الثلاثاء 5 ديسمبر 2023
سياسة

زلزال الحوز وإعادة الإعمار.. واجب الإنصاف والمصالحة مع الجبل

زلزال الحوز وإعادة الإعمار.. واجب الإنصاف والمصالحة مع الجبل
أودى‭ ‬زلزال‭ ‬8‭ ‬شتنبر‭ ‬2023‭ ‬بحوالي‭ ‬3000‭ ‬قتيل‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬أقاليم:‭ ‬الحوز،‭ ‬تارودانت،‭ ‬شيشاوة،‭ ‬وارزازات‭ ‬وأزيلال‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬«مهرداد‭ ‬ساساني»،‭ ‬أستاذ‭ ‬الهندسة‭ ‬المدنية‭ ‬والبيئية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬نورث‭ ‬إيسترن‭ ‬الأمريكية،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الزلزال‭ ‬لا‭ ‬يقتل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬القتلى،‭ ‬بهذا‭ ‬العدد‭ ‬المرتفع،‭ ‬كانوا‭ ‬ضحايا‭ ‬«الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الكوارث»‭. ‬وهو‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬عززه‭ ‬الخبير‭ ‬الإسباني،‭ ‬«خوسي‭ ‬كارلوس‭ ‬سالسيدو»،‭ ‬أستاذ‭ ‬قسم‭ ‬هياكل‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬إكستريمادورا،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬«النقطة‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬حادثة‭ ‬الزلزال‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية‭ ‬القائمة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬وصف‭ ‬بـ‭ ‬«لعنة»‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية»‭.‬
كلا‭ ‬الرأيين‭ ‬يركزان،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح،‭ ‬على‭ ‬«أنظمة‭ ‬البناء‭ ‬القديمة‭ ‬وغير‭ ‬المصممة‭ ‬لمقاومة‭ ‬الزلازل»؛‭ ‬وهي‭ ‬«نقمة‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬نعمة»،‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬فقد‭ ‬استفاق‭ ‬المسؤولون‭ ‬المغاربة،‭ ‬وحتى‭ ‬النخب‭ ‬والمواطنين،‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬ثابتة،‭ ‬تهم‭ ‬ضرورة‭ ‬الانتباه‭ ‬بالجدية‭ ‬اللازمة‭ ‬إلى‭ ‬إشكالية‭ ‬إعداد‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬والعلاقة‭ ‬المفترضة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والمجال‭. ‬فالجدية‭ ‬هي‭ ‬المنهج‭ ‬المتكامل‭ ‬لربط‭ ‬ممارسة‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة‭ ‬وإشاعة‭ ‬قيم‭ ‬الحكامة‭ ‬والعمل‭ ‬والاستحقاق‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬لعيد‭ ‬العرش‭ ‬(29‭ ‬يوليوز‭ ‬2023)‭. ‬وهذه‭ ‬الجدية‭ ‬هي‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬إشهاره،‭ ‬بخصوص‭ ‬مخططات‭ ‬إعداد‭ ‬التراب،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجهات‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬زلزال‭ ‬الحوز‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬جمبع‭ ‬الـ‭ ‬12‭ ‬جهة‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬المغرب،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬جهة‭ ‬لديها‭ ‬«تصميم‭ ‬جهوي‭ ‬خاص‭ ‬ومحين‭ ‬لإعداد‭ ‬التراب»،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬بإفراز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬راسلت،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انتخابات‭ ‬(2021)‭ ‬كل‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬«التصاميم‭ ‬التنموية‭ ‬الجهوية»‭ ‬وتحيينها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بالفعل‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المجالس‭ ‬صادقت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التصاميم‭. ‬ولهذا،‭ ‬فالفرصة‭ ‬الآن‭ ‬مواتية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬لاعتماد‭ ‬تصاميم‭ ‬جهوية‭ ‬لإعداد‭ ‬التراب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جهة‭ ‬بطريقة‭ ‬تستحضر‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬المحتملة،‭ ‬كما‭ ‬تستحضر‭ ‬الإكراهات‭ ‬والخصوصيات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬أصبح‭ ‬يتوفر‭ ‬لديهم‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬تشخيص‭ ‬الحالات‭ ‬وما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والمعطيات‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬تحيينها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬اعتماد‭ ‬الجهوية‭ ‬الموسعة،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬وثيقة‭ ‬مرجعية‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬بلورة‭ ‬تهيئة‭ ‬مجالية‭ ‬مستدامة‭ ‬ومنسجمة‭ ‬مع‭ ‬المشاريع‭ ‬الترابية‭ ‬المهيكلة‭.‬
لقد‭ ‬ذكرنا‭ ‬زلزال‭ ‬8‭ ‬شتنبر‭ ‬2023،‭  ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬الحوز‭ ‬وأقاليم‭ ‬أخرى،‭ ‬بأن‭ ‬الهشاشة‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات،‭ ‬وأن‭ ‬ساكنة‭ ‬الجبال‭ ‬ماتوا‭ ‬بسبب‭ ‬هشاشة‭ ‬البناء‭ ‬وضعف‭ ‬البنية‭ ‬الطرقية‭ ‬ووعورة‭ ‬المسالك‭ ‬إلى‭ ‬الدواوير‭ ‬المنكوبة‭ ‬التي‭ ‬صعبت‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬التدخل‭ ‬والإسعاف‭ ‬والإنقاذ‭. ‬كما‭ ‬بيّن‭ ‬أن‭ ‬المناطق‭ ‬القروية‭ ‬أو‭ ‬الريفية‭ ‬أو‭ ‬الجبلية‭ ‬كانت‭ ‬خارج‭ ‬رادار‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬اللهم‭ ‬إذا‭ ‬استثنيا‭ ‬بعض‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬مما‭ ‬يستدعي‭ ‬ضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مستعجلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الهشاشة‭ ‬وإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها،‭ ‬لأننا‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬موسم‭ ‬الثلوج‭ ‬والبرد،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬مشكل‭ ‬البرد‭ ‬والثلوج‭ ‬يعتبر‭ ‬مشكلا‭ ‬بنيويا‭ ‬في‭ ‬الشريط‭ ‬الجبلي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬استحضاره‭ ‬أجل‭ ‬جبر‭ ‬الضرر،‭ ‬وفق‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬المعبّر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬ترأسه‭ ‬الملك‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬شتنبر‭‬2023، والقاضية‭ ‬بإطلاق‭ ‬مبادرات‭ ‬استعجالية‭ ‬للإيواء‭ ‬المؤقت،‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مقاومة‭ ‬للبرد‭ ‬وللاضطرابات‭ ‬الجوية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬استقبال‭ ‬مهيأة‭ ‬وتتوفر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المرافق‭ ‬الضرورية‭ ‬وكافة‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭. ‬
إن‭ ‬التاريخ‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬الحوز،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الجبلية،‭ ‬كانت‭ ‬ولاتزال‭ ‬بؤرة‭ ‬للكوارث‭ ‬الطبيعية‭. ‬فقد‭ ‬تعرضت‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬متفاوتة‭ ‬لفيضانات‭ ‬وانجرافات‭ ‬صخرية‭ ‬وانهيارات‭ ‬طينية،‭ ‬كما‭ ‬تعرضت‭ ‬لأعاصير‭ ‬خطيرة‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الزلزال‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬التجليات‭ ‬الكبرى‭ ‬لهذه‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬المنطقة‭. ‬نعم،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجهودات‭ ‬تم‭ ‬بذلها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المواجهة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تظل‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬تواترها،‭ ‬مما‭ ‬يقتضى‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬والتوقع‭ ‬وتوفير‭ ‬أدوات‭ ‬مواجهة‭ ‬المخاطر‭ ‬الطبيعية‭ ‬لتقليل‭ ‬الخسارات‭. ‬
