Saturday 14 June 2025
كتاب الرأي

احمد نور الدين: تنويع شركاء المغرب.. الدوافع والغايات

احمد نور الدين: تنويع شركاء المغرب.. الدوافع والغايات احمد نور الدين
على خلفية حصول المغرب على وضع شريك في الحوار القطاعي لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا ب(آشيان)، حيث سيكون أول بلد في شمال افريقيا يحظى بهذا الوضع، يمكن القول أن تنويع المملكة لشركائها خيار استراتيجي ليس وليد التقلبات الجيوسياسية التي يعرفها العالم خلال العشرية الأخيرة، خاصة منها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ثم حربها على اوكرانيا، ولا حتى تصاعد حدة الصراع في بحر الصين، والإتجاه نحو المواجهة بين واشنطن وبيكين بخلفية اقتصادية، وغير ذلك من الأزمات وبؤر التوتر التي طفت على سطح العلاقات الدولية. 
 
وفي هذا الصدد يمكننا أن نستقرئ هذا التوجه في السياسة الخارجية المغربية منذ تربع الملك محمد السادس على العرش، حيث بدأت تظهر الملامح الأولي لرؤيته الجيوسياسية من أجل إعادة تموقع المغرب على رقعة الشطرنج العالمية، سواء في شقها السياسي  و الإستراتيجي أو شقها الإقتصادي، فهما مرتبطان ويكمل بعضهما البعض. 
وهذه الرؤية حرصت على بث رسائل الطمأنة للحلفاء التقليديين بأن توجه المغرب الجديد ليس مناقضا لمصالح شركائه الكلاسيكيين. ولكن في نفس الآن سعى المغرب بخطى حثيثة نحو تنويع الشركاء مع قوى اقليمية ودولية بما يسمح له بالوصول إلى أهدافه المسطرة. وهو ما تبلور في الزيارات الملكية إلى موسكو وبكين ونيودلهي والتي كللت بالتوقيع على شراكات استراتيجية. ومع واشنطن تم التوقيع على الإتفاق للتبادل الحر ثم بعد ذلك على برنامج يهم التعاون العسكري والأمني يمتد الى غاية 2030. 
ولا ننسى العلاقات التاريخية والتي يمكن أن نصفها بفوق إستراتيجية مع مجلس تعاون الخليج العربي ، وخاصة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي توجت بقمة المغرب-الخليج سنة 2016. وهي علاقات امتدت لعقود واصبحت تغطي كل المجالات الإستراتيجية بما فيها الصناعات الدفاعية، والمجالات الإقتصادية والمالية والتقنية والعلمية والثقافية والدبلوماسية وغيرها.
وهناك أيضا اتفاقات متقدمة لم ترق بعد إلى الشراكة الإستراتيجية مع دول صاعدة مثل البرازيل وتركيا ، وتجمعات اقليمية في أمريكا اللاتينية، والمجموعة الإقتصادية لغرب إفريقيا، وتوقيع ألف اتفاقية في مختلف القطاعات خلال 50 زيارة قادت العاهل المغربي الى معظم دول القارة الإفريقية.
وللحديث عن الدوافع نحو هذا التنويع في الشركاء، 
وباختصار شديد، لا يمكن أن نغفل الجانب الجيوسياسي المتعلق بازدواجية مواقف بعض الشركاء التقليديين الذين يريدون تعاونا او "حبا" أحادي الجانب. فتراهم يطلبون من المغرب تعاونا وثيقا في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية وتسهيل الإستثمارات والحصول على الصفقات الكبرى بالمملكة وغيرها من المصالح والمكاسب وحتى الإمتيازات.. ولكن حين يتعلق الأمر بأهم ملف استراتيجي يهم مصالح المغرب وهو ملف الوحدة الترابية للمملكة، نجد هؤلاء الشركاء يلعبون على الحبلين، ويقفون في منزلة بين المنزلتين، رغم أن بعضا منهم يتحمل من الناحية التاريخية والسياسية المسؤولية عن جريمة تقسيم اراضي المغرب. واعني هنا تحديدا فرنسا واسبانيا ودول اوربية أخرى، كانت شاهدة على تآمر القوى الإمبريالية من أجل تقطيع خارطة المملكة المغربية خلال مؤتمر برلين ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء. 
