن أن يطمئنوا للمستقبل، وهم يرون كيف أن إسبانيا استفادت من درس العطش في 2008، وأنجزت 700 معمل لتحلية مياه البحر على كامل سواحلها وجزرها، لدرجة أن الشركة الإسبانية Acciona أضحت الآن أحد عمالقة تحلية مياه البحرفي العالم تقضم معظم الصفقات في هذا المجال في كل دول المعمور.
فطوبى للإسبان، واللعنة على كل مسؤول مغربي: حكومي أو برلماني أو مسؤول في قطاع الريع، ساهم في «الاحتباس الحراري» بالمغرب!.