والآن‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬وبدأت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬تقترح‭ ‬الحلول،‭ ‬ومنها‭ ‬ضرورة‭ ‬تجميع‭ ‬القرى‭ ‬والمداشر‭ ‬بالمناطق‭ ‬المنكوبة‭ ‬لتسهيل‭ ‬إيصال‭ ‬المرافق‭ ‬(الطرق،‭ ‬المراكز‭ ‬الصحية،‭ ‬المدارس،‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية،‭ ‬دور‭ ‬الولادة‭... ‬إلخ)،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭ ‬مقاربة‭ ‬قسرية‭ ‬لتجميع‭ ‬تلك‭ ‬القرى‭ ‬والمداشر،‭ ‬أم‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬بديلة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬خصوصيات‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬باعتماد‭ ‬تقنيات‭ ‬تحمي‭ ‬الأرواح‭ ‬والممتلكات‭ ‬مستقبلا؟
يرى‭ ‬بعض‭ ‬المهتمين‭ ‬أن‭ ‬«التجميع»‭ ‬أمر‭ ‬مستبعد،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬البلاغ‭ ‬الملكي (‭ ‬14‬شتنبر‭‬2023) تحدث‭ ‬عن‭ ‬مراعاة‭ ‬الخصوصية‭ ‬وعدم‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬خصومة‭ ‬مع‭ ‬الموروث‭ ‬المحلي‭ ‬الجبلي،‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬«تكون‭ ‬الاستجابة‭ ‬قوية،‭ ‬سريعة،‭ ‬واستباقية‭ ‬مع‭ ‬احترام‭ ‬كرامة‭ ‬الساكنة،‭ ‬وعاداتهم‭ ‬وأعرافهم‭ ‬وتراثهم‭. ‬فالإجراءات‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬الزلزال،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬إطلاق‭ ‬برنامج‭ ‬مدروس،‭ ‬مندمج،‭ ‬وطموح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬وتأهيل‭ ‬المناطق‭ ‬المتضررة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تعزيز‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية‭ ‬أو‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية»‭. ‬فكيف،‭ ‬إذن،‭ ‬يمكن‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الخصوصية‭ ‬المحلية‭ ‬وبين‭ ‬حماية‭ ‬الممتلكات‭ ‬والأرواح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التشتت‭ ‬العمراني‭ ‬وتشتت‭ ‬الدواوير‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬المنطقة‭ ‬وتعرفه‭ ‬الأحواض‭ ‬الجبلية‭ ‬بالمغرب‭ ‬عموما،‭ ‬وذلك‭ ‬تلافيا‭ ‬لتكرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الزلزال،‭ ‬إذا‭ ‬وقعت‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬كوارث‭ ‬أخرى؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬إنجاح‭ ‬عملية‭ ‬التجميع‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬الخصوصيات‭ ‬المحلية‭ ‬والتراثية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬الجهوية‭ ‬الموسعة‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬وبنى‭ ‬التقسيم‭ ‬الجهوي‭ ‬على‭ ‬أساسه؟
لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬تجربة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المخاطر‭ ‬الطبيعية‭ ‬وإدارة‭ ‬تبعاتها،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬تتوفر‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬خبرة‭ ‬مشهود‭ ‬بها‭ ‬دوليا،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬شاركت‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬المغرب‭ ‬مثل‭ ‬زلزال‭ ‬أكادير،‭ ‬وفيضانات‭ ‬الغرب،‭ ‬وحرائق‭ ‬الغابات‭ ‬ولاسامير‭ .... ‬وغيرها، وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬القدرات‭ ‬التنظيمية‭ ‬واللوجستية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬توفرها‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التدخل‭ ‬الاستعجالي‭ ‬أثناء‭ ‬حدوث‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬المخاطر،‭ ‬مثل‭ ‬المخاطر‭ ‬البيئية‭ ‬كتلوث‭ ‬السواحل،‭ ‬والفيضانات،‭ ‬والحرائق،‭ ‬وانجراف‭ ‬التربة‭ ‬والصخور‭ ‬في‭ ‬المسالك‭ ‬الوعرة‭. ‬بيد‭ ‬أنه،‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الخبرة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬زلزال‭ ‬الحوز،‭  ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬عمومية‭ ‬واصحة‭ ‬لتدبير‭ ‬مخزون‭ ‬مواجهة‭ ‬الكوارث‭ ‬(الخيام،‭ ‬الأغطية،‭ ‬الأدوية،‭ ‬الأفرنة،‭ ‬المراحيض‭ ‬المتنقلة،‭ ‬المولدات‭ ‬الكهربائية‭ ‬المتنقلة‭.. ‬إلخ)،‭ ‬حتى‭ ‬يجري‭ ‬التحرك‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الاستعجال‭ ‬بهذا‭ ‬المخزون‭ ‬لمواجهة‭ ‬الحاجيات‭ ‬الضرورية‭ ‬أثناء‭ ‬وقوع‭ ‬أي‭ ‬كارثة‭.‬
إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬عليها،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتربية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وكل‭ ‬المغاربة‭ ‬عموما،‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬المخاطر‭ ‬البيئية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬ثبت‭ ‬بالملموس‭ ‬أن‭ ‬المواطنين‭ ‬يجهلون‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المخاطر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬زلزالا‭ ‬أو‭ ‬إعصارا‭ ‬أو‭ ‬فيضانا‭.. ‬إلخ،‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬أو‭ ‬التايوان‭ ‬مثلا‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يقع‭ ‬زلزال‭ ‬أو‭ ‬إعصار‭ ‬في‭ ‬أراضيهما‭ ‬حتى‭ ‬يلجأ‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬الأبجديات‭ ‬الأولى‭ ‬للتعامل‭ ‬معها‭ ‬أثناء‭ ‬وقوعه‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬بعدما‭ ‬ثبت‭ ‬بالدليل‭ ‬والبرهان‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬منطقة‭ ‬معرضة‭ ‬لمخاطر‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والبيئية،‭ ‬إدماج‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬المخاطر‭ ‬في‭ ‬مقرراتنا‭ ‬الدراسية‭ ‬وبرامجنا‭ ‬التعليمية،‭ ‬مع‭ ‬إخضاع‭ ‬تلاميذ‭ ‬المناطق‭ ‬المهددة‭  ‬لبرامج‭ ‬محاكاة‭ ‬مواجهة‭ ‬المخاطر‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭.‬
نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إليها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬فجوتها،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تجهيز‭ ‬خرائط‭ ‬المناطق‭ ‬الزلزالية‭. ‬فالمغرب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخرائط‭ ‬المحينة،‭ ‬ولذلك‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬الطاقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مديرية‭ ‬الجيولوجيا،‭ ‬أن‭ ‬تسارع‭ ‬بإعداد‭ ‬خريطة‭ ‬محينة‭ ‬للمناطق‭ ‬الزلزالية،‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الراغبون‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬المنازل‭ ‬أو‭ ‬المصانع‭ ‬أو‭ ‬الفنادق‭ ‬أو‭ ‬الطرق‭ ‬والأنفاق‭ ‬والقناطر‭ ‬والسدود‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬نوعية‭ ‬البناء‭ ‬المضاد‭ ‬للزلازل‭ ‬وتحسين‭ ‬مقاومة‭ ‬المباني‭.‬
إن‭ ‬زلزال‭ ‬الحوز،‭ ‬رغم‭ ‬فداحة‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والممتلكات،‭ ‬علينا‭ ‬استغلاله‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬للإقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنموي‭ ‬بالأقاليم‭ ‬الخمسة‭ ‬المنكوبة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحتم‭ ‬انتهازها‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مدخلا‭ ‬أساسيا‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاختلالات‭ ‬والأعطاب‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تثقل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المغربية‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الأسبوعي «الوطن الآن»