بالرغم من أن مسألة التفاوت الاجتماعي هي نتاج للنظام الاقتصادي السائد في مختلف أنحاء العالم بحكوماته ومنظماته وشركاته، إلا أن مخاطره فرضت نفسها على مختلف هذه المكونات.
وكذلك الأمر هنا في المغرب، إذ إن المغرب ليس بعيدا عن مخاطر هذه المشكلة، حيث إن مظاهر التفاوت الاجتماعي واضحة للجميع، وفاقمت سياسات "حكومة الكفاءات" مؤخرا مستويات التفاوت الاجتماعي، والذي يظهر بوضوح باتساع رقعة الفقراء بأنواعهم المختلفة.
ولهذا مازال المغرب يعتبر من الدول التي فشلت في تضييق الفجوة العميقة بين الفقراء والأغنياء، ليس فقط في ظل الأزمة الحالية، إنما أيضا في أيام الانتعاش الاقتصادي والبحبوحة.
وعندما تقارن خطابات المسؤولين المغاربة ببعض الوقائع والأرقام لا يمكن وصفهم حينئذ إلا بـ"بائعي الكلام"، لاسيما عندما يتباهون بمشاريع لا تغير بواقع معيشة المغاربة شيئا ويتسابقون على قطاف إنجازات "وهمية" بغالبيتها، ويجتمعون على عدم اطلاعهم على تقارير وطنية ودولية تفضح الواقع الاجتماعي المغربي، والتي حذرت أكثر من مرة من تزايد أعداد المهمشين واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
صحيح قام المغرب بخطوات في العقدين الأخيرين، خاصة في مجال محاربة الهشاشة والتهميش، وفك العزلة عن العالم القروي، وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتبنى العديد من البرامج الاجتماعية، وأطلق العديد من البرامج التنموية، لكن تبقى هذه المبادرات والبرامج غير كافية، بحيث التفاوت الاجتماعي والمجالي ظل يحطم الرقم القياسي في معدل الفقر بالمغرب القروي وسكان الجبال. وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن مشكلة التفاوت الاجتماعي قضية غائبة رسميا عن حسابات "حكومة الكفاءات"، وتكاد لا تدخل ضمن سياسات الدولة المالية.
فبدل أن تعمل الحكومة على خلق مناصب شغل جديدة لامتصاص العاطلين، كانت حصيلتها في سنة 2022 كارثية. فحسب المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، فالمغرب فقد 280.000 منصب شغل خلال عام. ومعدل البطالة انتقل من 11,2 إلى 12,4 في المائة، وحجم البطالة شهد ارتفاعا بـ 156 ألف شخص، منتقلا من مليون و387 ألف إلى مليون و543 ألف عاطل. وهذا معناه زيادة معدلات الفقر والبطالة والجريمة.
كما أن سجون المغرب عرفت خلال نفس الفترة ارتفاعا بسبب تزايد السجناء، إذ انتقل المغرب من 85.000 سجين إلى 100.000 سجين، هذا ناهيك أن 150 ألف مغربي ينزحون كل عام من البادية نحو المدينة هربا من بؤس ومحن البوادي.
والأسباب وراء هذا الاختلال وعدم المساواة كثيرة منها: المحسوبية، ضعف العمل المشترك، وبيروقراطية الإدارة، والريع بجميع أشكاله، والفساد المستشري بين المسؤولين الإداريين والسياسيين.
مما سبق يتضح جليا أن المجتمع المغربي يعاني الآن من غياب العدالة الاجتماعية بشكل لم يشهد له مثيل طوال تاريخنا المعاصر، لوبيات المصالح والأثرياء الجدد من الجوعى الذين جاءوا من القاع، يتعاملون مع البسطاء وكأنهم مصاصو دماء، لا يتركون أخضر أو يابس إلا وابتلعوه على آخره.
وختاما، إن التفاوت الاجتماعي والفجوة بين المغاربة ليست قدرا محتوما، فباستطاعة الحكومة أن تقرب بين حافتي هذه الفجوة باتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها إعادة توزيع الثروات كنظام الضرائب التصاعدية التي تسمح بإعادة توزيع المداخيل بطريقة عادلة وتزيد الاستثمارات في قطاع المرافق العامة وبرامج الحماية الاجتماعية الشاملة ذات النوعية الجيدة والمجانية.
كما أن مواجهة مشكلة التفاوت الاجتماعي تفرض من جهة حسن إدارة المال العام، ومن جهة أخرى مواجهة الفساد كمنظومة تنخر الاقتصاد وتستنزف موارده مولدة الفقر وعدم التوازن بين الشرائح والجهات. وأيضا تحتم وضع حد لكل الممارسات التي ترتهن الاقتصاد الوطني وتضر بمصالح المجتمع كالإضرابات العشوائية والمسيئة لصورة المغرب والواضعة لحواجز أمام الاستثمار الداخلي والخارجي، وكذلك محاصرة القضايا المفتعلة من هنا وهناك، والأعمال التي تشوش من حين لآخر على اتجاه البلاد نحو إرساء قواعد لمجتمع عادل وحر ومتنوع بعيدا عن الصراع والمزايدات.