وأمام هذه الإزدواجية وجد المغرب نفسه في فخ الإبتزاز من أولئك الشركاء الأوربيين، المفترض فيهم أن يكونوا حلفاءه، فلم يكن هناك بد من رد مغربي يحمل رسائل هامة بأسلوب حضاري يليق بتاريخ المغرب الإمبراطوري الممتد لاثني عشر قرنا كدولة مركزية ذات إشعاع دولي..
فكان تنويع الشركاء أحد الخيارات الذكية من أجل قلب المعادلة والخروج من وضعية الإبتزاز، ومغادرة موقع الهشاشة الجيوسياسية بكسب شركاء جدد يمكن أن يشكلوا، عند الضرورة، بديلا للمتلاعبين بمصالح المغرب الإستراتيجية من الشركاء الكلاسكيين، أو على الأقل يمكن أن يشكلوا فزاعة لأصحاب المواقف المزدوجة بأن هناك منافسين يمكن أن يهددوا مصالحهم إذا استمر الغموض والإبتزاز في علاقتهم بالمغرب. وقد لاحظنا نتائج مشجعة لهذه المقاربة تمثلت في المراجعات التي طرأت على المواقف السياسية لبعض شركائنا التقليديين ومنهم إسبانيا، إزاء مغربية الصحراء، في انتظار الحسم النهائي للنزاع. 
أما المبرر الآخر لتنويع الشركاء فهو ذو طبيعة اقتصادية بالأساس، ويرتبط بمخطط المغرب لدخول نادي الدول الصاعدة، وهو ما يتطلب اسواقا جديدة لشركاته وصادراته، ويتطلب استثمارات مبتكرة من مصادر جديدة ومتنوعة، كما يتطلب سياسة لتحويل التكنولوجيات وتوطينها من خلال استثمار الإمكانات التي تتيحها المنافسة بين الشركاء الجدد والقدامى لتقديم أفضل العروض للمغرب مقابل الفوز بصفقات المشاريع الكبرى.. 
وقد بدأنا فعلا نلاحظ تداعيات ايجابية لتنويع الشركاء والإنفتاح على دول وتجمعات جديدة؛ ومن هذه النتائج مضاعفة الناتج الداخلي الخام خلال الفترة الممتدة من بداية القرن الحالي إلى نهاية العشرية الثانية منه، وهذا الناتج مؤهل لأن يتضاعف مرة او أكثر من مرة خلال العشر سنوات المقبلة إذا حقق النموذج التنموي الجديد أهدافه المعلنة. 
ومن تداعيات تنويع الشركاء بروز صناعات مغربية قوية في قطاعات متطورة لم يكن للمغرب فيها ذكر قبل ذلك، وتعزيز تواجد الشركات المغربية في إفريقيا وغيرها من القارات. وقد استطاع المغرب أن يحقق في بعض القطاعات الريادة على المستوى الإفريقي مثل قطاع صناعة السيارات والطائرات وصناعة الأدوية، والبنوك والطاقات المتجددة والموانئ او اللوجستيك بصفة عامة، كما حقق المغرب الريادة العالمية بالنسبة لإنتاج الأسمدة والمخصبات التي ستتحكم في نسبة هامة من الأمن الغذائي العالمي. 
هذه بعض وليس كل المؤشرات على نجاعة هذا التوجه الإستراتيجي للمملكة، وهو ما سيشجع صانع القرار على الإستمرار في نهجه لتحقيق السيادة الكاملة في أفق 2030 على صعيد معظم القضايا والقطاعات الإستراتيجية المبرمجة على اجندة المملكة.